أربكت ثورة 30 يونيو الشعبية فى مصر الحسابات الأمريكية، وأثبتت عدم القدرة لدى الولايات المتحدة على ضبط حساباتها لكونها تكتفى باستشارة دول المنطقة دون مراكز الأبحاث، إذ بدأت بدعم الرجل القوى حسنى مبارك، وعندما واجهته ثورة 25 يناير الشعبية دعمت الرجل القوى مرسى، مما دعاه إلى الثقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقف معه إزاء كل تحرك ضده، وهذا ما دعاه لرفض العرض الذى قدمه السيسى قبل طرح خارطة الطريق مهددًا أن أمريكا سوف لن تتركه يتدخل.
وبالفعل اعترضت الولايات المتحدة على خطة الطريق السيسية مكررة نفس المأساة مع مبارك، لكنها ما لبثت أن تأكدت أنها ثورة شعبية وليست انقلابًا بعد أن حدث انقسام بين البيت الأبيض والكونجرس، ولعل من أهم الأسباب التى أدت إلى التناقض الأمريكى هو الاعتقاد الخاطئ لدى السفيرة الأمريكية أن باترسون، التى أخطأت فى تقويم مظاهرات حركة تمرد، الرافضة لحكم الجماعة، وأن احتجاجات الشارع لن تجلب إلا المزيد من العنف، لكنها فوجئت بسقوط حكومة الإخوان، وتجاوب الشعب المصرى مع حركة تمرد، وعقد مجلس الأمن القومى الأمريكى وجرى اتصالات مكثفة مع دول المنطقة بما فيها إسرائيل، كل ذلك تسبب فى حرج شديد للرئيس أوباما، ففى البداية أعرب الرئيس الأمريكى عن دعمه للرئيس مرسى كأول رئيس منتخب انتخابًا نزيهًا، وانتقد الإطاحة به، كما انتقد تعليق الدستور، وطالب بمراجعة المساعدات الأمريكية، كل ذلك كان تصرفًا متذبذبًا ينال من مصداقية دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، ثم ما لبثت أن تراجعت واشنطن عن وصف ما حدث بـ"الانقلاب"، بعد أن شاهدت الهتافات تتعالى فى ميدان التحرير ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد البيان التاريخى للفريق الأول عبد الفتاح السيسى الذى انحاز فيه لإرادة الشعب، طالب الرئيس الأمريكى بالعودة سريعًا لحكم مدنى منتخب، ثم أكد عدم انحيازه لأى حزب سياسى أو جماعة بعينها، بعد أن تأكد من سقوط حكومة الإخوان التى تمثل الإسلام السياسى فى العالم الإسلامى، وطالب فى بيانه الأخير بأن يقوم الجيش المصرى بضمان حماية جميع المصريين، وأن الولايات المتحدة ستواصل الشراكة طويلة الأمد مع مصر مستندًا إلى المصالح المشتركة، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكى.
لقد كانت محاولة اقتحام مقر الحرس الجمهورى تمثل تحولاً كبيرًا فى الموقف الأمريكى، وأن الدعوات الصريحة لجماعة الإخوان باستخدام العنف، ونجاح الإعلام المصرى والعربى فى نقل الحدث والبيانات والتهديدات الإخوانية، كل ذلك جعل واشنطن تعترف بأنه ليس من مصلحتها قطع المعونة العسكرية، فنفذ فورًا صفقة الطائرات F16 لتستعيد الثقة مع الشعب المصرى، وتجنبت كلمة انقلاب، كما جاء التحول فى الكونجرس واعتذر رئيس لجنة الشئون الخارجية (أيدرويس) بأن مرسى يمثل عقبة فى طريق الديمقراطية الدستورية التى أرادها الشعب المصرى، ثم أعلن الجمهوريون عن تأييدهم القوى للجيش المصرى، وقتها أدرك البيت الأبيض أن صناديق الانتخابات ليست هى الديمقراطية، وأن الديمقراطية ما هى إلا ممارسة، وعدالة، ومساواة، والاستماع إلى مطالب الشعب والاستجابة له. لكن ثقة الطرفين فى الولايات المتحدة قد تعرضت للخلل ما يتوجب عليها الكثير لاستعادتها.
* رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى مقيم بمصر ..
امريكا لا تسعى الا لمصالحها ...