شعار تحيا مصر نردده على مدار العمر بالألسن وبالقلوب ونحن الآن فى أمس الحاجه إلى أن نحققه بأفعالنا حتى نبدأ مشوار التغيير. فتساءلت ما هى الوصفة الفعالة للحفاظ على حضارة سبعة ألاف سنة؟ هل بالعلم، أم بالعمل، أم بالقوة العسكرية والسلطة، أم بقوة الاقتصاد، أم بترابط المجتمع أم بكل هذه القيم مجتمعة، فأجابنى أحمد شوقى ببيته الشعرى "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا". فما الأخلاق إلا مجموعة من القيم والمبادئ التى تضع قواعد للحياة القويمة ولمنفعة الإنسان، كالعدل والحرية والمساواة بحيث ترتقى إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية للشعوب وتستقى منه الدول الأنظمة والقوانين.
فهل ما وصلنا إليه من تشويه وتشكك فى المبادئ والقيم الأخلاقية فى العصر الحديث يمكن أن يؤهلنا لتحقيق شعار "تحيا مصر"، خاصة وبعد أن امتدت فكرة النسبية إلى ميدان الأخلاق، وخلط بين العادات الأخلاقية المتغيرة وبين القاعدة الأخلاقية الثابتة، فاختلط الحابل بالنابل وأصبح الشخص المراوغ الفهلوى هو الشخص الناجح، فمحيت قيمة العلم الذى هو أساس التقدم فى أى دولة، وأصبح الإنسان العنيف هو من يحترم ويأخذ حقه بالغصب وليس بالحق، فباتت قيمة السلام واحترام حقوق الآخر منعدم وسادت الهمجية والبلطجة، وأصبح الإنسان الذكى هو من يستطيع أن يأخذ أكبر قدر من مكاسب بأقل قدر من مجهود، وأغفلت قيمة الحقوق والواجبات واختفت قيمة العمل، وأصبح الشباب لا يخجل من معاكسة البنات وكأنه حق مكتسب على مر السنين وإختفت معانى الشهامة والرجولة وإنهارت القيم وتشوه المجتمع.
ولكن بالعقل نستطيع بسهولة أن نميز بين الأخلاق الحسنة والقبيحة فشتان بين الأمانة والسرقة، والعمل والتراخى، والصدق والكذب، والتواضع والتكبر، والرحمة والقسوة، فالحياة بها الخير والشر ولكن لن تستقر الحياه إلا بمجموعة من القيم والمبادىء التى تدفع الإنسان إلى اختيار عمل الخير، والإرادة الحرة هى التى تؤهل الإنسان لإختيار طريق الخير حتى وإن انحرف عن المنفعة واللذة الشخصية، وأما الالتزام فينبع من القيم الداخلية والمبادئ الأخلاقية التى يفرضها الإنسان على نفسه، فأى دولة قادرة على فرض القوانين على الشعب بالقوة ولكن لا تستطيع أن تفرض عليه الأخلاق.
فالأخلاق الكريمة قد فطرنا الله عليها لذلك نقدر الفضائل ونزدرى الرذائل وجاءت الأديان لتكون مصدرا للأخلاق والتشريع لنشر الخير على البشرية، "إنما بعثت لإتمم مكارم الاخلاق" هكذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فأهمية الأخلاق تكمن فى غرس القدرة على التفرقة بين الخير والشر وحث الإنسان على فعل الخير وتجنب الشر، وتأتى دور المسئولية الأخلاقية فى الإلتزام بهذه القيم التى بتحققها يتحقق العدل وبغيابها تعم الفوضى والاضطراب فى المجتمع، ويدعمها دور الإرادة الشخصية فى إختيار السلوك القائم على القيم العليا فيختار الإنسان السلوك الأفضل.
فكيف تحيا مصر فى ظل غياب الأخلاق، وكيف يصل الإنسان إلى الخير والاستقرار بدون حذو طريق السلوك الصحيح النابع من القيم والمبادئ السليمة والتى تمثل واجبات الانسان التى إن إلتزم بها جلب الخير ودرأ الشر عنه وعن مجتمعه، فما من سبيل سوى إحياء هذه القيم والمبادئ التى لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا تتغير بتغير الظروف والأحوال فى نفوسنا. فكيف نتخيل المستقبل وقد حكمت سلوكنا القيم العليا وما أشد الحاجة إليها، وكيف سيكون التغيير إذا كانت قيم الإحسان والجدية والعمل والصدق والأمانة والحق والعدل والرحمة والمساواة والحرية وغيرها من المبادئ الكريمة هى المعيار لإختيار السلوك، فالأخلاق هى الوسيلة للوصول إلى قيمة الخير فى الحياة، لأنها القواعد والتشريع لمن يريد الحياة باستقرار وتمثل الوازع الداخلى المنوط بمهمة التكليف والإلزام حتى تحيا مصر.
خبيرة التنمية البشرية رانيا المارية تكتب: كيف "تحيا مصر"
الإثنين، 09 يونيو 2014 08:02 م
خبيرة التنمية البشرية رانيا المارية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة