سليمان شفيق

هل مازال مشروع الدولة القومية صالحاً؟

الخميس، 28 أغسطس 2014 06:30 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أربعينيات القرن الماضى كتب المفكر البريطانى البارز إسحاق دويتشر فى كتابه «اللايهودى»: «لقد انتهى العمر الافتراضى للدولة القومية»، وفى منتصف تسعينيات القرن كتب الدكتور سعدالدين إبراهيم عن «الملل والنحل والأعراق»، وكنت منسقًا للمؤتمر الأول للملل والنحل والأعراق الذى عقد فى «ليماسول» بقبرص، إبريل 1994، وانتفض أغلب المثقفين المصريين والأقباط ضد ذلك المؤتمر، وفى نهاية حقبة التسعينيات كتب المفكر نبيل عبدالفتاح فى كتابه «سياسات الأديان»: «لقد انتهى العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى للدولة المصرية».

هذه الكتابات الثلاث مفتاح فهم وإدراك ما يحدث، وما سوف يحدث، بعيدًا عن انقطاع الكهرباء، وصراخ مافيا الإعلام «الأمنى»، و«غلمان بارونات الفضائيات»، وسماسرة التحالفات.

- فتش عن الدساتير من دستور صدقى للدستور الموسوى:
عكس ما يتصور كثيرون، فإن لتاريخ الحياة الدستورية دلالاته العملية فى الحياة المصرية، من الوثيقة الدستورية الأولى 1804 حتى الدستور الموسوى الخمسينى 2013، مرورًا بدستور 1971، هناك عشرة دساتير وست ثورات منذ تأسيس الدولة الحديثة، ثورة 1804 بقيادة الشريف عمر مكرم، وصاحبها أول وثيقة دستورية فى الشرق، والرابعة فى العالم بعد الفرنسية والإنجليزية والأمريكية، وثورة عرابى 1882، وصاحبها دستور شريف باشا الذى أسس للجماعة المصرية «مصر لكل المصريين»، وثورة 1919، وما ارتبط بها من دستور 1923، ثم صعود ديكتاتورية إسماعيل باشا صدقى كمؤشر على صراع رجال الأعمال «صدقى مؤسس اتحاد الصناعات»، ورجال الإقطاع فى حزب الوفد، ومعسكر ثورة 1919، فألغى دستور 1923، وبالتحالف مع الملك أقر دستور 1930، وثار الشعب المصرى خمس سنوات حتى أعاد دستور 1923، واللافت للنظر أن جماعة الإخوان المسلمين التى أسسها حسن البنا 1928 كانت باكورة نشاطاتها تأييد ديكتاتورية صدقى، ومناهضة دستور 1923، ووصل الأمر إلى ربط آيات الذكر الحكيم بالديكتاتور «واذكر فى الكتاب إسماعيل..!».. هكذا من دستور إلى دستور سنجد «الشخصنة»، صدقى يريد الحكم، وعمرو موسى كذلك يريد البرلمان على الأقل، وسنجد الإخوان تارة يتحالفون مع الديكتاتور صدقى للإجهاز على الحياة الحزبية منذ 1930 حتى 1946، وسنجد العداء للإخوان أبرز العوامل التى دفعت عمرو موسى والخمسينيين لإخراج دستور يعود بنا لنظام «الملل العثمانى» الذى رفضته مصر منذ دستور 1923 من بوابة ما يسمى بـ«التمثيل الملائم» و«الفيدرالية».. كل ذلك أدى إلى «موت» السياسة، وإحياء العصبيات والعائلية والقبلية والمذهبية و«التديين» من أوسع الأبواب!

كذلك لابد أن نتوقف أمام علاقة تحالفات الإخوان مع الحكم والحياة الدستورية المصرية.. ظل الإخوان خارج الشرعية الدستورية حتى عام 1972 حينما أضاف السادات المادة الثانية، عربون تحالف مع الإخوان لضرب اليسار، وفى دستور الإخوان 2012 تمت بدايات «التديين والمللية الدستورية» عبر مواد مثل المادة 2: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.. والمادة 3: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.. والمادة 4: الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه.

هذة المواد انتقلت بنصها إلى دستور 2013، وإن أخذت المادة 4 صياغة أخرى.. هذة المواد
أرست شرعية على حكم الملل، بالإضافة إلى المادة 244 التى شرعنت للمللية والفئوية: «تعمل الدولة على تمثيل الشباب المسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة، والمصريين المقيمين بالخارج تمثيلًا ملائمًا».

كل تلك المؤشرات تركناها وتجادلنا فى مادة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية؟! ونتيجة الإرهاب، ورغبة الشعب فى التصدى للإخوان الإرهابيين.. تمت الموافقة على تلك المواد التى تكرس لنظام الملل العثمانى، أو لنظام الفيدرالية الذى حذر منة مؤتمر «الأقليات» عام 1994، ثم جاء الاستحقاق الثالث.. الانتخابات البرلمانية، ورأينا أن السياسة انتهت، وسارت كالتحالفين والقوائم.. خلطة «عثمانلية أمريكية»، وأصبح الحديث عن أن الكنيسة ترشح الأقباط والعرب والهوارة والأشراف والنوبيين والجعافرة والصوفيين، وعائلات فلان وفلان «مع احترامى للجميع».. إلخ فى القوائم، وعلى هذا المنوال يتم تقسيم الدوائر مع مراعاة حقوق كل هؤلاء.. ينسحب عمرو موسى ومراد موافى، يدخل كمال الجنزورى، وخالد عبدالعزيز.. نفس المنهج!

- من القبلية للإعلام الموازى:
انتقلت هذه الفوضى من أروقة الأحزاب إلى ما أسميه «الإعلام الموازى»، ودب صراع بين حزب الحركة الوطنية بقيادة الجنرال أحمد شفيق، وأحزاب الوفد، والمصرى الديمقراطى، والمؤتمر من جهة، والمصريين الأحرار من جهة أخرى، وتجلى ذلك فى بيان أصدره عضو الهيئة العليا لحزب الحركة الوطنية المصرية المهندس ياسر قورة، أكد فيه أن حزبه رفض الدخول فى تحالف رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى، لافتًا إلى أن ذلك التحالف تلفه العديد من علامات الاستفهام، لاسيما أن هناك كثيرًا من الأحزاب المُشكلة له كانت لها علاقات وطيدة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وتضم العديد من قيادته حاليًا.

وأكد أن ذلك تحالف تُقسمه وتتقاذفه الزعامات، إذ تتنافس الأحزاب المُشكلة له على الريادة والقيادة، ومحاصصة المقاعد والمناصب، منصبين أعينهم على المصالح الذاتية للأحزاب، بغض النظر عن مصلحة البلد العليا، بما يجعله تحالفًا هشًا لا يعبر عن مصلحة الوطن، لاسيما وأن كثيرًا من الأحزاب والشخصيات المنضمة للتحالف يعتبرون لسان «البرادعى» فى مصر، ويحملون مخططاته وأجنداته.

وأوضح القيادى بالحركة الوطنية أن هناك مؤامرة يقودها عمرو موسى، مؤسس حزب المؤتمر، ومحمد أبوالغار، رئيس حزب المصرى الديمقراطى، والسيد البدوى، رئيس حزب الوفد، ضد رئيس الوزراء الأسبق، مؤسس الحزب، الفريق أحمد شفيق، تهدف لإقصاء الأخير وحزبه من المشهد السياسى خلال الفترة المقبلة بصورة نهائية، وهو ما اتضح جليًا من خلال العديد من الدلائل والمؤشرات العملية، ثم أثار رئيس تحرير «البوابة نيوز»، القيادى بالحركة الوطنية عبدالرحيم على خلافًا مع مؤسس حزب المصريين الأحرار المهندس نجيب ساويرس، تعرض فيه عبدالرحيم للأقباط وساويرس والانتخابات.

وبعيدًا عن الجدل الدائر، فإن قطاعات كبيرة من الأقباط قد باتت تستشعر الخطر من أن يدفعوا ثمن هذا الخلاف، خاصة أن الاتهامات تتحدث عن علاقة مع الإخوان، كما أن تلك الاتهامات أذيعت- بوعى أو بدون وعى- تزامنًا مع ذكرى أليمة، هى ذكرى حرق الكنائس وإزهاق الأرواح، والأهم أن تلك المعركة سوف تترك ظلالها بالتأكيد على حرية الإعلام، خاصة بعد وقف «القاهرة والناس» برنامج «الصندوق الأسود»، كما أن كثيرين من رجال الأعمال باتوا فى قلق من تلك التسريبات، وأثرها على الاستثمار فى مصر.. ولا يوجد اثنان لا يتحدثان عن مصدر تلك التسريبات، ومن خلفها.

- أين الدولة؟
حتى هذة اللحظة الحرجة التى استدعينا فيها إسحاق دويتشر، وسعد الدين إبراهيم، ونبيل عبدالفتاح لا يهتم المفكرون ولا ممثلو الدولة سوى بما هو سطحى، دون إدراك لجدلية كل تلك التفاعلات، فى وقت تجلى فية أكثر من مؤشر سبق ذكره.. اللهم إنى قد أبلغت.. اللهم فاشهد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة