لا ينكر عاقل أن القضية المحورية للعالم العربى، هى قضية فلسطين، ذلك البلد العربى الذى تم حذفه من الخريطة الدولية، وتشريد شعبه إلى خارجه ليعيش فى الشتات، والإتيان بشعب آخر، تم جمعه من الشتات والتيه، ليحل محل صاحب الأرض الوطن والدولة، وقد حدث ذلك فى ظرف تاريخى غاية فى السوء، حيث كانت الدول العربية ترزح تحت نير الاحتلال الغربى. والدول العربية ـ فضلاً عن انشغالها بمصائبها الداخلية ـ لم تكن تملك جيوشاً بالمعنى الكلاسيكى، كى تدافع عن نفسها، دعك من قضية الأسلحة الفاسدة، فقد طال أدلة ثبوتها الفساد. ودعك أيضاً من قضية قوة الجيوش العربية، لأنه لم يكن ليسمح لها بالتصدى للمشروع الاستعمارى البديل، وقد فرض هذا المشروع واقعاً على المنطقة، وقد جرى ضرب المشروع القومى المصرى مرتين: الأولى فى 1956م فيما عرف بالعدوان الثلاثى، وقد كانت له أسبابه، وأهدافه.
فإنجلترا كانت تستهدف ضرب ناصر بعد رحيلها عن مصر، وفرنسا كانت تريد ضربه لتعويق مساعدته لثوار الجزائر، وإسرائيل خدمة لمشروعها التوسعى الذى لا يزال قائماً ومرسوماً على حائط الكنيست الإسرائيلى حتى الآن. فاسرائيل فيما أعلم، هى الدولة الوحيدة فى العالم، التى ليست لها خريطة ثابتة ونهائية حتى الآن . والسبب العام الذى جمع الثلاثة هو الرد على قرار تأميم القناة، ومحاولة استردادها.
وفشل العدوان الثلاثى فى تحقيق أهدافه المعلنة. وبقى الهدف الخفى وهو ضرب المشروع القومى العربى، الذى كان يمثله ناصر. وقد جرى ذلك فى حرب 1967م، بعد مشروع الوحدة مع سوريا، الذى كان يمثل نواة للمشروع القومى العربى ـ فيما عرف بالجمهورية العربية المتحدة ـ وقد جرى تخريبه بأيدينا وبأيدى غيرنا.
وبعد التئام الصف العربى لأول مرة فى حرب 1973 م، جاءت مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية، واتفاقية كامب ديفيد، بغض النظر عن فائدتها لمصر، والتحاق بقية الدول العربية بالركب فيما بعد ذلك بسنوات، جاءت كخنجر جرى إعماله فى الجسد العربى تقطيعاً وتمزيقاً وتفريقاً، إلى آخر الانتكاسات العربية المروعة، التى تترك جروحاً غائرة فى الجسد العربى المنهك. ما يعنينا فى الأمر هو أثر كل هذه الملمات والمصائب على اهتمام العرب بقضيتهم المحورية: "قضية فلسطين"، لا ريب أن كل دولة قد انشغلت بنفسها بأكثر مما انشغلت بالقضية الفلسطينية، بل الأكثر من ذلك امتداد الانشغال إلى بعض الفصائل الفلسطينية بذواتها ومصالحها الفصائلية عن قضيتها الأم، وسبب ومبرر وجودها واستمرارها على الساحة. وهنا تبرز حماس كأنموذج لهذا الانفصام. دعك من الظروف التى نشأت فيها حماس، والجهة التى دفعت بها إلى صدارة المشهد السياسى كمنافس، وليس كمكمل ولا كمعضض لمنظمة فتح، أو متحالف مع منظمات أخرى، أو أنها صنيعة الموساد، فهى قضايا محل جدل. وإنما حماس منذ وجدت، وقد شقت الصف الفلسطينى شقاً، وتاجرت بكل شىء حتى الدم الفلسطينى ذاته.
وقد مارست تجارة الأنفاق بكل موبقاتها، وعرف عنها أنها الذراع العسكرى لجماعة الإخوان بتنظيمها الدولى، وترجع خطورة وأهمية هذا الانتماء أنه يفسر لنا الموقف العقدى لحماس من قضية الوطن والأرض، وبالتالى تفسير مواقفها السياسية المختلفة، فالأرض حفنة من التراب العفن، والوطن هو وطن العقيدة.
ومن هنا تنكر هؤلاء لنظام مبارك، رغم ما قدمه لهم، إبان ثورة يناير ـ بغض النظر عن موقف الشعب المصرى من هذا النظام وثورته عليه ـ حيث انقلبوا عليه، وهاجموا بلاده، وأسهموا فى الانفلات الأمنى، واقتحام السجون، وتهريب أعضاء جماعتهم، فلو تصورت معى بعين محايدة أن الثورة قد فشلت، فما الموقف الذى كان سيكون عليه هذا النظام من القضية الفلسطينية؟
فهل تعمل حماس بذلك لصالح القضية؟، ثم ما جرى تسريبه تلميحاً، ثم تصريحاً، على لسان هيلارى كلينتون، والرئيس محمود عباس، من وجود مفاوضات بين الإخوان واسرائيل والأمريكان بشأن بيع جزء من سيناء لمصلحة قطاع غزة بمباركة حمساوية، ألا ينهى ذلك على القضية الفلسطينية إلى الأبد؟. ثم ذهاب حماس لتوقيع اتفاق هدنة مع اسرائيل بمعزل عن باقى الفصائل الفلسطينية، وموقف حماس من ثورة يونية فى مصر، والموقف العدائى المعلن من السيسى ونظامه، وتقديم التمويل والتدريب والدعم اللوجستى لإرهابيى سيناء فى مواجهة الجيش المصرى، بل ومشاركة عناصر من حماس فى هذا النشاط، هل يصب كل ذلك لصالح القضية الفلسطينية من وجهة نظر الفلسطينيين ؟ . ألا يعد ذلك عبثاً بالقضية ؟. ثم جاءت الأخبار تترى عن وجود مفاوضات سرية بين حماس واسرائيل بوساطة تركية قطرية سويسرية، كما ينشط تونى بلير فى ذات الاتجاه، بقصد إنشاء دويلة حمساوية فى غزة، وترك الضفة الغربية وشأنها، ولتمت القضية الفلسطينية، وتضيع الأرض، والوطن، ضياعاً نهائيا، بضياع أصحاب الحق فيهما . من المفهوم أن تركيا وقطر تفعلان ذلك من باب النكاية فى مصر من ناحية، وخدمة لإسرائيل من ناحية أخرى.
أما سويسرا وبلير فيعملان على خدمة المشروع الصهيونى، فالأولى عقد بها ـ فى مدينة بازل ـ أول مؤتمر لليهود من أجل بحث إنشاء وطن قومى لهم سنة 1897 م . والثانى دولته أصدرت ما يعرف بوعد بلفور 1917 م . وقد يقول قائل: ما لنا وللقضية إذن؟ . وهنا نقول إن فلسطين تمثل عمقاً للأمن القومى المصرى، ولا يمكن تجاهلها فى الحسابات المصرية، فمجرد نجاح هذه المساعى يعنى تحمل مصر لعبء ستة ملايين فلسطينى يقيمون فى القطاع، وتخلص اسرائيل من هذا العبء الثقيل، وإلقاءه على كاهل مصر . فضلاً عن وجود سلطة حمساوية إخوانية معادية داعمة للإرهاب فى سيناء، وانتهاء الحلم الفلسطينى إلى الأبد، مع بقاء الحلم الصهيونى التوسعى قائماً، ولا ريب أن العبث بالقضية الفلسطينية على هذا النحو يمثل عبثاً بالأمن القومى المصرى فى الأساس . فماذا نحن فاعلون؟.
حـسن زايد يكتب: حتى لا ينتهى الحلم الفلسطينى إلى الأبد
الخميس، 26 نوفمبر 2015 05:23 ص
جنود إسرائيليون
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة