"قبرص".. قطعة من أوروبا فى جاذبيتها ولكن ذات هوية مسلمة.. أهلها يملكون من جمال الغرب الكثير ومن سماحة الإسلام أيضاً الكثير، يعرفها العالم على أنها جزيرة معزولة وسط البحر المتوسط ولكن هذه العزلة كانت كما الصدفة التى تحمى لؤلؤة مكنونة بداخلها بعيداً عن شوائب البحر لتزداد قيمتها كلما مرت عليها السنين، جمال الطبيعية هناك لا يصدق ولكن رقى أخلاق أهلها هو أكثر ما يؤثر فى الزائرين، إنها جمهورية شمال قبرص التركية التى تسبب نزاعها مع جارتها قبرص اليونانية على الجانب الآخر فى وضعها خلف قضبان العزلة الدولية المفروضة عليها من نصف قرن وحتى الآن، والتى تحاول هذه الجزيرة الجميلة أن تخرج منها لتعرف نفسها على العالم ولكن دون جدوى.
فعلى الخط الأخضر الفاصل بين جمهورية قبرص (الشطر اليونانى)، وجمهورية شمال قبرص التركية، يقف العم "ديفان" بائع السلال اليدوية يومياً، والذى يبدو فى مطلع الخمسين من عمره وهو ينتظر عبور الخط الأخضر ليبيع السلال لجيرانه القبارصة اليونانيين.
"لا أريد سوى السلام والأمن ولقمة العيش.. كنا نعيش فى جزيرة موحدة والآن صرنا شطرين ولنا زعيمان.. لكننا فى النهاية قبارصة".. هكذا تحدث "ديفان "، معنا أثناء عبوره المعبر الحدودى حيث يتقاسم القبارصة الأتراك واليونانيون العاصمة نيقوسيا. أو ليفكوشا بالتركية.
القصة تتكرر بأصدائها وأوجاعها فى العشرين من يوليو من كل عام حيث يحتفل القبارصة الأتراك بيوم الاستقلال عن الشطر اليونانى وسط حالة من العزلة الدولية ورحلة بحث عن اعتراف الدول الأخرى باستقلالهم الذى لا يؤيده سوى تركيا، ووافقت دول الخليج العربية ما عدا السعودية على فتح 5 مكاتب تمثيل تجارى وسياحى لجمهورية قبرص التركية بناء على توصية منظمة المؤتمر الإسلامى.
40 عاما مرت وفصول القصة لم يكتب لها أن تعرف كلمة النهاية.. فالحكاية كما رواها لنا "عثمان أرتوج" كبير المفاوضين فى قبرص التركية حيث يقول: "كنا نعيش فى قبرص تحت سقف واحد ومنذ الاستقلال عن بريطانيا فى 1960 كان هناك توافق حول تبادل السلطة بأن يكون هناك تناوب على السلطة بين القبارصة اليونانيين والأتراك، إلا أنه فى 15 يوليو عام 1974 قامت مجموعة من الميليشيات القبرصية اليونانية بارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين من القبارصة الأتراك بدعم من بعض السياسيين المعارضين، وحاولوا ضم الجزيرة لليونان، ومنذ ذلك التاريخ أعلنا استقلالنا عن الشطر اليونانى وإطلاق اسم جمهورية شمال قبرص التركية على دولتنا".
أوجه العزلة التى فرضها المجتمع الدولى والأوروبى على قبرص التركية متعددة وشاملة كافة أنواع العلاقات الدولية بين دولة شمال قبرص وأى وجهة عالمية أخرى تقريبا.
فمنذ أن تطأ قدمك مطار "أرغان" الشمال قبرصى قادما لا محالة على متن الخطوط الجوية التركية لن تجد هنا طائرات من أى دولة أخرى سوى تركيا، والسبب يوضحه وزير الخارجية فى شمال قبرص "أوزديل نامى" قائلا: "لا يوجد طيران مباشر من وإلى شمال قبرص يأتى من أى دولة سوى تركيا وذلك بسبب العزلة الدولية المفروضة علينا، حتى أن أذربيجان الدولة ذات العلاقات الطيبة معنا وافقت فى الفترة الماضية على إرسال طائرات مباشرة لنا فلم تجد من مسئولى الشطر اليونانى سوى تهديد بإلغاء رحلاتها لأوروبا كلها، إذا هبطت طائرة من عندهم فى مطار أرغان وهكذا تتكرر فصول التنكيل بمن يحاول التعاون معنا بأى شكل من الأشكال".
وفى الإطار الاقتصادى يجد الخبراء أن اكتشاف الغاز الطبيعى ربما يكون كلمة سر جديدة لحل هذه الأزمة التى دامت لنصف قرن بالرغم من أن الغاز المكتشف حتى الآن موجود بالجزء اليونانى فقط، الأمر الذى قد يعنى شيئا من اثنين أولهما أن يجمع الغاز الجزيرة كلها على مصلحة واحدة خاصة وأنه لا يمكن تصديره إلا عبر خطوط الأنابيب التركية لأنها أرخص تكلفة وأكثر فاعلية، أما البديل الثانى فهو أن يسبب الغاز أزمة جديدة تزيد من ارتفاع حدة المفاوضات والخلافات بين الطرفين، وفى ذلك يصرح "أوزقان يورغانجى أوغلو"، رئيس وزراء جمهورية شمال قبرص التركية، "بالطبع الغاز الطبيعى سيكون بمثابة حافز لحل الأزمة بين الطرفين، حيث إن أفضل طريقة لنقل الغاز من قبرص الجنوبية إلى دول العالم الآخر هى نقله عبر تركيا مرورا بشمال قبرص، وهذا من شأنه أن يعطى لنا قوة إضافية على طاولة المفاوضات ويسرع بانتهاء الخلاف الدائم منذ قرابة النصف قرن الآن بين الطرفين".
وتعتمد الجمهورية التركية لقبرص الشمالية على السياحة، والدخل الذى يجىء من الجامعات التى تتقاضى رسوماً أرخص نسبياً من مثيلاتها من الجامعات الأوربية التى تقدم نفس الشهادات وبنفس الجودة ودرجة الاعتمادية، وأهم هذه الجامعات هى جامعة الـ(آى أم يو) شرق البحر المتوسط الحكومية والتى يلتحق بها طلاب من كل أنحاء العالم وتعد واحدة من أشهر معالم جمهورية شمال قبرص ووجهاتها التعليمية.
وتشتمل منتجات قبرص التركية الرئيسية على الإسمنت، زيت الزيتون، جبن الحلوم , الأحذية، المنسوجات، كما يزرع الشعير، الجريب فروت، العنب، الليمون، الزيتون، البرتقال، البطاطس، والقمح. أما المعادن الرئيسية فى الجزيرة هى الأسبستوس والكروم.
وبالرغم من أن أغلبية سكانها مسلمون، إلا أن قبرص الشمالية تعانى من عدم وجود دعم إسلامى لمؤسساتها الدينية، رغم تمتعها بعضوية منظمة التضامن الإسلامى بصفة مراقب، فترفض المملكة العربية السعودية الاعتراف ببعثة الحج السنوية لشمال قبرص، فيضطرون للسفر تحت لواء البعثة الرسمية التركية، ورغم وعد الأزهر الشريف لهم بالدعم وإرسال البعثات والدعاة أو نسخ مترجمة من القرآن الكريم للقبارصة، إلا أنهم فى انتظار ذلك حتى الآن.
ويقول الدكتور "طالب أطلاى" رئيس دائرة الشئون الدينية ومفتى قبرص، "رجال الدين يحذون بحذوهم لحل الأزمة وإنهاء الفرقة بين الطرفين فدار الإفتاء فى شمال قبرص مسئولة عن المسلمين فى كلا الطرفين اليونانى والتركى، ولكن الأزمة الكبرى فى عدم تلقينا دعم حقيقى من الدول العربية والإسلامية حيث لم تبادر أى دولة عضو فى منظمة التعاون الإسلامى بالاعتراف بشمال قبرص رغم وحدة الديانة بيننا، كما أن سفارات الدول العربية كلها موجودة بالشطر اليونانى وهذا لا يساعدنا فى تعريفهم بقضيتنا أو فتح مجالات للتعاون معهم كما نريد".
ومن الإطار العربى ككل إلى مصر بصفة خاصة، تستطيع أن تلمس محبة أهل شمال قبرص لمصر والمصريين، وهذا يبدو بديهيا حينما تعرف أن عددا من العرب المقيمين هناك تقريبا من ذات أصول مصرية أو عمل فى موانئ مصرية كالإسكندرية وبورسعيد.
لكن كل ما سبق لم يؤدى بالضرورة إلى إنشاء علاقات قوية بين شمال قبرص ومصر لسببين أولهما هو تدهور العلاقات السياسية بين مصر وتركيا فى الفترة لأخيرة وثانيهما وجود علاقات قوية بين مصر والشطر اليونانى حالت دون تعرف السياسة المصرية بشكل أعمق على شمال قبرص التى تتطلع إلى توطيد الروابط مع بوابة العالم العربى كما يطلقون على مصر هناك.
ويقول الدكتور درويش اير أوغلو رئيس جمهورية قبرص الشمالية،"مصر دولة كبرى ونحن نمد يدنا لبناء علاقات طيبة معها، فوجودنا بالقاهرة مرهون بدعوة المشير السيسى لنا للحضور وتوطيد العلاقات، وبالرغم من أن الخلافات بين الدولتين مصر وتركيا قد أتت بظلالها علينا إلا إننا نتوقع نهاية قريبة لهذا الخلاف ورجوع العلاقات بين الشعبين المصرى والتركى لعهدها كما كانت وأفضل".
وبالرغم من أن السياحة أحد أهم مصادر الدخل فى شمال قبرص نظرا لما تتمتع به من طبيعة خلابة وجو معتدل أغلب فصول العام حيث تعتبر قبرص الشمالية ذلك الجزء من العالم الذى يشهد الشمس المشرقة طوال السنة.. مع تجمع الحضارات الرومانية والبيزنطية والعثمانية والفرنسية والمصرية وحضارات أخرى عديدة فيها، إلا أن الطرف اليونانى لا ينتبه إلى أن دخل السياحة على الشطر الآخر قد يساعده كثيرا من الخروج من الأزمة الاقتصادية التى تعيش بها جنوب قبرص مؤخرا.
ففى قلعة "كيرينيا" الساحرة على سبيل المثال تجد البحر المتوسط الجبال الخضراء وقد احتضنت آثار الحملات الصليبية وأدواتهم وكاتدرائيات قديمة تعود نقوشاتها إلى عصور بيزنطية ورومانية بالإضافة إلى وجود مسرح موسيقى يخرج منه إبداع الحفلات الموسيقية فى مشهد يجمع بين حلاوة الصوت والصورة نادرا ما ستجده فى أى دولة أخرى.
وعلى الجانب الفنى لم تخل الفرق الفنية من محاولات المنع، حيث أعلنت فرقة "دى بيربل" الغنائية المشهورة تقديم حفلة فى أحد جامعات قبرص التركية فتم إرسال طلب رسمى لهم من مسؤولين لعدم إقامة الحفل أو الحضور إلى هناك ولكن الفرقة لم تستجب وتم رفض طلب الإلغاء فى محاولة إنكار حتى أبسط طرق الترفيه على شعب هذه الجزء المعزول من الجزيرة.
ومن الفن إلى السياسة حيث تتبنى جمهورية شمال قبرص مبدأ التعددية فى الأحزاب السياسية ويؤمن كل مواطن هناك بأهمية صوته حيث يتجاوز عدد المشاركين فى التصويت بالانتخابات حاجز الـ90% ممن يحق لهم التصويت.
وفى ذلك يقول "ريزا باتشو غولارى" رئيس قسم العلاقات الدولية والبروتوكول بالجمعية الوطنية فى شمال قبرص" كل أربع سنوات تقام انتخابات برلمانية جديدة، ويعتبر الحزبان الجمهورى والديمقراطى هما أكبر حزبين ذات عدد مقاعد هنا، ويسمح لأعضاء البرلمان بسؤال وزراء الحكومة ورئيس الوزراء إذا دعت الضرورة إلى ذلك."
أما الجانب النسائى لشمال قبرص فيحكى عن طابع مميز جدا لها، فالنساء هنا عبارة عن قصص نجاح فريدة كلا فى مكانها، فرئيسة الجمعية الوطنية (البرلما ) امرأة كما أن رئيسة جهاز الشرطة هى الأخرى امرأة وفى كل مكتب حكومى أو وزارة تجد النساء وقد احتللن مكانة من العلم والجمال والرقى الفكرى والأخلاقى جعلتهن أهلا للمسئوليات التى توكل إليهن.
احتفالات فى العاصمة ليفكوشا " نيقوسيا" بـ40 سنة استقلال شمال قبرص.
ميناء جيرنه (كيرينيا) أكبر مدينة سياحية قبرصية.
مقاهى مدينة فمجوستا الشمالية.
واجهة بيوت قبرصية قديمة.
وسط العاصمة نيقوسيا المقسمة بين القبارصة الأتراك واليونانيين.
الخان..أكبر تجمع للتجار فى العصر العثمانى – مدينة نيقوسيا
مسجد مصطفى باشا بنيقوسيا.
منظر عام لقبرص الشمالية من الطائرة الجبال والميناء والبيوت.
بالصور.. "شمال قبرص" جزيرة تجمع سماحة الإسلام بجاذبية أوروبا
الثلاثاء، 05 أغسطس 2014 05:39 م
قبرص الأوروبية ذات الهوية الإسلامية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ليلى همام
اتمنى ان يقدم الازهر الدعم لهذا البلد الصغير ومن الممكن ان تطلب حكومة قبرص خريجى الازهر وه
عدد الردود 0
بواسطة:
بنت مصر
تقرير رائع