أحمد بان

مصر بين الخوف والرجاء

الثلاثاء، 06 يناير 2015 11:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عام جديد أطلت علينا أيامه، التى يدعو ملايين المصريين أن تحمل لهم الأمل والانطلاق نحو المستقبل الذى تكتنفه العديد من الصعوبات، التى تجعل المصريين يحيون بين الخوف من ميراث الماضى الثقيل الذى حمل يناير موجات غضبه، من دولة شاخت وترهلت وتصلبت شرايينها وبدت تعانى من الفساد والاستبداد الذى جسده نظام مبارك، الذى وإن حصل على صك البراءة القانونية فى قضية بدت متداعية منذ البداية، إلا أنه يبقى مسؤولا عما أصاب هذا البلد وعطل مسيرته لثلاثة عقود، الخوف من رجال الماضى الذين أطلوا فى البداية عبر الشاشات بلغة مهادنة مع ثورة يناير، تحولت بعد قليل إلى سب صريح وإطلاق وصف المؤامرة على أنبل وثبة فى تاريخ هذا الشعب، وإن لم تكتمل لعوامل متعددة ليس أقلها جرم الإخوان أو المجلس العسكرى السابق، الخوف من تلك الدولة البيروقراطية العميقة التى نسجت شبكاتها على مدى عقود، حتى بدا أى رئيس فى النهاية خاضعا لإرادتها وليس إرادة من انتخبوه ولا مصالحهم، يخاف المصريون أن تطل تلك الدولة من جديد، لتغير بعض الوجوه دون السياسات والأفكار والجرائم.

سياسيا تبدو السياسة ليست فى وضع جيد، ففى ظل ضعف وتشوه البنيان السياسى الذى جعل الحياة السياسية تدور كالبندول بين ثنائية الإخوان والحزب الوطنى، بحيث إذا غاب أحدهما حضر الآخر يبقى الاثنان تهديدا لأى عملية سياسية حيث يجمعهم الإقصاء والرغبة فى الاستحواذ، وإن تفوق الإخوان على الوطنى لأنهم يفعلون ذلك باسم الله ونصرة لدينه، يبدو النظام السياسى الجديد مترددا فى ولوج مسار الإصلاح السياسى الذى قد ينتج نفس الفاعلين، لذا تبدو محاولات التدخل التشريعى سواء من خلال قانون مباشرة الحقوق السياسية أو تقسيم الدوائر أو غيرها من القوانين، يعيد تدوير الأزمة لينتجها هى نفسها فى ثوب جديد، لإحياة سياسية دون أحزاب حقيقية قادرة على بناء برامج وتربية وإعداد كوادر سياسية ورجال دولة، ولا ديمقراطية دون احترام لأحكام الدستور ومواكبة وتقيد التشريعات بنصوصه، وكفالة الحقوق والحريات التى تصنع المناخ السياسى الصحيح الشعب ليس بحاجة لوصاية أحد باسم الدين أو باسم الوطنية، فلقد عانينا بما يكفى من مجاذيب الدين ومجاذيب الوطن، فلا الأوائل لهم علاقة صحيحة بالدين، ولا الآخرين مخلصون فى الدفاع عن هذا الوطن، لا مناص من استقامة النظام على الطريق الصحيح للإصلاح السياسى الذى ينصرف إلى إصلاح التشريعات وتعزيز أجواء الثقة بين كل الفاعلين فى هذا البلد، وقواه الاجتماعية التى يجب أن تعبر عن نفسها سياسيا بشكل يكافئ حضورها الاجتماعى، ليكون لدينا عشرة أحزاب حقيقية تتنافس فى بيئة صحية وفى ظل إعلام وطنى مستقل يهيئ أجواء الوعى اللازم للاختيار الصحيح.

اقتصاديا لابد أن تتقيد بوصلة النظام السياسى الجديد بأهداف ثورة 25 يناير، التى هى أساس مشروعية أى نظام جاء بعدها ودون التقيد بها، لا مشروعية لهذا النظام وإن عاش عقودا كعقود مبارك، لا معنى لتشريعات اقتصادية لا تحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التى تذبح كل يوم فى مستشفياتنا وأقسام البوليس والطرق وكل مرفق من مرافق هذا البلد قدر لمواطن أن يتعرض لنكايته، لا معنى لاستمرار تدليل الأغنياء بنفس منطق مبارك حيث إنهم هم من يستثمرون أموالهم ويدفعون الاقتصاد، ليس صحيحا هؤلاء امتصوا دم الشعب وأمواله وهرب بعضهم بتلك الأموال وتهربوا من دفع الضرائب ويساومون الدولة الآن على إسقاطها، لا يصح أن يبقى المواطن الغلبان هو الممول المنتظم للضرائب بينما يهرب الكبار، إلى متى سيظل كبار اقتصاديينا يتحدثون عن دعم الطاقة للكبار والضرائب التصاعدية والرسوم على المحاجر وغيرها دون أن يسمع لهم أحد، ثم تمضى التشريعات فى النهاية لصالح هؤلاء دون باقى الشعب الفقير المهمش.

اجتماعيا يبدو المجتمع فاقدا للمناعة الحضارية، مفتقدا فى كثير من شرائحه للحد الأدنى من الأخلاق الإنسانية من صدق وأمانة وإحسان ظن وإتقان للعمل ورحمة، وكل القيم الإنسانية التى دونها نصبح أقرب لغابة تعيش بها حيوانات، طالع إحصاءات الطلاق والإزمات الأخلاقية كالتحرش والاغتصاب وغيرها من الجرائم الاجتماعية التى وصلت مبلغا لا ينبغى تجاهله فى أمن وسلام هذا المجتمع، فلا حياة دون أخلاق وصدق الشاعر إذ يقول إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، لن يتسع هذا المقال لذكر ما يعانيه مجتمعنا من أمراض وبيلة فى كل المناحى، أظنها هى أساس كل الأدواء التى نعانيها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، عندما انشغلت القوى المعنية بالإصلاح الاجتماعى بالسياسة والحكم وجعلتها بديلا عن المهمة الأسمى وهى إصلاح أخلاق الناس، عندما تدهور مستوى المؤسسة الدينية الرسمية وترهلت فلم تعد تقدم الداعية والمصلح الاجتماعى القادر على القيام بمهمته، عندما تخلفت مدارسنا وجامعاتنا فلم تعد تنهض بدورها، عندما تحول الإعلام لدينا إلى أداة للتسلية الرخيصة أو التحول لمنبر سياسى ودعائى، لم يعد أحد مشغولا أو قادرا على الإصلاح الاجتماعى الذى هو من المجالات التى لا يتحدث عنها أحد اليوم بالرغم من إنه أحد أهم مداخل التغيير فى هذا البلد، وصدق الله العظيم إذ يقول «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» تسعون بالمائة من مشاكلنا تعود إلى خلل فى الأخلاق والتربية، وهذا هو المجال الذى تركه جل الناس وهو الأولى بالرعاية والجهد، وهو الصناعة الثقيلة التى يتقاصر الجميع عنها شعبا وحكومة، لكننى أظن أن هذه الهزة التى تعرضت لها مصرنا فى الأربع سنوات الماضية، ربما صنعت فيما صنعت دوائر للوعى إن اتصلت ببعضها فقد تكون تيارا هادرا يفتح الباب للمستقبل، وبقدر حركة وقوة هذا التيار وقدرته على الالتحام والعمل مع بعضه، بقدر خروج مصر من حال الخوف من الماضى وتركته، إلى الرجاء فى المستقبل ورحابته، بعد أن نهيئ أجواء ولادته وما ذلك على الله بعزيز، عام سعيد واعد بالأمل والعمل، هو طريقنا الذى يجب أن نستمسك به جميعا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة