
أنهى مبارك فترته الرئاسية الثالثة واقترب من نهاية الفترة الرابعة، رافضا ترك السلطة أو منح أى إشارات إلى نية اتخاذ خطوات جديدة، ترك كل شىء غامضا، ومفتوحا للتكهنات، وكلما أعطى إشارة أو صدرت شائعة نفاها أو وضعها فى سياق غائم.
كانت الرسائل تتوالى، بأن العالم كله يتغير ويتحول. ثورة المعلومات تغزو العالم والفضائيات وشبكات الإنترنت العنكبوتية وصلت مصر، وتم تعيين أول وزير للاتصالات والمعلومات فى حكومة عاطف عبيد هو أحمد نظيف، وساهم فى إدخال الإنترنت إلى مصر متزامنا مع انفجار فى الفضائيات الخاصة التى ظهرت بجوار الصحافة، وكانت عملية غزو العراق تتم على الهواء وأخبار المعارك تنقل لحظة بلحظة.. كان العالم يتغير ومصر تتغير ومبارك كما هو لا يرى ضرورة للتغيير، خاصة أن أمريكا حاولت أن تربط بين غزو العراق وما أسمته نشر الديمقراطية فى العالم. كان نظام مبارك لا يجد حاجة لتغيير الروتين السياسى.
.jpg)
كان عام 2003 نقطة تحول كبرى عربيا وعالميا، لكنها لم تمثل الكثير للرئيس حسنى مبارك. بدأ وأجواء الحرب تتصاعد فى العالم والرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش يجهز للهجوم على العراق، بعد شهور من الشحن والتجهيز، قبل انتخاب جورج دبليو بوش رئيسا للولايات المتحدة، كتب ديك تشينى ودونالد رامسفيلد وبول وولفويتز مذكرة «إعادة بناء القدرات الدفاعية للولايات المتحدة» فى سبتمبر 2000، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والغزو الأمريكى لأفغانستان، بدأ بوش الحديث عن إزالة مصادر الخطر على «أمن واستقرار العالم» وبدا واضحا التصميم على الإطاحة بالرئيس العراقى صدام حسين، الذى كان هو والعراق فى حصار دولى منذ ما بعد حرب تحرير الكويت فى عام 1991، وهى الحرب الذى قادها ضده جورج بوش الأب، وكاد يسقط حكم صدام، لكن الرئيس العراقى استمر، فى عام 2003، كان امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل مجرد حجة، بالرغم من أن كبير مفتشى الأسلحة فى العراق هانز بليكس صرح بأن فريقه لم يعثر على أسلحة دمار شامل، ولكنه عثر على صواريخ طويلة المدى وافق صدام حسين على تدميرها، وفى نوفمبر 2002 مرر مجلس الأمن بالإجماع القرار 1441 الذى دعا إلى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة إلى العراق.بنيش. وفهمت. كتبت الاستقالة وقدمتها له.

فى 20 مارس 2003 بدأت حملة غزو العراق فى 9 إبريل 2003 أعلنت القوات الأمريكية بسط سيطرتها على معظم المناطق، ونقلت وكالات الأنباء والفضائيات مشاهد لحشد صغير يحاولون إسقاط تمثال الرئيس العراقى صدام حسين.. وكانت عملية إسقاط تمثال صدام مجهزة باحتراف إعلامى، لأنها سبقت السقوط الفعلى لصدام ونظامه، تبعتها عمليات سلب ونهب واسعة النطاق فى بغداد والمدن الأخرى ونهب المتحف الوطنى العراقى مع شكوك واتهامات تجاه القوات الأمريكية.
بعد سقوط بغداد «لم يتم العثور على أى أثر لأسلحة دمار شامل عراقية. انتهى صدام وسقط وأحد من أقوى الزعماء العرب الذى حكم العراق منذ نهاية السبعينيات، تم تفكيك حزب البعث والجيش العراقى، وفى 13 ديسمبر 2003 تم الإعلان عن القبض على الرئيس العراقى صدام حسين فى إحدى المزارع فى العراق، وبدأت محاكمته.
عارضت فرنسا وروسيا والصين الحرب، وتراوحت ردود الأفعال العربية بين الحذر والتردد. قبل أيام من الحرب قدم الشيخ زايد بن سلطان مبادرته بأن يخرج الرئيس العراقى صدام حسين خروجا آمنا، وفى مصر كانت ردود الأفعال الرسمية تتراوح بين إعلان رفض الحرب ومهاجمة الرئيس صدام وانتقاده، وكان حسنى مبارك لا يترك مناسبة دون إعلان أنه حذر صدام من غزو الكويت. مبارك ترك الأحزاب تعلن معارضتها للحرب، ونظم الحزب الوطنى مسيرة ضد الحرب فى ستاد القاهرة دعا إليها جماعة الإخوان المسلمين ضمن مرات التعاون القليلة بينهما، وشارك فيها قيادات الحزب مثل صفوت الشريف وزير الإعلام، وكمال الشاذلى أمين التنظيم. وأشاد صفوت الشريف بالتزام وتنظيم الجماعة، وتعاونها مع الحزب الوطنى، وكانت المفارقة أن الحزب الوطنى نظم مظاهرات ضد الحرب، لكن أجهزة الأمن بتعليمات حبيب العادلى، قمعت مظاهرات للقوى الوطنية فى ميدان التحرير وطاردت المتظاهرين فى الشوارع، واعتدت أجهزة الأمن على أعضاء فى مجلس الشعب منهم حمدين صباحى وفريد حسنين.

مبارك تمسك بسياسة الحد الأدنى من التحركات، فهو ليس حليفا لصدام، وإن كان مبارك ونظامه وعدد كبير من رجال الأعمال وقيادات الحزب الوطنى قد ربحوا من الحصار الدولى لصدام، من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، حيث كان العراق يحصل من الأمم المتحدة بعد تحرير الكويت على كوبونات نفط يقدمها إلى دول وأفراد ليقدموا له أغذية وأدوية. كان الحصار الأمريكى والدولى على صدام حسين قد أنهك البلد القوى، ومن خلال برنامج النفط والغذاء ارتقى عدد من رجال الأعمال ومنهم، مجدى راسخ صهر الرئيس الأسبق مبارك، ونواب مثل عماد الجلدة الذى نجح فى مجلس الشعب وفاز بكوبونات النفط مثل عدد من رجال الأعمال الذين كانوا يسيرون طائرات تضامن فنية وثقافية مع العراق ضمن رحلات مدفوعة الأجر.
قبل الحرب بأيام وفى 23 فبراير 2003 ظهر جمال مبارك، أمين لجنة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى، وصرح بأن مصر حريصة على عدم نشوب حرب جديدة فى المنطقة انطلاقا من حرصها على حماية مقدرات الشعب العراقى، وشدد جمال مبارك خلال لقائه الموسع مع طلبة الجامعات فى جامعة أسيوط، على أن أى حرب جديدة سوف تؤثر فى المنطقة، ومصر بشكل مباشر وغير مباشر. كان جمال قد ظهر بشكل علنى، وبدأت تحركاته هو ولجنة السياسات التى كانت ترسل كل فترة قصيرة رحلة سفر إلى الخارج.

كان عاطف عبيد يستمر كرئيس وزراء ويضم أو يصعد لحكومته يوسف بطرس غالى ومستشاريه الكبار ومنهم محمود محيى الدين عضو السياسات الذى أصبح وزيرا فى الحكومة التالية.
تصاعدت نغمة حكومية إعلامية تتحدث عن إنجازات عصر مبارك بوصفها إنجازات غير مسبوقة، وأصر عاطف عبيد على أن الحكومات أنفقت خلال عشرين عاما 733 مليار جنيه على البنية الأساسية، وكانت البنية الأساسية التى اعتاد نظام مبارك أن يتغنى بها بدأت تعانى من مشكلات مزمنة، اتضح أن الكثير من مشروعات الصرف الصحى غير صالحة وغير مكتملة. تبخرت وعود عبيد بعد ثلاث سنوات، وفى مايو 2002 أعلن عن توفير 50 ألف وظيفة، وتقدم خمسة ملايين شاب، وتم إرسال خطابات اتضح أنها وهمية، وظلت البطالة مثالا على فشل كل الجهود المختلفة.
فى يوليو 2002 قدم الدكتور عاطف عبيد مبادرته لتسوية ديون المتعثرين والهاربين للخارج من كبار المقترضين، لكن توالى هروب رجال أعمال فى حجم رامى لكح، ومصطفى البليدى، وعمرو النشرتى، وبدلا من تحقيق مبادرات التسوية، تعقدت الأزمة وحسب تقرير للبنك المركزى، كانت مديونيات البنوك 280 مليار جنيه، والمديونية المتعثرة لـ38 فقط من رجال الأعمال المصريين 25 مليار جنيه، منها أحد عشر ملياراً لبنك القاهرة وحده، وقضت حكومة عبيد فترتها ولم تحل أزمة المتعثرين والهاربين.
وربما كان الإنجاز الوحيد لعبيد هو نجاحه فى تثبيت سعر صرف الجنيه، بعد عدة محاولات فاشلة، حيث خرج من الحكومة، تاركا الجنيه عند معدلات مستقرة، بعد أن انخفضت قيمته أمام الدولار، بشكل كبير مع بدايات تطبيق التحرير فى نهاية عام 2003.
.jpg)
فيما يخص النقل، بالرغم من ادعاءات سابقة بأنه تم إنفاق المليارات العشرة على السكك الحديدية، اتضح من تقارير وزارة النقل أن أكثر من 70% من القطارات غير صالحة، لكن واصل عبيد افتتاح تطويرات وهمية، فى مايو 2001 تحدث وزير النقل عن إعادة هيكلة هيئة السكك الحديدية وتطويرها، وفى يوليو افتتح رئيس الحكومة مؤتمر السكك الحديدية بمشاركة 44 دولة، بمناسبة مرور 150 عاما على إنشائها باعتبارها ثانى أقدم سكك حديد فى العالم بعد إنجلترا، وفى 6 يناير 2002، تفقد عبيد ما سمى بمشروع تطوير عربات الدرجتين الثانية والثالثة، وأعلن عن عربات رجال الأعمال.
وفى فبراير 2002 احترق قطار الصعيد رقم 832 المتجه من القاهرة إلى أسوان، وعلى متنه آلاف المواطنين من الفقراء والموظفين والعمال استعدوا لقضاء إجازة عيد الأضحى فى قراهم ومدنهم، اندلعت النيران فى إحدى عرباته فى الثانية صباحا عقب مغادرته مدينة العياط. وامتدت بسرعة إلى باقى العربات الأخيرة، وتحولت سبع عربات فى الدرجة الثالثة إلى كتل من اللهب، كسر بعض الركاب النوافذ الزجاجية، وألقوا بأنفسهم خارج القطار، مما تسبب فى مصرعهم أو غرقهم فى ترعة الإبراهيمية.
اتضح أن القطار ليس به طفايات، واتهم رئيس الوزراء الركاب بأنهم يستخدمون مواقد بدائية قد تكون سبب الحريق، متجاهلا تقارير فنية كشفت عن غياب الصيانة والأمان فى القطارات، كان الحادث بمثابة كابوس أيقظ البلد كلها من وعود عبيد، كل ما فعله مبارك أنه أقال الدكتور إبراهيم الدميرى، وزير النقل، من منصبه، وتمت إحالة عدد من مراقبى القطارات والموظفين الصغار إلى المحكمة التى قضت بعد شهور ببراءتهم، ولم تصل اللجنة الفنية التى تم تشكيلها للوقوف على أسباب الكارثة التى كانت واحدة من أكبر كوارث القطارات فى تاريخ مصر وربما العالم، وكانت واحدة من أكبر الكوارث التى عرفتها مصر خلال العقدين الأخيرين، بسبب تفكك نظام الإدارة وانشغال الحكومة فى عهد عاطف عبيد بالخصخصة والترتيبات السياسية لدعم الحزب الوطنى ولجنة السياسات. كانت كارثة القطار وما تبعها من حوادث تكشف عن انهيار الإدارة، وغياب الصيانة، ووصول النظام إلى حالة من الجمود يعجز عن تجديد نفسه.

فى 19 نوفمبر 2003 كان الرئيس حسنى مبارك يقف ليخطب أمام الاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى، وأثناء الخطاب بدا مبارك يجفف عرقه، وشعر بدوار وكاد يسقط من المنصة، لولا أن لحقه أبو الوفا رشوان، أحد أفراد السكرتارية والطاقم الرئاسى، فالتقطه قبل أن يسقط. انقطع إرسال التليفزيون ودخلت مصر فى لحظات غموض، توقف المرور فى العاصمة وكان نهار رمضان، تم إغلاق مداخل ومخارج القاهرة فى حالة ثبات، وترددت شائعات عن وفاة مبارك، وسادت للحظات مشاعر تشبه تلك التى أعقبت قطع الإرسال يوم حادث المنصة، والفرق أن العالم كان قد تغير وانتشرت الفضائيات وشبكة الإنترنت.
بعد ساعة أعلن التليفزيون أن الرئيس أصيب بوعكة وأفاق منها، وفى مجلس الشعب وقع ارتباك كبير، سارع الحرس بحمل مبارك إلى إحدى الغرف بالمجلس، وتم استدعاء الأطباء ودخل إلى الغرفة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوى، وفتحى سرور رئيس مجلس الشعب، وعمر سليمان رئيس المخابرات، وبعد لحظات خرج الدكتور فتحى سرور وتم الإعلان عن إفاقة الرئيس من الوعكة. بعد ساعات كان مستشار مبارك للشؤون السياسية أسامة الباز يدور على الأحزاب ليطالب الصحف بعدم المبالغة فى إعلان مرض الرئيس أو إبداء الشماتة، وخرجت الصحف تحمل الخبر. كان اختيار اسم الوعكة كافيا لإثارة القلق وفتح باب المزادات والتكهنات والثرثرات.
كان الأمر يدعو إلى القلق والخوف على المستقبل، وبدت شؤون السلطة الرئاسية فى مصر أكثر تعقيدا وغموضا. الرئيس رفض كثيرا تعيين نائب، خلال الدورات الأربع لتوليه الرئاسة، والآن هناك ضرورة لأن يتم الإفصاح عن المستقبل، وألا يتركه معلقا.
.jpg)
وظل الإصلاح مرتبطا بقرارات من الرئيس تقترب من الانتخابات البرلمانية، أو انتظار تعديل حكومى، أو ترتيب وزارى هناك، لم تصل إلى جوهر السلطة. ظلت سلطات الرئيس مطلقة، والحكومة والبرلمان مجرد أدوات مساعدة ومتشابهة، وهو أمر بدا غريبا مع تعقد السياسة دوليا وداخليا، مع «الوعكة» حيث اكتفى كبار المسؤولين بالنفاق والتقافز، وبدا مبارك هو الأكثر تماسكا، لأن الاقتراب من موقعه بدا بالنسبة له ولمن حوله غير قابل للنقاش، بينما المعاونون والمحيطون يمكن استبدالهم، وباستثناء أجهزة الأمن، اختفت الحكومة من المشهد، لتترك الباب واسعا للتكهنات والثرثرة.
كان العالم ينقلب بينما حسنى مبارك بدا راسخا وثابتا فى مواجهة الأنواء، وطوال الوقت يبدى شعورا بأنه كان على حق فيما ذهب إليه. بعد غزو العراق أعلن بوش أنه أسقط صدام من أجل «نشر الديمقراطية فى المنطقة» وإنهاء حكم الديكتاتوريات والتسلط وبدأت الإدارة الأمريكية تطلب من حلفائها المعتدلين فى المنطقة إجراء إصلاحات سياسية. سقوط صدام حسين أصاب الأنظمة العربية بالارتباك. خطب على عبدالله صالح الرئيس اليمنى داعيا زملاءه الحكام العرب إلى إجراء إصلاحات سياسية وقال: «نحلق إحنا بدلا ما يحلقولنا»، كما سارع العقيد معمر القذافى فى أغسطس 2003 بالاعتراف بالمسؤولية عن لوكيربى ودفع تعويضات تجاوزت المليار دولار.

وفى مصر استمر الغموض فى موقف النظام من التوريث أو الانتخابات، وفى مصر كانت هناك إشارات وشائعات وتحركات، من دون فعل أو تغيير فى حركة نظام مبارك، الذى بدا فى حاجة لقبلة حياة تحفظه وتعيد له الثقة. فى يوليو 1989، أجرى مبارك حديثا مع مجلة المجلة اللندنية وعبد الرحمن الراشد وكانت المرة الأولى التى يأتى فيها لذكر ابنه جمال، حيث نفى مبارك عزمه السماح لابنه ممارسة السياسة وقال: إنه غير موجود فى مصر واستغرب من السؤال عن دور ابنه جمال فى الحياة السياسية، واستعمل لأول مرة مصطلح «ولى العهد». كان ذلك فى شكل نفى بلغ حد التهكم من الفكرة نفسها، لكن مرت الأيام وتعددت فترات الرئاسة، وعاد جمال من الخارج.
كان ظهور جمال مبارك بشكل كبير عام 2000 وبعد أن كانت سوريا أول جمهورية تبتكر التوريث. توفى حافظ الأسد وكان عمر بشار 35 عاما، والدستور السورى ينص على ألا يقل عمر المرشح للرئاسة عن 40 عاما، وتم عقد جلسة للبرلمان وتعديل الدستور ليهبط بسن المرشح للرئاسة إلى 34 عاما على مقاس بشار، وكان جمال حتى عام 2000 بعيدا عن السياسة، وتم اختراع جمعية جيل المستقبل، وبعد عامين من لجنة السياسات وبالرغم من نفى مبارك نيته توريث جمال، فقد كان معروفا أنه يقوم بدور فى اختيار الوزراء، خاصة حكومة أحمد نظيف، وكان مبارك قد أعلن أن ابنه جمال يساعده فى عمله، وفى حديث مع مجلة «المصور» سنة 1993 أشاد مبارك بمهارة جمال وموهبته فى المفاوضات لدرجة أن البنك الدولى منحه مكافأة خاصة قيمتها 90 ألف دولار.
.jpg)
وقال بعض المقربين: إن الدكتور أسامة الباز كان هو من فتح له باب السياسة، بينما حكى الدكتور رفعت السعيد فى حديث لمحمد حسن الألفى: «وفق معلوماتى انتدب الباز أسامة الغزالى حرب، سنة 2000، وأنه الذى عرفه قصص السياسة، وقال السعيد: أسامة الغزالى بعد كده قال لى: «أنا قلتله فى الآخر، أنت أصلك يعنى اتولدت فى فمك معلقة دهب، وأبوك ظابط كبير، وبعدين قائد سلاح طيران، وبعدين نائب رئيس، وبعدين رئيس، انت ماحتكتش بالشعب، فمتتكلمش عن الشعب والجماهير»، وقد ظلت الإشارات المتناقضة من مبارك تجاه جمال مستمرة، ويحكى رفعت السعيد نقلا عن صديق مقرب كان قريبا من سوزان مبارك يقول السعيد قلت له: «هو قريبك ناوى يسلمنا للواد ابنه»، قال لى: «اطلاقاً، أنا كنت معاه من كام يوم، وسألته السؤال ده، فهاج وماج، وقال لى هى عزبة أبويا، هى بلد أبويا، يا أخى.. أنا خايف على الواد». ويقول رفعت سألته: «خايف عليه من إيه»، قال لى: «معرفش، بس يمكن كان خايف أن الجيش ميقبلش بمدنى يحكم البلد».

كان جمال مبارك يصعد ويتحرك كثيرا ويتحدث عن الالتحام والاقتحام وتعدد الرؤى، فى مايو 2003 التقى مع طلبة الجامعة الأمريكية مع وفد ضم أسامة الغزالى حرب، وعبدالمنعم سعيد، ومصطفى الفقى، وأحمد عز، وفرخندة حسن، وحسام بدراوى، من أعضاء لجنة السياسات، والمعينين فى مجلسى الشعب والشورى، ممن كانوا يروجون الطبعة الجديدة للحزب الوطنى.
جمال أمام طلاب الجامعة الأمريكية اعترف بأن الحزب الوطنى لم يشهد تغييرا أو تحديثا من عام 1979 أى منذ نشأته، واعترف ضمنا أن الحزب ظل يفوز بالأغلبية المزورة، وبلا رؤية ولا برنامج لمدة 22 عاما وقال أيضا: كانت مجالس شعب وشورى تروح وتيجى حتى انتخابات 2000 حصل المرشحون فى الوطنى على 40 فى المائة 38.8% بالإشراف القضائى، لم يقل إن الحزب احتفظ بالأغلبية بعد إضافة المستقلين. جمال كان يتحدث عن العمل العام والتحاور مع الشباب والالتحام بالناس، وهو يتحرك وسط دائرة ضيقة من المنتفعين وحراسة مشددة، تفوق كثيرا حراسات رؤساء الوزراء ومجلس الشعب وتقارب حراسة الرئيس.
الشرطة أخلت ميدان التحرير تماما أثناء مرور جمال مبارك وتواجده فى الجامعة الأمريكية. وفى تناوله لقضية البطالة أعاد الأقوال المكررة عن الحاجة لأكثر من 800 ألف فرصة عمل سنويا، وواصل تبرير استمرار قانون الطوارئ، نفى نيته فى الترشح للرئاسة، أو ترك العمل العام. لم يقدم جديدا فضلا على كونه يبدأ رحلة الصعود دون إدراك لما يجرى من حوله.

وفى منتصف مايو 2003 انطلقت شائعات التغيير وتضمنت حديثا عن حل مجلس الشعب، والتغيير الوزارى، كانت قضايا فساد رجال النظام قد تفجرت ومنها قضية المبيدات المسرطنة والرشاوى المتهم فيها يوسف عبدالرحمن، مدير مكتب يوسف والى ورجله المفضل، ومحمد الوكيل رجل صفوت الشريف، وماهر الجندى محافظ الجيزة، وبدأ الحديث عن محاولات تصفية الحرس القديم لصالح الحرس الجديد، وانتشرت تفسيرات تعتبر تفجير قضايا الفساد يستهدف الكبار فى الحرس القديم ومنهم صفوت الشريف، ويوسف والى، وأن الإطاحة برجالهما يعنى الاقتراب منهما، وأن هذا كله تمهيد لجمال مبارك.
.jpg)
كانت الأنباء قد انتشرت حول جمال مبارك ونيته فى تشكيل حزب المستقبل بعيدا عن الحزب الوطنى، طرحت الأنباء له أسماء متعارضة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وهو ما جعل الأمر أقرب لبالون اختبار، كانت جمعية جيل المستقبل التى يرأسها جمال متشاركا مع عدد من رجال الأعمال قد اتخذت جامعة القاهرة مقرا لها، وقالوا: إن هدفها تدريب الشباب ليصبح قادرا على القيادة.
كان أحمد عز قد لمع فى منتصف التسعينيات وصعد فى سماء البيزنس قبل السياسة، وشهد منتصف التسعينيات حملات بعد سيطرة أحمد عز على شركة الدخيلة، ودخل يومها إبراهيم سعدة، رئيس إدارة وتحرير أخبار اليوم فى مواجهة، ووجه اتهامات لعز وللحكومة بالتواطؤ، لصالح عز فى شراء شركة حديد الدخيلة، وتم التغاضى عن كل ذلك مقابل التصعيد السياسى، الحملة توقفت بعد فترة. ترشح أحمد عز فى انتخابات مجلس الشعب 2000 التى كانت أكثر انتخابات تشهد استخدام المال، وبدأ عز يزحف على الحزب الوطنى فى منافسة واضحة لكمال الشاذلى، الذى ظل مسيطرا على أمانة التنظيم بالحزب الوطنى، ويمسك بكل خيوط الصعود والهبوط فى الحزب. كان كمال الشاذلى أحد أضلاع مربع الكهنة ممن يديرون اللعبة السياسية مع يوسف والى وصفوت الشريف وزكريا عزمى، والدكتور فتحى سرور، وأسماء مثل مفيد شهاب أو على الدين هلال، ممن كانت تتم الاستعانة بهم وتقريبهم وإبعادهم حسب الطلب. وفى المحافظات بالوجه البحرى والصعيد كانت شبكة المصالح والسياسة بالحزب الوطنى تمتد فى كل الاتجاهات.

يوسف والى موسى ميزار بدأ من نائب عن دائرة فى مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، ونجح عدة دورات وشغل منصب أمين عام الحزب حتى عام 1995، ولعب دورا فى تدعيم شبكات الحزب الوطنى السياسية بالأراضى، وكانت له علاقات مهمة مع نواب البرلمان ورؤساء الأحزاب المعارضة وقياداتها، وكانت وزارة الزراعة تشرف على أراض شاسعة من أراضى الاستصلاح أو غيرها، واستخدمها يوسف والى فى تأليف قلوب كثيرين من المعارضة والحكومة، وفرض السيطرة داخل الأحزاب. اتهم والى بالمسؤولية عن إدخال واستيراد المبيدات المسرطنة، كما اتهم بالتلاعب فى توزيع الأراضى الزراعية على المحاسيب والحزب الوطنى، لكنه ظل فى موقعه الوزارى والحزبى بالرغم من اتهامه بالتطبيع الزراعى وإرسال الوفود الزراعية إلى إسرائيل. البعض ربط ذلك بأصوله اليهودية لكنه دافع عن نفسه بأن جده أسلم.
بقى الكثير من الأمور الغامضة تحيط بوجود يوسف والى، الذى كان جزءا من تحالف يضم صفوت الشريف وكمال الشاذلى ومعهما بقايا أعضاء الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى الذين ظلوا يشغلون المواقع الحزبية والوزارية طوال سنوات، ساهموا خلالها فى تقوية حكم مبارك الاستبدادى، ولعبوا دور الترزى القانونى والدستورى الذى يسوغ للرئيس وللحزب الوطنى السيطرة والتهام المواقع السياسية، غادر يوسف والى منصبه الوزارى وموقعه الحزبى عام 2004. ضمن ما سمى وقتها بإزاحة الحرس القديم لصالح الحرس الجديد.

ونفس الأمر مع كمال الشاذلى، نائب الباجور بالمنوفية، الذى صعد حتى أصبح أمينا لتنظيم الحزب الوطنى، ولعب دورا فى فى بناء شبكة بالمراكز والمحافظات، ظلت تسيطر على الحزب.
.jpg)
انتخب كمال الشاذلى نائبًا لأول مرة فى البرلمان عام 1964 وكان فى الثلاثين، ولم يتوقف عن ضمان كرسى المجلس، فتولى موقع أمين عام الاتحاد الاشتراكى فى المنوفية، كما تولى منصب وزير الدولة لشؤون مجلسى الشعب والشورى من 1993 حتى عام 2005، والأمين العام المساعد بالحزب الوطنى وأمين التنظيم، وكان زعيم الأغلبية بمجلس الشعب، وكان يلعب دورا واضحا فى توجيه نواب الحزب الوطنى للتصفيق والمقاطعة والرفض والقبول داخل مجلس الشعب لصالح الحزب الوطنى، وترتيبات السياسة، حتى السنوات الأخيرة التى كانت تجرى فيها الاستعدادات لعملية التوريث لأن الشاذلى وصفوت الشريف وقيادات الحزب كانوا جهزوا أبناءهم بالأموال والمواقع استعدادا للحلول محلهم فى السياسة والنظام، فضلا عن البيزنس ومساحات الأراضى الشاسعة والمشروعات الصناعية والإعلامية التى حظى بها أبناء القيادات الحزبية والسياسية، ضمن شبكة تحالف الثروة والسلطة التى تكونت خلال السنوات من نهاية الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات، وهى الفترة التى تخطى فيها مبارك الفترة الثانية ودخل فى الثالثة ولم يعد يهتم بغير الاستمرار فى السلطة، وشكل ما يشبه شبكات تحتية تمتد من المحافظات والقاهرة وترتبط بتفاصيل، تمكنها من السيطرة على المال والسياسة والحياة الحزبية.
ولعب صفوت الشريف دورا كبيرا فى سلطة مبارك، وهو أحد ضباط المخابرات المصرية فى الستينيات من القرن الماضى، وخضع للمحاكمة فى قضية انحراف المخابرات عام 1968 فى عهد صلاح نصر وبعض من أفراد الجهاز، واعترف بأنه كان يشرف على أعمال السيطرة والتجسس باستخدام الفنانات وفتيات الليل، وخرج «موافى» الاسم الحركى لصفوت من أزمة المحاكمة واستمر فى عمله حتى وصل 1977، وتولى وزارة الإعلام، فى أول حكومة لمبارك برئاسة فؤاد محيى الدين 1982 ليظل فى منصبه الوزارى حتى عام 2004 عندما أصبح رئيسا لمجلس الشورى.
خلال توليه منصب وزير الإعلام نجح فى إحكام سيطرته السياسية والإعلامية على منافذ الإعلام، وأقنع مبارك بإقامة القمر الصناعى نايل سات لإدخال مصر عصر الفضائيات، كما كان هو الذى أنشا مدينة الإنتاج الإعلامى فى مدينة 6 أكتوبر والتى كانت أحد أكبر المناطق الإعلامية فى الشرق الأوسط، وهى إنجازات كانت ذات أهمية وتناسب دور مصر فى المنطقة، لكن الأزمة أن هذا البنيان غرق فى مستنقع الفساد السياسى والتسلط، الذى أوقف أى تطور إعلامى أو سياسى فى مصر خلال 20 عاما على الأقل. كان صفوت الشريف يتبع سياسة معقدة فهو كان ذكيا وظف قدراته المخابراتية وعقليته التآمرية، وكان مقربا من مبارك ينقل له جميع التفاصيل التى تدور فى الحزب الوطنى أو الحكومة أو مجلس الشعب، أو حتى النميمة السياسية والشائعات، وكان الشريف يستيقظ مبكرا ويكون هو أول من يتصل بمبارك ليقدم له التقارير، وقد اتهمه وزراء ومسؤولون بأنه كان وراء الإطاحة بهم أو الإضرار بهم، ومن هؤلاء كان المهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان والتعمير فى عهدى عاطف صدقى والجنزورى.
.jpg)
ومع هؤلاء كان زكريا عزمى وأسامة الباز قد فهموا شخصية مبارك، أن يبقى فى الصورة صاحب القرار، حتى لو كان من حوله قادرون على توظيف المناصب والسياسة لمصالحهم، والمثير أن الفترات المتتالية لحسنى مبارك شهدت ظهور واختفاء شخصيات سياسية وزراء وسياسيين وسكرتارية وبقى حلف صفوت الشريف وكمال الشاذلى ويوسف والى وزكريا عزمى حتى الفترة الأخيرة لمبارك، ولم يختف الشاذلى إلا بالموت، وقد سافر للعلاج من السرطان فى الخارج وعاد وهو فى طور النقاهة، وأصر على ترشيح نفسه فى آخر انتخابات لولا أنه توفى.
بينما اختفى أسامة الباز الذى تردد أنه كان أحد معلمى جمال مبارك فى عالم السياسة، مثلما لعب أسامة الباز دورا فى تعريف مبارك بعالم السياسة، وكان حامل رسائله للخارج والداخل، فضلا على أنه أدار ملف القضية الفسطينية فترة، لكن الباز الذى ظل مديرا لمكتب مبارك وسكرتيرا وحامل رسائل فضلا على «مستشار سياسى»، ابتعد مع ظهور جمال مبارك فى الصورة، وتردد أن جمال أبعده لأنه ناداه بـ«جيمى» فى اجتماع عام، لكن هذا التفسير لا يكفى لأن كثيرين من شلة جمال كانوا ينادونه بـ«جيمى» فى الاجتماعات والمؤتمرات العامة.
كانت الشائعات تتردد حول الصراع بين الحرس القديم والحرس الجديد للحزب الوطنى ونظام مبارك، ولم تكن لا الشائعات ولا الأخبار تتناول أى تنافس إلى مكان مبارك أو مكانته المصونة، لكن الأمر كان إعادة ترتيب أوضاع بحيث يظل طاقم السياسة المحترف مستمرا حول مبارك، لهذا لعبت شخصيات مثل يوسف والى وصفوت الشريف وكمال الشاذلى أدوارا معقدة للحفاظ على مواقعها، كانت أهم ألعابها هو تقوية مركز مبارك والنفخ فى رئاسته للنهاية.
.jpg)
لعب يوسف والى، وكمال الشاذلى وصفوت الشريف دورا فى تفكيك وإضعاف الأحزاب السياسية وتحويلها إلى مخازن تابعة للحزب الوطنى، وإخلاء الساحة السياسية من المنافسين، وساهموا بالفعل فى تقوية واستقرار نظام مبارك، وكانوا يمارسون لعبة التوازنات وتقسيم المصالح مع الأحزاب، وكثيرا ما كان كمال الشاذلى يهاجم النواب المعارضين فى البرلمان أو يحرض بعضهم على بعض بل ويستخدمهم هو وزكريا عزمى فى معارك وصراعات سياسية، ومنها واقعة يرويها الدكتور كمال الجنزورى يقول: فى بداية عام 1997 الرئيس سيزور محكمة شمال القاهرة وسيلتقى بالقضاة، وقال ستجلس فى الصف الأول المواجه للرئيس، وطلبت الدكتور زكريا بعد دقائق، وقلت: حينما يدخل الرئيس القاعة إن جلس على المنصة وزير العدل، فلن أدخل القاعة، وزير العدل عضو فى الحكومة وأنا أرأسها، لذا لا بد أن أجلس على المنصة، وصمت ولم يعلق، بعد نصف ساعة قال: لقد عرضت الأمر على الرئيس، وأمر أن أجلس على المنصة، وبعد شهور، فوجئت بأن السيد أيمن نور عضو مجلس الشعب يقدم استجوابا إلى رئيس الوزراء، لعدم أداء اليمين الدستورية عندما تولى منصب وزير التعاون الدولى، الذى أضيف إلى التخطيط فى 17 يوليو 1997، وأخبرنى السيد كمال الشاذلى، أن هذا الاستجواب أعده الدكتور فتحى سرور مع أيمن نور، وبعد يوم واحد كنت مع الرئيس، وأخبرته بما قاله كمال الشاذلى، وطلبنى الرئيس وقال: طلبت فتحى وسألته: كيف يتأتى العمل على هدم الرجل الذى يشتغل بجد ونجاح؟!.. ويقول الجنزورى، إن مبارك أراد أن يوصل لى رسالة بأنه قادر على حمايتى إذا أراد، أو على خلق الصعوبات والمشاكل، بأيدى رجاله بمجلس الشعب. ومنهم كمال الشاذلى».
.jpg)
المهم أن حلف الشاذلى والشريف وزكريا ووالى ساهم فى استقرار مبارك، لكنه ساهم فى نمو جماعة الإخوان وتوسعها فى الشارع السياسى، وهم تعاملوا مع الجماعة فى الانتخابات البرلمانية على أنها محظورة مع أنها كانت أمرا واقعا، واستفادت الجماعة من جولات الكر والفر مع النظام والأمن فى اكتساب خبرات بالرغم من عدم الاعتراف بها كقوة علنية منافسة، وتم إسناد الملف إلى جهاز أمن الدولة الذى تعامل مع الكيانات السياسية كملفات أمنية ولعب جهاز أمن الدولة منذ منتصف الثمانينيات دورا معاونا للتنظيم السياسى فى الحزب الوطنى.

كان الحزب الوطنى الحاكم يعانى أزمة هيكلية وتكوينية تجعله أقل من حزب وأقرب إلى تنظيم سياسى واحد، وتجمع مصالح، ونفس الأمر فى أحزاب المعارضة، ولم يخل حزب من وجود صراع على موقع الرئاسة أو الموقع التالى، كان الصراع على منصب الرجل الثانى ما زال مستمرا، بعد تكرار إعلان رئيس الحزب الناصرى ضياء الدين داود نيته اعتزال العمل السياسى.
وكانت أزمة حزب الوفد مع الرجل الثانى أحد أكثر الصراعات الحزبية عنفا، فقد ظل الدكتور نعمان جمعة نائبا لرئيس حزب الوفد لفترة طويلة جدا، وعندما رحل فؤاد سراج الدين المؤسس الثانى للحزب الجديد، الذى امتلك كاريزما المؤسس والمعاصر للنحاس والحزب قبل الثورة، تولى نعمان جمعة الرئاسة بانتخابات، وظل الصراع بين نعمان جمعة والصف الثانى مستمرا، حتى خروج نعمان.
لم يكن حزب الوفد وحده هو الذى يعانى من أزمة الرجل الثانى، ومن اللافت للنظر أن حزب الأحرار بعد رحيل رئيسه ومؤسسه مصطفى كامل مراد فى نهاية التسعينيات ظل يعانى من غياب منصب الرئيس، وظل رجال الصف الثانى يتصارعون دون أن يحسموا الصراع، وكاد الحزب أن يختفى لولا استمرار صدور صحيفة تحمل اسمه ضمن صيغة توافقية.
وبعد ثلاثين عاما فإنها لم تقد إلى نخبة سياسية أو حالة من الصراع السياسى الحقيقى، ربما لأن الأحزاب قامت ضمن صيغة تجعلها معارضة دون أن تمنحها إمكانية تداول السلطة الأمر الذى جعل الصراعات الداخلية تستنفد القوى والقدرة، وفى المقابل جرى نوع من المصادرة للعمل السياسى فى الجامعة أو الشارع وهو ما لم يقد إلى حالة من الحراك السياسى، الأحزاب كانت تتركز فى العاصمة، وداخل مقارها، أما الأقاليم أو المكاتب الفرعية فهى مجرد توابع ليس لها أن تقوم بنشاط سياسى مستقل خارج سلطة القاهرة، الحزب هو رئيسه والصف الأول من القيادات، وتحولت الأحزاب إلى ملفات أمنية تديرها فى الغالب مباحث أمن الدولة، فضلا على أن كل الأحزاب تقريبا، تقلصت أكثر بعد رحيل مؤسسيها، وقياداتها المخضرمة، وواجهت أزمة قيادة، وأزمة فى انتقال السلطة داخلها، وباتت انعكاسا للدولة، التى تعانى من تكلس فى قياداتها. والسبب الأساسى فى وجود أزمة للبلد وللأحزاب هو طول مدة بقاء الرئيس فى الحكم بالنسبة للدولة أو للحزب، وغياب الصراع الطبيعى الذى يمكن أن يفرز آليات لتولى السلطة وتبادلها.
.jpg)
أزمة وجود الصف الثانى ظهرت فى الكثير من المؤسسات التى عاشت لفترات طويلة تحت قيادة واحدة بسلطات مطلقة، الأمر الذى فتح الباب لعمليات فساد وعجز قادت المؤسسات للفساد وعندما جرى التغيير بعد ضغوط كثيرة، ظهرت المؤسسات تعانى من حالة تجريف، فضلا على كونها تفتقر لوجود صف ثان يمكنه حمل المسؤولية بسهولة، وكانت المؤسسات الصحفية القومية أبرز مثال، لأنها ظلت تحت قيادة رئيس واحد طوال ربع قرن، تجاوزوا الستين والخامسة والستين وبعضهم غادر السبعين، وعندما جرى التغيير كانت المؤسسات قد ضاعت فى الفساد والفوضى.



◄ مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده

◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثانية:قال لأوباما: أنت لا تعرف وبعدها سأل نفسه:من يكون هذا الشعب ولماذا ثار ضدى؟..عندما سقط الإخوان اعتبره تحقيقا للنبوءة..وأصيب بأزمة بعد تأكده أنه متهم

◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثالثة.. رحلة أجداد مبارك من البحيرة إلى المنوفية.. قصة صاحب الكرامات..عبد العزيز باشا فهمى توسط لتوظيف والده حاجبا.. وأدخل مبارك الكلية الحربية

◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الرابعة..قصة مبارك وعبد الناصر..دخل مبارك الكلية الحربية عام 1947 بوساطة المحامى الشهير عبدالعزيز باشا فهمى وبعد عامين دخل الطيران

◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الخامسة..مبارك وسوزان الطريق للسلطة..ليلى والدة سوزان البريطانية رفضت خطبة حسنى لابنتها ثلاث مرات بسبب فرق السن والمستوى الاجتماعى
للاطلاع على المزيد من حلقات مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" أضغط هنا