التجربة الألمانية.. صحافة حرة تساوى إرادة حرة..«اليوم السابع» داخل «دير تاج شبيجيل» ثالث أكبر صحيفة فى برلين

السبت، 23 أغسطس 2014 10:18 ص
التجربة الألمانية.. صحافة حرة تساوى إرادة حرة..«اليوم السابع» داخل «دير تاج شبيجيل» ثالث أكبر صحيفة فى برلين دير تاج شبيجيل
رسالة برلين ... وجدى الكومى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الصدفة وحدها قادتنى إلى ألمانيا فى الصباح التالى لوصول فريقهم الفائز بكأس العالم قادما من البرازيل، وقتها أطلقت خطوط الطيران الألمانية «لوفتهانزا» التغريدة الشهيرة التى قالوا فيها: «هذا أفضل وزن زائد حملناه معنا»، كان ذلك يوم الرابع عشر من يوليو، لماذا لم أنشر هذه السطور منذ ذلك الحين، لأننى كنت أثق أن ما سأكتبه عن الألمان، لن يصدقه أحد، ما سأقوله فى السطور التالية سيكون مغايرا على ما أزعم للصورة النمطية التى ارتبطت فى أذهان الناس عن الألمان، من أنهم مجرد شعب لا يقدس سوى «الماكينة» ولا يتصرف إلا مثلها، لهذا حصد كأس العالم.

كان معهد جوته قد قدم لى منحة ثقافية مدتها أسبوع لزيارة العاصمة الألمانية «برلين» والالتقاء بعدد من الشخصيات الثقافية والاطلاع على منظومة الحياة الفنية هناك وأتاحت لى المنحة التعرف على واحدة من كبريات الصحف وهى «ديرتاج شبيجيل» التى تحتل المركز الثالث من حيث عدد التوزيع «120 ألف نسخة» فى برلين وحدها، حيث تأتى فى المرتبة الأولى صحيفة «سويتش دويتش» التى توزع 400 ألف نسخة ومقرها «ميونيخ» وتليها صحيفة «فرانك فورت» التى توزع 320 ألف نسخة ومقرها «فرانكفورت».

استقبلنى الصحفى «جرجور دوتسوير» الذى يعمل صحفيا بقسم الثقافة ومحررا مراجعا للموضوعات التى يتم تحريرها بواسطة زملائه، وقادنى أنا والزميل «شهاب الهردوز» الذى يعمل مع معهد «جوته» الثقافى فى ألمانيا، يشرح لى «جرجور» أن «ديرتاج شبيجيل» تركز على كل الموضوعات التى تمس الحياة اليومية فى ألمانيا، الثقافية والسياسية والاجتماعية والرياضية، كنا وقتها فى أوج الاحتفالات الألمانية بالفوز فى كأس العالم، فأرانى «جرجور» الملحق الرياضى الذى خصصته «دير تاج شبيجيل» للحدث الأهم فى تاريخ ألمانيا، يقول «جرجور»: لدينا مجلة تسمى «شبيجيل» إصدارها أسبوعى، وتوزع جيدا فى «هامبورج» مليون نسخة، ونركز فيها على السياسة والثقافة.

يقول «جرجور»: نحن نعانى من مشكلة الإعلانات، وهذا لا يؤثر أبدا على معالجتنا، فالإعلانات منفصلة تماما عن معالجتنا الصحفية رغم معاناتنا من قلة الإعلانات. يجيبنى «جرجور»: الإعلانات فى الموقع الإخبارى لا تفيد، مثلما تنعش المطبوع، ونحن نهتم بالعدد الورقى لزيادة عدد الاشتراكات فيه، وهو غير متاح فى الإلكترونى.
يعمل فى صحيفة «دير تاج شبيجيل» 100 صحفى، ونسبة كبيرة منهم بعقود، وبعضهم يعملون بشكل حر، ويبلغ عدد صفحاتها 28 إلى 38 صفحة، وفى أوقات معينة تصل هذه الصفحات إلى 40 صفحة. أما عن متابعى العدد المطبوع، فيشير «جرجور» إلى أن المشتركين فى شراء النسخ المطبوعة وتصلهم بانتظام يوميا عبر البريد العادى، فهم فئات كبار السن، أعلى من سن 45 عاما.

وعن نظام الملكية، وتدخل المساهمين فيها فى السياسة التحريرية للمحررين والصحيفة بشكل عام، فيقول «جرجور» أن «دير تاج شبيجيل» تملكها شركة ناشر صحفى تسمى «Holt zprinck» مقرها «اشتوتجارت»، وكانت واحدة من الشركات الرائدة فى نشر الكتب والصحف، وتمتلك عددا من الناشرين فى ألمانيا، ويؤكد «جرجور» أن الشركة المالكة للصحيفة لا تتدخل أبدا فى إدارة الأمور، طالما تحصد أرباحها. ويكشف «جرجور» أن «دير تاج شبيجيل» تعانى هذه الأيام من انخفاض الميزانية، عما ذى قبل، بسبب الأرباح التى انخفضت أيضا، نتيجة قلة الإعلانات، وكذلك بسبب قلة القراء الذين يشترون الصحيفة بنظام الاشتراكات، يقول «جرجور»: الذين يحظون بتعليم جيد يتابعون الصحف الأسبوعية فى ألمانيا لأنهم لا يهتمون بالأخبار المعتادة اليومية، إنما يهتمون بمتابعة صحف أسبوعية محملة بموضوعات أكثر عمقا.أتجول بصحبة «جرجور» فى صالة تحرير «ديرتاج شبيجيل» فيرينى صالة التحرير، كانت الساعة لا تزال الخامسة، وبعض الصحفيين لا يزالون هناك على مكاتبهم يعملون فى استغراق شبه كامل، يقول «جرجور»: نحن نجتمع فى الحادية عشرة صباحا، ونرسل النسخة الورقية إلى المطبعة فى السادسة، ونصدر طبعة ثانية نعدل فيها بعض الأخبار أو المستجدات التى تحدث ليلا.
وعن قسم الثقافة الذى يعمل فيه «جرجور» محررا ثقافيا، كشف لى أنه يكتب عن الكتب والموضوعات الثقافية الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وتنشر «دير تاج شبيجيل» يوميا صفحة ثقافة أو صفحتين، يقول «جرجور»: قسم الثقافة ليس مهما فى أعين رئيس التحرير، هذا شىء مؤسف، قلت له مواسيا: «لا تقلق.. نحن لدينا نفس المشكلة فى العالم العربى».

فضحك وهو يقول: «هذا أمر مشجع» قبل أن يواصل الشرح: فى قسم الثقافة لدينا هنا زميل يتابع السينما وآخر يتابع المسرح، وزميلان يكتبان عن الكتب الأدبية وغير الأدبية، كما أن لدينا صفحة أسبوعية للكتب السياسية، يحررها القسم السياسى، وكان لدينا صفحة لكتب الأطفال، وتم إلغاؤها نظرا للانشغال عن تحرير موضوعاتها للأسف. أسأله عن توجهات الصحيفة سياسيا، فيقول: لا يمكن أن تصف بأننا إلى اليسار، لكن تستطيع أن تقول إننا «ميكس»، فقلت: هل تتيح لكم أوضاعكم الاقتصادية المتقدمة مواصلة الضغط على الحكومة والبرلمان بالنقد السياسى لبعض المشكلات أو القضايا؟
يبتسم «جرجور» وهو يقول فى ثقة: صحافة حرة تساوى إرادة حرة، لن يمكنك أن تتوقف عن نقد الحكومة لمجرد أنها هيأت لك أوضاعا جيدة، نستطيع باستمرار أن ننقد الحكومة حتى مع كفاءتها المرتفعة فى الأداء، فالمناقشات الجدلية اليومية تستفيد منها الحكومة، والصحافة يجب أن تكون دائما هناك لتحكم على مدى صحة هذا النظام ومدى اتباعه للأساليب والنظم الديموقراطية.

أما عن تعامل قسم الثقافة فى «دير تاج شبيجيل» مع الإصدارات الثقافية فيكشف لى «جرجور» أنهم يعانون فعلا مع تغطية المشهد الثقافى الأدبى فى ألمانيا، يقول «جرجور»: هناك 80 ألف كتاب يصدر كل عام فى ألمانيا، ربما يهمنا منهم 10 آلاف فقط، نختار بالطبع ما نكتب عنه، وأحيانا ننشر أخبار سريعة عنه، ونعتمد على ما نتلقاه من الناشرين ونختار من الكتالوجات ما يمكن أن يثير اهتمامنا.

أسأله: ماذا تفعل مع مؤلف يطاردك لنشر مقال عن كتبه؟ فيجيبنى فى دهشة: ولماذا يفعل ذلك؟ إذا كان ناشره بالفعل يرسل لى كتابه، من الصعب أن أتعامل مع المؤلف، وإذا اتصل بى أحد المؤلفين ليعطينى كتابه، سأسأل نفسى، لماذا يرسل لى كتابه؟ أحب أن تكون هناك مسافة بينى وبين المؤلفين، وكذلك الناشرين، إذا كان الكتاب غير مهم، والمؤلفين غير مهمين، فيمكننا أن نتجاهله، أما إذا كان الكاتب مهما، فسوف نكتب شيئا، وإذا كان الكتاب سيئا، سنضطر فى هذه الحالة أن نكتب عرضا سيئا لكننى سأكلف أحد زملائى بكتابته فى هذه الحالة.

ويلفت «جرجور» إلى أهمية كتابة عروض الكتب فهذا النظام يساعد صغار الناشرين، حيث تحقق لهم عروض الكتب المطبوعة مصداقية مختلفة عن تلك المنشورة فى «الأونلاين» خاصة أن هذه المواقع صارت كثيرة ومتعددة، وتحظى بترويج هائل من جانب «السوشيال ميديا» مثل «أمازون» وهو ما يعطى أهمية خاصة لعرض الكتاب فى الصحيفة الورقية.

الحديث مع الصحفى «جرجور دوتسوير» كشف لى جوانب عديدة من الأفكار النمطية التى نقلتها وسائل إعلامية غير دقيقة، من حيث كون المواطنين الألمان محبين للعمل كارهين لأية وسائل تسلية، فخلال الأسبوع الذى قضيته فى «برلين» من 14 يوليو إلى 20 يوليو كشف لى حب الناس للحياة وخروجهم فى الشوارع للاحتفال بفريقهم «المانشفت» أمام البرلمان الألمانى، ورقص أعضاء الفريق بكأس العالم احتفالا بالنصر العزيز، كذلك التقيت خلال إقامتى القصيرة هناك بالروائى الألمانى «ديفيد فاجنر» أحد أشهر أبناء جيله الذى أصدر سبعة كتب، ويجرى ترجمة أحدها «حياة» إلى العربية قريبا فى دار نشر لبنانية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة