إذا ألمَّ بالإنسان مرض ما، فمن الحكمة الذهاب إلى طبيب لتشخيص الداء، ووصف الدواء. ومن غير الحكمة الامتناع عن الطب والدواء، لأن ذلك قد يفضى إلى تفاقم الداء، والاستعصاء على الشفاء، فيؤدى ذلك إلى الهلاك، ومن المؤسف حقًا ألا يكون العلاج إلا بأحد طريقين: الأول الدواء، وهو غالبًا ما يكون مُرًا. الثانى البتر أو التدخل الجراحى . ولا خيار أمام الإنسان سوى هذا الخيار المُر، إذا ما رغب فى الحياة، فإما أن يتجرع الدواء المُر، وإما أن يعانى آلام البتر، وما يصح للأفراد إذا ألمّت بهم الأمراض والعلل، يصح كذلك للمجتمعات والأمم، ومن المجتمعات التى أصيبت بداء ما يسمى بالربيع العربى، سواء سميتها ثورات أو سميتها مؤامرات، المجتمع السورى، شأنه فى ذلك شأن بقية المجتمعات العربية، التى حطت عليها لعنة المخطط الأمريكى؛ لإعادة تقسيم المنطقة، وإن تدثرت بأردية الثورة، وخلفت نتائج كارثية، وإن كانت قد نجحت فى إزاحة رأس السلطة، ولا ريب أن مبررات الثورة، وبيئتها الخصبة، والدوافع إليها، كانت متوافرة، فى البيئة السورية، وأن النظام القائم منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضى، قد فقد كل عوامل صلاحيته للاستمرار فى سدة الحكم، وأنه غير صالح للاستهلاك الآدمى.
كل هذا صحيح، أضف إلى ذلك المواجهات الدموية للنظام فى مواجهة شعبه، على نحو غير مسبوق، ليصبغ النظام بصبغة دموية، تحول دون استمراره، أو قبول استمراره، ومع ذلك تبقى هناك مساحة للنقاش حول الثورة والثوار، فالثوار -هنا أو هناك- ليسوا هم الملائكة الأطهار، ذوو الأيدى المتوضئة، والأفكار النقية، والمسلك المثالية، إذ حولهم علامات استفهام ضخمة، معقوبة بعلامات تعجب ودهشة. فدخول الثوار فى صدام مسلح مع السلطة القائمة، منح السلطة قبلة الحياة، لأنه أعطاها المبرر للمواجهة بذات السلاح، ونقل الصراع من صراع على السلطة بين الشعب وحكامه، إلى صراع وجود بين عناصر ثائرة، وسلطة قائمة. ثم تتدافع علامات الاستفهام والتعجب حول مصادر التسلح، والتدريب على السلاح، والتمويل، والمعونات اللوجستية. لاريب أن كل ذلك لم يكن موجودًا، ولا متوفرًا للمعارضة من قبل، ثم أصبح موجودًا، ومتوفرًا. وهنا يثور التساؤل حول الدولة أو الجهة التى تفعل ذلك من أجل لون عيون السوريين ونحن نعلم أن كل طرف من أطراف اللعبة على المسرح السورى، وراءه دولة أو جهة، والدول أو الجهات لا تحركها العواطف، ولا تحكم علاقاتها أوهام العشق والهيام، وإنما تحركها مصالح، وتعدد الأطراف الخارجية لا يعنى سوى تعدد المصالح، وتباينها بالضرورة.
وأعتقد أن التصارع الحاصل بين الفصائل على الأرض السورية يعكس هذا التباين والاختلاف، وما يشغلنى فى الواقع هو المواطن السورى العادى، اللا منتمى سياسيًا، وما يكابده من مشاق فى الداخل، وما يتعرض له من مخاطر الموت أو الهجرة الجماعية بعيدًا عن الوطن، وفى النهاية وجد نفسه بين المطرقة والسندان، بين استمرار نظام ديكتاتورى متسلط، أو قدوم سلطة طوقت أعناقها بفواتير واجبة السداد، والمعارك على الأرض مستمرة، حيث لا انتصار ولا هزيمة، ولا أفق مفتوح لوقف نزيف الدم، وليس أمام السوريين سوى قبول الخيار المر، فالقول بالقضاء على نظام الأسد عسكريًا لا يسانده واقع.
والقول بالحل السياسى من دونه غير قابل للتنفيذ على الأرض، وليس هناك من سبيل سوى أن يصبح الأسد جزءًا من الحل السياسى المقترح إذا أريد حقن الدماء السورية، ولملمة جراح الوطن، وعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.
حــســن زايـــــد يكتب: عندما يصبح استمرار "الأسد" هو الخيار المر
السبت، 28 نوفمبر 2015 03:00 ص