◄◄ نحن نواجه حرباً معلنة ضد الإرهاب.. قليل من معاركها وعملياتها يدور على الأرض وكثير منها يتم فى الواقع الافتراضى بهدف قصف العقول وتكوين صورة إعلامية عن مصر غير المستقرة الموبوءة بالحرب الأهلية
◄◄ الأفضل للصحفى أن يعبر عن وجهة نظر وعن منطق وجيه فى صياغة المعلومات والأخبار بدلاً من أن يكون كالدواب يمتطيه الركاب الغامضون على مواقع التواصل بالتغريدات والتدوينات المجهلة!
هى ورطة بكل المقاييس، أن تبتلع الصحافة المصرية ما يُراد لها أن تبتلعه من "طعم"، وأن تروج بنفسها لما يصنعه أعداؤها من فزاعات، باعتبارها تنظيمات إرهابية كبرى، لها وجود وتأثير على الأراضى المصرية.
كلما وقع حادث أو انفجرت عبوة ناسفة تتسابق الصحف والمواقع الإخبارية إلى الإعلان عن التنظيم الجديد أو الجماعة المنشقة التى ظهرت وأعلنت مسئوليتها عن الحادث، ونقرأ فى ذلك أسماء عجيبة وغريبة، من "أنصار بيت المقدس" إلى "داعش مصر" و"جبهة النصرة"، إلى "أنصار الشريعة" و"جماعة الإخوان" و"أجناد الشام" و"جيش مصر الحر" و"مقاتلو الصحراء" و"ألوية الناصر" و"طلائع الفرقان" و"كتائب الحق" و"جيش العزة" و"كتائب التوحيد والجهاد"، فهل هذه الأسماء والمسميات لها وجود فى مصر؟ وهل تحارب جميعها الجيش والشرطة ومازال البلد فى حركته وعلاقاته داخياً وخارجياً طبيعياً مدنياً لم يعلن الأحكام العرفية ولم ينشر الجيش فى الشوارع ولم يتحول اقتصادنا إلى اقتصاد حرب، بمعنى توزيع المقررات التموينية بالجرام على المواطنين ولم يقيد حركة السفر بالمطارات والموانئ؟.
الرجل الغامض بسلامته من وراء الكيبورد وشريحة الإنترنت، أياً كانت جنسيته وأهدافه، يصك المصطلح ويصمم الشعار وينشر البيان على الفضاء الإلكترونى، وهو يأمل أن ينتقل من الواقع الافتراضى إلى الواقع الفعلى خلال عشر سنوات مثلاً، ينفق فيها الكثير من الأموال على تجنيد الشباب الفقير واليائس وعلى غسيل أدمغته ثم تكليفه بعمليات تجاه أهداف يحددها بعناية، لكنه وبضربة حظ لا يتوقعها يتحقق أمله ويصبح جزءاً من الواقع الفعلى فى أقل من عشرة أيام، فمن يا ترى منحه هذه العصا السحرية؟
نحن، نعم للأسف الشديد، نحن الصحفيين والإعلاميين من نمنح الرجال الغامضين، مندوبى وكالات المخابرات الأجنبية، اللاعبين فى خرائط المنطقة ومقدراتها، التحقق والمشروعية ونجعل من ألعابهم الافتراضية حقيقة واقعة، زيفاً وبهتاناً، بصورة تفوق جميع توقعاتهم، كيف ذلك؟ من خلال الترويج لمصطلحاتهم بشأن الجماعات التكفيرية وبياناتها المزعومة وعملياتها المفبركة، وكل ما يصدر عنها وما ينسب لها من آراء أو مواقف أو آراء، واعتمادها مصادر موثوقة يتم النقل عنها.
زميل صحفى ينشر بحسن نية أو بمنطق الهرولة وعدم التفكير فى معقولية الخبر، أن "داعش مصر"، التابع لتنظيم داعش بالعراق، أعلن مسئوليته عن حادث الهجوم على كمين الكيلو 100 بالفرافرة، والذى راح ضحيته 22ضابطاً وجندياً من قوات حرس الحدود.
إلى أى معلومات مؤكدة استند الزميل الصحفى؟ استند إلى ما أعلنه مجهولون على حساب لما أسماه "داعش مصر" بموقع تويتر، أعلن الرجال الغامضون من خلاله انتسابهم إلى التنظيم ومبايعتهم للمدعو "أبو بكر البغدادى خليفة للمسلمين، ثم يسرد الزميل بكل براءة ما جاء فى التغريدات المجهولة من أسباب دعت للهجوم على الكمين ومبررات هذا الهجوم وتفاصيله.
لم يكلف الزميل الصحفى نفسه أن يتساءل: ما العلاقة بين داعش العراق والجماعات التكفيرية فى مصر؟ إذا كان اصطلاح "داعش" هو اختصار لتعبير "الدولة الإسلامية فى العراق والشام"، فما الذى جاء به إلى أقصى الغرب بالقرب من الحدود الليبية؟ وما مدى مصداقية المعلومات الواردة فى هذه التغريدات المجهولة؟ وأى أهداف يمكن أن تحققها من وراء ذيوعها فى وسائل الإعلام؟ وماذا يحدث بعد الخبر رقم مائة مثلاً والمنقول عن تغريدات أو تدوينات مجهولة بهذا الشكل عما يسمى بـ"داعش مصر"؟ تلقائياً سيتحول التنظيم الافتراضى إلى أمر واقع، وسيسعى ساعتها لاعبو المخابرات الأجنبية إلى تمويل عشرين أو ثلاثين من التكفيريين لتكوين نواة للتنظيم فعلاً على الأرض وترفع نفس الراية وتصدر البيانات عن عملياتها المزعومة على "فيس بوك" و"تويتر".
ولكن، إذا كانت تنظيمات "داعش مصر" أو "جيش مصر الحر" وأنصار بيت المقدس وسواها من الحركات مفبركة ومصنوعة، فمن اغتال شهداءنا فى الوادى الجديد؟ من أطلق الـ"آر بى جى" والرصاص من الأسلحة الآلية على ضباط وجنود حرس الحدود فى كمين الفرافرة؟
بالتأكيد لدينا مجموعات تكفيرية وإرهابية، وبالتأكيد أن مجموعة منها أو مجموعتان هما المسئولتان عن حادث الفرافرة، وليس اللهو الخفى، وبالتأكيد أن التنظيم الخاص لجماعة الإخوان يعمل منذ فترة على تكوين مجموعات كبيرة من الخلايا العنقودية التى تعمل دون تنسيق فيما بينها، أو تكوين ما يعرف بخلايا العملية الواحدة، التى تتجمع وفق أمر بالتحرك لارتكاب عمل إرهابى، ثم يتفرق كل واحد منها إلى حال سبيله ليعود إلى بيته من طريق مختلف، وبالفعل تم ضبط أحد المتورطين بالحادث – بحسب ما أعلنته مصادر الأمن العام والأمن الوطنى أمس الثلاثاء _ وهو فى طريق العودة إلى قريته بدلجا فى المنيا.
وفى بيان رسمى لوزارة الداخلية، نشر فى وقت سابق، أعلنت الوزارة عن رصد وتحديد 12 من الخلايا التنظيمية العنقودية لتنظيم الإخوان بمحافظات، القاهرة، السويس، البحيرة اضطلع عناصرها بتنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية منها تفجير 20 محولا كهربائيا، وحرق عدد من سيارات ضباط الشرطة والمواطنين، وحرق نقطة مرور بالتجمع الخامس. وبحسب البيان تم ضبط 19 من عناصر هذه الخلايا، من بينهم أربعة أحداث أثناء إعدادهم بمعرفة القيادى الإخوانى سيف الإسلام محمد كامل بإحدى الحدائق العامة بمدينة نصر.
ما أريد قوله، إننا فى حرب معلنة ضد الإرهاب، وإن هذه الحرب قليل من معاركها وعملياتها يدور على الأرض، وكثير منها يتم فى الواقع الافتراضى، بهدف قصف العقول وتكوين صورة إعلامية عن مصر غير المستقرة الموبوءة بالحرب الأهلية بين أنصار 30 يونيو ورافضيها المقاومين بالسلاح.
أما معارك الإرهاب على الأرض، فالجيش المصرى الباسل وعناصر الشرطة الوفية كفيلان بحسمها واقتلاع جذور التكفيريين وتجفيف منابع تمويلهم وتدمير مصادر تسليحهم، وأما المعارك الافتراضية وعمليات القصف الذكية للعقول واختراق وسائل الإعلام والسيطرة داخلياً عليها، على غرار " فيروس الكمبيوتر"، فهى تحتاج إلى وقفة من القائمين على وسائل الإعلام ونخبتها المفكرة وعقلها الجمعى الذى يتولى رسم سياساتها وصياغة مادتها التحريرية وعناوينها الرئيسية، فالأفضل للصحفى والإعلامى أن يعبر عن وجهة نظر وعن منطق وجيه فى صياغة المعلومات والأخبار، بدلاً من أن يكون كالدواب يمتطيه الركاب الغامضون على مواقع التواصل بالتغريدات والتدوينات المجهلة !
كريم عبد السلام يكتب:ورطة الصحافة المصرية فى ابتلاع مصطلحات المخابرات الأجنبية.."الغامضون" يصنعون تنظيمات إرهابية من مكاتبهم المكيفة ويصدرون بياناتها على مواقع التواصل..والإعلام ينشر دون منطق أو تحقيق
الأربعاء، 23 يوليو 2014 07:57 م