كنت وغيرى من المواطنين المهتمين بالشأن العام نتصور أن العدد الأكبر من رجال المال والأعمال عندنا يتمتعون بالحس الوطنى، يريدون أن يعملوا فى ظل اقتصاد حر دون خوف من مصادرة أو تأميم، ويطالبون بتشريعات جاذبة للاستثمار، حتى يستطيعوا أن ينتجوا ويفيدوا البلد ويواجهوا البطالة شأنهم شأن القطاع الحكومى تماما، على اعتبار أن القطاع الخاص - كما صدعونا - هو قاطرة التنمية.
أعترف الآن أننى وغيرى كثيرين كنا مخطئين فى اعتقادنا حول القطاع الخاص ودوره، وفى ثقتنا برجال الأعمال الذين يسمون أنفسهم "وطنيين"، وبكل الأوهام التى نشأنا عليها ودافعنا عنها بشأن الرأسمالية الوطنية، لأننا تصورنا أن كل رجل أعمال هو طلعت حرب، وأن كل مشروع استثمارى هو بنك مصر، وأن نضال رجال الأعمال عندنا يصب فى خانة مواجهة الاحتكار الأجنبى وبناء اقتصاد وطنى قوى!
الواضح وضوح الشمس الآن، أن بلدنا كانت وما زالت "نهيبة" لمجموعات من الوحوش الضارية التى اعتادت النهش والانتفاع لأقصى مدى، دون أن تدفع حتى ما عليها من ضرائب بما يرضى الله، وبما يحقق النفع العام والسلام الاجتماعى، كل ما فعلته هذه الوحوش – واستثنى قلة تعد على الأصابع - أن نجحت فى توظيف مناخ الانفتاح السداح مداح ومن بعده عصر الفساد العظيم، لحسابها الخاص، فشهدنا عصرا من الرسمألية المتوحشة ورجال المال لا الأعمال الذين لا يهمهم سوى الربح وتعظيم المكاسب حتى لو اضطروا إلى قتل الناس وتسميم غذاءهم وتلويث النيل.
ألم نشهد موجات الأغذية المشعة التى استوردها من انعدمت فى قلوبهم الرحمة؟ ألم نتلقى كارتلات الأطعمة الفاسدة والمسرطنة التى أغرق بها تجار آخر الزمان الأسواق؟ ألم نبتلِ فى ظل فساد سياسى غير مسبوق بمن يردم النيل لحسابه الخاص ويتاجر فى الجزر النهرية؟ ومن يبنى الامبراطوريات الصناعية الوهمية ليدير عمليات غسيل الأموال، ومن يضع يده بالقوة والرشوة على أجود وأغلى أراضى الدولة ثم يبيعها مناطق سكنية كاملة المرافق بقدرة قادر؟
سيخرج عدد من رجال الأعمال وأذنابهم ليصرخوا ويولولوا من جراء الهجوم على رسالتهم السامية وجهودهم الوطنية، وسعيهم لدعم الاقتصاد الوطنى، لكنى أسألهم، ماذا فعلتم لمبادرة "تحيا مصر" التى أطلقها الرئيس السيسى لدعم الاقتصاد بدون ضغط أو إكراه من الدولة؟ لا نطالبكم بأن تتبرعوا بنصف ثرواتكم ومخصصاتكم المالية كما فعل الرئيس نفسه، رغم أنكم لو فعلتم لتبقى للبلد عليكم الكثير من الديون بما نهبتم أو كسبتم بتسهيلات غير موجودة فى أى دولة أخرى فى العالم.
ماذا قدمتم من تبرعات ومشاريع وإسهامات للبلد من خلال هذه المبادرة؟ وماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون مناخا جديدا من الفساد تستطيعون فيه أن تتربحوا من دماء الغلابة ومن ممتلكات الدولة دون رقيب ودون أن تدفعوا ما هو مستحق من ضرائب؟ هل اعتدتم على أن تدفعوا القليل من الرشاوى لتنهبوا الكثير من " الغنيمة" دون حسيب، ثم يأتى مكتب المحاسبة إياه ليضبط الإيقاع على الخسائر المتوالية وتصفير الحساب، أو ليقع الحادث الشهير باحتراق المخازن والمصانع، التى هى أصلا فارغة ليظهر الحساب الختامى أبيض بياض الثلج؟
فى تقرير حديث لمؤسسة كريدى سويس، عن الثروة فى العالم، أوضح أن مصر بها نحو 25 ألف مليونير، فماذا قدم هؤلاء المليونيرات للبلد وبم أسهموا فى حساب "تحيا مصر"؟ أين جمعيات رجال الأعمال وماذا قدمت من مبادرات ومشروعات تنموية أو إسهامات؟ هل ينتظرون مثل عواجيز الفرح لينتقدوا القوانين الإصلاحية التى تصدر، هل سيصرخون فى وسائل الإعلام الأجنبية بأن قوانين الإصلاح الضريبى تخيف رجال الأعمال وتطرد المستثمرين كما اعتادوا أن يفعلوا دائما، أم سيتفرغون لانتقاد حكومة محلب التى تسعى لإنصاف الفقراء لأنها لا تحتضن رجال المال كما كان يفعل مبارك وحكوماته المتعاقبة؟
لقد وصل الأمر برئاسة الجمهورية أن تصدر بيانا تهيب فيه بجموع المصريين فى الداخل والخارج، بتحمل مسئوليتهم تجاه الوطن وتلبية ندائه فى إطار من العطاء والتضحية للمساهمة فى بناء المستقبل من خلال المشاركة الإيجابية التطوعية فى تنمية صندوق "تحيا مصر"، ولمزيد من الطمأنينة، أكد البيان أن الحساب سيكون تحت إشراف الرئيس وبمشاركة شيخ الأزهر والبابا والبنك المركزى وخاضعا لـ"المحاسبات"، مع الإعلان عن قوائم المتبرعين وحجم التبرعات شهرياً.
ومع ذلك لم يحرك أيا من رجال المال والأعمال وجمعياتهم أى ساكن، ومثلما تراجعوا وصمتوا عندما أطلق الرئيس المبادرة يصمتون الآن مجددا مكأن الأمر لا يعنيهم والبلد ليس بلدهم، ماداموا يحملون جنسيات أخرى ويسجلون شركاتهم فى بورصات دولية، ويراهنون على أن عموم الناس سيتبرعون بجنيهاتهم القليلة، وسيكسبون هم الشو الإعلامى.
ولكنى أقول لهؤلاء جميعا، إن البلد سينهض بكم أو بدونكم أيها الكسالى المتقاعسون، وأن عصر الفساد والنهب المنظم قد انتهى، كما انتهى أيضا عصر التهرب الضريبى ووضع اليد على موارد وأراضى الدولة وزواج السلطة والثروة.
أقول لهم أيضا إن هذا البلد مازال واعدا وغنيا بالفرص الاستثمارية والمشروعات الكبرى، لكنه لن يعطى إلا من يساعده، ومن تقاعس اليوم عن دعمه لينهض لن يستطيع أن يوجد لنفسه مكانا وسط المستثمرين الباحثين عن فرص مضمونة للربح والاستثمار. يعلم ذلك جيدا من تربحوا المليارات من خلال مشروعات وعطاءات الدولة، ومازالوا يراهنون على العمل من داخل دولابها.. ولك الله يا مصر وأبناؤك المخلصون.
كريم عبد السلام يكتب: ماذا قدم رجال الأعمال لمبادرة "تحيا مصر"؟ ليس مطلوبا منكم أن تتنازلوا عن نصف ثرواتكم مثل الرئيس.. لكن لا تنتظروا عودة زمن نهب أراضى الدولة والتهرب الضريبى وزواج السلطة بالثروة
الثلاثاء، 01 يوليو 2014 08:39 م