أكمل بقية أوراقك علشان تلحق تطلع جواز السفر، قالها موظف الجوازات بلغته البيروقراطية المملة ، عاوزين شهادة الميلاد وشهادة التخرج وشهادة التجنيد ، لا يمكن استخراج كل تلك الشهادات اللعينة فى أقل من شهر وخصوصا" فى شهر رمضان ، فالمصالح تنهى مواعيدها مبكرا"، تذكر أنها هناك فى بيت العائلة فى دولاب والدته رحمها الله كانت تحتفظ بكل الأوراق لأولادها، بعد وفاتها صار البيت مهجورا" ، لم يدخله أحد قرر أن يذهب لإحضارها فالبيت ليس بعيدا" عن هنا ، انتابته الشجون لمجرد فكرة دخول البيت ، تذكرها وتذكر والده رحمه الله وأخوته ، مر أكثر من عام ولم ير أحدا" منهم ، اختصرت العلاقات بينهم فى ذلك الجهاز اللعين ، المسمى بالتليفون المحمول ، ركن سيارته تحت المنزل ، تغيرت الملامح والوجوه التى يعرفها قد شابت كثيرا" اقترب أكثر ، زينة رمضان معلقة كما هى منذ أعوام ، فتح الباب فصدر منه صرير حزين أصاب قلبه بالوجع ، دخل المنزل بقدم مرتعشة ، وسار بحذر ، أصابه التراب بسعال قوى ، فأخرج منديله وبصق بقوة فيه ، دخل غرفة البنات ، بوستر قديم لعلاء عبد الخالق ، سيمون ، محمد منير ، و مكتب قديم عليه صورهم فى مراحل التعليم المختلفة ومع زميلاتهم ، درج قديم به كوكتيلات الشرائط ، ارتعشت يده عندما وجد صورا" تجمعه معهم وعليها تاريخ يشير إلى التسعينات ، وكلمات جميلة له على الصورة ، دخل غرفة أشقائه ليجد نفس البوسترات تقريبا" ولكنها تميل أكثر ناحية الرياضين لشقيقه( أيمن) مارادونا ، باجيو ، بيبو ، أما شقيقه(على) فكان يحب بوسترات النجمات وبعض السيارات الرياضية ، دخل غرفة الأم وقف مذهولا" لدقيقة ، استجمع شجاعته وفتح الدولاب ، ضربته رائحة المسك المنبعثة من ملابسها ، عاش ساعات فى غرفتها ، مد يده إلى البوم الصور تحت ملابسها ، ضربة طوفان من الحنين ، صور خطوبتها ، زفافها لوالده كم كانت جميلة ، وكم كان والده أنيقا" ، صورها وهى تحمل طفلها الذى يجلس الآن يطالع صورها ، كم كان لطيفا" وقتها ، تحول الآن إلى رجل أربعينى مهزوم يحمل كرشا" كبيرا" ويحمل فوق رأسه الأصلع قدرا" رهيبا" من الهموم ، صور أعياد الميلاد ، المصايف و الأفراح ، صورة والده وهو يحمله كم كان قويا" ورائعا" ، صور أشقائه فى المصيف ، صور النجاح والتخرج ، صور زفاف الأشقاء ، صور الأحفاد ، بدأ يشعر بروائح الطعام المنبعثة من المنازل المجاورة ، الملوخية بالفراخ ، وطعم صنية المكرونة التى يعشقها ، وصينية الكنافه بعد الإفطار ، تراويح ، بوجى وطمطم ، عمو فؤاد ، لمة الأسرة ، الدورة الرمضانية ، أول حب داعب قلبه الصغير ، أصدقاء وجيران الطفولة ، لم يتمكن من إكمال الصور ، انسابت فوق الألبوم دموعه الساخنة ، كيف نسى كل هذا --- أو كيف تناسى ، لكنها لم تنس أبدا" ، ماتت وهى تحرس ذلك الكنز ، أفاق من غيبوبة النوستالجيا على صوت مدفع الإفطار ، وصوت الشيخ محمد رفعت ، نسى الأوراق ، نسى جواز السفر ، ركب سيارته وقرر أن يذهب إلى بيت أقرب شقيقاته ، قرر أن يفطر عندها ، أن يرتمى فى أحضانها ، ويقضى ليلته هناك ويكمل ما فاته من ألبوم الصور.
قلم وورقه - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة