الحبر الباهت على يديه.. يختلط مع سواد الفحم وحمرة النار التى تتوالى لسعاتها مع كل "تقليبة" للذرة المتراصة أمامه، لتحل محل الكتب التى جمعها قبل دقائق وأودعها فى شنطة صغيرة داخل عربة أكل العيش، ترتفع خلفه لافتة كبيرة تحمل اسم "مدرسة فاطمة الزهراء الإعدادية بنين" حيث يقف الآن بلقمة عيشه بعد أن كان قبل دقائق طالبا فى هذه المدرسة، يجلس على تختة خشبية فى أحد فصولها يتبادل الحديث مع طالب يبادله الآن الجنيهات بالذرة.
محمد عيد (14 عامًا) يستعد الآن لدخول عامه الثانى فى فصول مدرسة فاطمة الزهراء الإعدادية بكرداسة، كطالب، وعلى أبوابها، كبائع، يرص الذرة ويرص إلى جانبها أحلامه الصغيرة بحياة أفضل كوقود لمواصلة مشوار التعليم لمواجهة كلمات أسرته "ركز فى شغلك عشان نعيش.. التعليم مش للغلابة".
"عايز ابقى ضابط" حلم يدفع "محمد" لمواصلة الليل بالنهار أمام أبواب مدرسته، ينحى ابتسامة كانت تملأ وجهه جانبًا، قبل أن يتكلم بجدية "بصراحة كده من وأنا عندى عشر سنين عشان أساعد فى البيت، كنت بقف قدام مدرستى الابتدائية ودلوقتى قدام الإعدادية، ومكسبى بيتسقم شوية للبيت، وشوية لحق الفحم والدره، وشويه على الدروس الخصوصية".
"بتعمل إيه مع أصحابك والمدرسين بتوعك؟" سؤال يجيب عنه بفخر "مباخدش منهم فلوس طبعا، كتير منهم بيبقى عايز يدفع بس أنا مبرضاش.. باخد من اللى معرفهمش.. وكمان أصحابى كتير بيجو يقفوا جنبى وأنا ببيع وبيساعدونى".
مع دقات طبول معركة الانتخابات الرئاسية كانت مدرسة محمد تفتح أبوابها لاستقبال المعركة، وكان هو يفتح أكياسه لترتيب عربته فى انتظار الرزق أمامها، يقول: أنا ماليش فى السياسة بس أيا كان الرئيس الجاى لازم يعرف أن البلد مليانه حاجات وحشة، أنا والدى معاه دبلوم ورغم كده بيبيع ذرة لحد دلوقتى، وحاول كتير يلاقى وظيفة لكن مفيش شغل، وعشان كده دايما بيقولى مالوش لازمة التعب والتعليم، بس أنا نفسى ابقى حاجة بجد، ونفسى لما أكبر تكون البلد أحسن من دلوقتى وألاقى شغلانة كويسه بدل ما أعيش طول عمرى زى ما أنا، أو أسيب التعليم فى الآخر".
"محمد" الصبح طالب فى المدرسة.. وبعد الظهر يبيع ذرة على بابها
الثلاثاء، 03 يونيو 2014 05:18 ص
محمد عيد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة