خبراء علم النفس والاجتماع يرجعون ظاهرة التحرش لـ"أزمة الأخلاق" والكبت السياسى والأزمات الاقتصادية خلال السنوات الماضية.. والأسرة والمدرسة والخطاب الدينى المعتدل حلول سريعة للقضاء على الظاهرة

الأحد، 15 يونيو 2014 10:20 م
خبراء علم النفس والاجتماع يرجعون ظاهرة التحرش لـ"أزمة الأخلاق" والكبت السياسى والأزمات الاقتصادية خلال السنوات الماضية.. والأسرة والمدرسة والخطاب الدينى المعتدل حلول سريعة للقضاء على الظاهرة التحرش بميدان التحرير - أرشيفية
كتب جهاد الدينارى ومؤنس حواس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحولت ظاهرة التحرش فى الفترة الأخيرة من مجرد عرض مجتمعى ينتهى ويزول مع الوقت، لآفة لم يستطع مجتمعنا التخلص منها على مدار عشرات السنوات، حتى تفاقمت المشكلة نتيجة للمحاولات الدائمة لإخفائها عن الرأى العام، حتى وصلت إلى ذروتها، وأصبح من الصعب تجاهلها أو إدراكها.

خلال السنوات الماضية أجريت دراسات عديدة لدراسة الظاهرة من قبل خبراء علم النفس والاجتماع، ولكنها وجدت طريقها إلى أدراج المكاتب وحصل أصحابها على درجاتهم العلمية من دون المقدرة على دراسة النتائج وتنفيذ التوصيات، ومؤخرا سلط الضوء على الظاهرة بعدما أحدثت شرخا واضحا فى جدار القيم المجتمعية التى طالما حافظ عليها المجتمع المصرى.

تقول الدكتورة فدوى عبد المعطى أخصائية علم الاجتماع "لم تكن ملابس الفتاه أو نزولها إلى الشارع فى ساعات متأخرة هى السبب فى ظاهرة التحرش التى انتشرت فى مجتمعاتنا بشكل مخيف فى الآونة الأخيرة، ولكن "التحرش" فى حد ذاته أصبح آفة مجتمعية أصابت مجتمعاتنا الشرقية التى هى فى الأساس مجتمعات ذكورية، لا تنظر للفتاة على أنها تستحق أن تحتل المرتبة الأولى، متسائلة "لماذا لم نسمع عن هذه الظاهرة فى أيام السبعينيات والثمانينيات حين كانت ترتدى الفتيات ملابس قصيرة ومفتوحة نوعا ما مقارنة بالملابس والموضات الخاصة بهذا العصر؟".

وتعتبر الإجابة على هذا السؤال، فى حد ذاتها إجابة على هذا اللغز الخاص بانتشار هذه الآفة مؤخرا، والتى تختزل فى جملة واحدة وهى "أزمة الأخلاق"، فقديما كانت ترتدى الفتاة ما تريد ولها مطلق الحرية فى حياتها وجسدها، لأن المجتمع كان أكثر توازنا، بينما أصبح مجتمعنا الآن مريضا نفسيا، يلصق مرضه الجنسى وكبته فى أسباب ظاهرية كتأخر سن الزواج وضيق الحالة الاقتصادية وتدنى أخلاق البنات واستفزاز الشباب بارتداء الملابس المثيرة.

متابعة: "بينما فى حقيقة الأمر إذا كانت الملابس هى السبب فلماذا إذن يتم التحرش بالمحجبات والمحتشمات، وإذا كان تأخر سن الزواج هو السبب لماذا يشكل الرجال المتزوجون نسبة كبيرة من المتحرشين، أما إذا اعتقدنا أن الجهل هو السبب فلماذا يتحرش المدرس أو الطالب الجامعى، لذلك فكل هذه الأسباب مجرد أسباب قشرية ليست حقيقة نحاول دائما أن نعلق شماعة التحرش عليها، إنما الحقيقة كما ذكرنا هى وجود أزمة فى الأخلاق وقلة فى التربية، وابتعاد عن الدين وتعاليمه وأوامره التى تنهينا عن مجرد النظرة وتأمرنا باحترام المرأة".

وتكمل حديثها مؤكدة أن التربية والتعامل مع الأطفال منذ الصغر وتوعيتهم بأن احترام الفتاة فى حد ذاته رجولة، ومن أهم السبل التى يمكن من خلالها القضاء على هذه الظاهرة، على المدى الطويل، لأن الحلول الأمنية واستخدام القوة ستكون حلولا فعلية، ولكن مؤقتة، لا تستطع أن تخمد هذه المشكلة كثيرا.

ومن هنا يأتى دور الدولة فى تدعيم الثقافة الجماهيرية وتدريب المنزل وأولياء الأمور والمدرسة صاحبة الدور المهم على التعامل مع أطفالهم خاصة الذكور منهم، وتقريبهم من دينهم بكافة الأشكال، وفى نفس محاولة إشراكهم فى بعض النشاطات التى تخرج الطاقات السلبية بداخلهم وتحولها إلى طاقة إيجابية يستفيد بها المجتمع.

وفى نفس السياق تقول الدكتورة زينب شاهين، أستاذة علم الاجتماع ومستشارة قضايا الأسرة والمجتمع: من البديهى أن تؤثر الأوضاع الاجتماعية وطريقة تربية الإنسان على شكل وتفكير الشاب وإقباله على القيام بمثل هذا التصرف، إلا أن هناك العديد من العوامل الاجتماعية الأخرى، والتى يأتى على رأسها الإحباط السياسى والاجتماعى كعوامل محركة وراء مثل هذا التصرف، فالشاب قد يقبل على مثل هذه التصرفات كنوع من الانتقام من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى يعيش فيها، والتى تؤدى فى النهاية إلى حدوث هذه الظاهرة الخطيرة نتيجة الإحباطات المعيشية التى يمر بها الشاب.

وأضافت أن غياب الإمكانيات، وعدم قدرة الشاب على إشباع رغباته الجنسية وتوظيفها فى القنوات الصحيحة لها نتيجة قلة الموارد الاقتصادية وعدم قدرة الشباب على الزواج، بالإضافة إلى ما تقدمه وسائل الإعلام من بعض المشاهد التى تعمل على استثارة الشهوات المكبوتة أو القيام ببعض الأمور المنافية لتقاليد المجتمع، ينتج عنها فى النهاية قيام الشاب بمثل هذه السلوكيات الخاطئة، إما من أجل تقليد ما يراه فى وسائل الإعلام أو من أجل تفريغ شهواته بغض النظر عن الطريقة.

وتضيف: من أسباب المشكلة التفكير السلطوى الذكورى الأبوى الذى ينتشر داخل المجتمع المصرى، والذى يقوم على فرض سيطرة الرجل على المرأة، وتفضيل الرجل لابنه الذكر على الفتاة، على اعتبار أنه الأقوى، وأنه يجوز له فعل ما يحلو له من تصرفات، مشيرة إلى أن الكثيرين يفهمون هذه النقطة بأنه يحق لهم الاعتداء على الآخرين باسم "الذكورية"، وهو أمر خاطئ تمام.

وأشارت إلى أن غلاء المعيشة التى يشهدها المجتمع هذه الأيام له أثر سلبى كبير، خاصة مع عجز الشباب عن توفير الإمكانيات اللازمة لعملية الزواج مما يجعلهم يقومون بفعل أى شىء لتفريغ هذه الشهوات المكبوتة لديهم، والتى تظهر فى الغالب فى شكل تحرش، سواء كان لفظيا أو ماديا.

ونصحت "زينب" بضرورة أن يعمل المجتمع من خلال استراتيجية للتغلب على هذه الظاهرة والقضاء عليها، وذلك من خلال نقطتين، الأولى طويلة المدى تقوم على القضاء على الأسباب السابق ذكرها، والثانية استراتيجية قصيرة المدى تقوم على الجزاء الرادع لمن يقبل على القيام بمثل هذا التصرف، وهو ما من شأنه أن يردع الكثيرين لخوفهم من تطبيق هذا العقاب الرادع.

فى حين تستعرض الدكتورة تغريد صالح بعض الآثار النفسية التى تصيب الفتاه المجنى عليها أو المتحرش بها، قائلة "جسد المرأة هو أكثر الأشياء المقدسة بالنسبة لها، لذلك عندما يمس بسوء تتأثر على المستوى النفسى بشكل كبير".

مضيفة: ولم يكن المساس بالجسد مجرد الاحتكاك به، إنما النظرة أو الكلمة فى حد ذاتها مساس وإهانة له، فما بالك بالاحتكاك به، لذلك من الممكن أن يؤدى إلى حالات اكتئاب حادة، بل أحيانا يصل الأمر إلى التوحد وحب العزلة والابتعاد عن الآخرين، ومن الممكن أن يتسبب فى عقدة تجعل الفتاة تكره الرجل وتشعر بأنه كائن غير آدمى مما يعيقها عن الزواج أو الثقة بغيره.

لذلك تنصح "تغريد" بخضوع الفتاة التى يتم التحرش بها "لكورسات" أو دورات العلاج النفسى المكثف هى وأسرتها للإلمام بالطرق المناسبة التى يمكنهم من خلالها أن تخرجها عن هذه الحالة النفسية السيئة بأقل الخسائر الممكنة، والتى تكسبها ثقة التعامل مع الآخرين مرة أخرى، وتكسر الحواجز النفسية بينها وبين الرجال.

فيما يؤكد الأخصائى النفسى على عبدالباسط أن عامل المكان يعتبر من العوامل المؤثرة فى عملية التحرش، حيث يبحث دائما الشخص المتحرش عن الأماكن المزدحمة لممارسة هذا التصرف، مشيرا إلى أن الكثير من حالات التحرش غالبا ما تحدث فى الأماكن المزدحمة، خاصة وسائل المواصلات أو الاحتفالات المزدحمة، إلا أن هذا لا يمنع حدوث بعض الحالات الفردية، والتى تكون قليلة لخوف الشخص المتحرش من عقاب الآخرين له.

ونصح "على" للتغلب على هذه الظاهرة بضرورة أن يبدأ الإنسان بنفسه من خلال توعية أسرته وأبنائه بسوء هذا الفعل على الفرد وعلى المجتمع، فغرس هذه القيم فى الأطفال منذ الصغر من شأنه أن ينمى العديد من القيم الأخلاقية بهم، كذلك ينبغى عند الفصل بين الأطفال الذكور والإناث منذ الصغر أن يوضح الوالد والوالدة أسباب هذه الفصل، حتى لا يترك الكثير من التساؤلات بداخلهم، والتى لا تجد أى إجابات صحيحة لديهم، مما تكون نواة لتصرفات غير صحيحة فى المستقبل.

كذلك ينبغى على الأسرة أن تربى أطفالها تربية جنسية سليمة منذ الصغر، وألا يتركوهم ضحية نصائح الأصدقاء التى لا تؤدى إلا إلى إكسابهم العديد من المعلومات الخاطئة، والتى يكون التحرش إحدى نتائجها النهائية.

بينما تتطرق الدكتورة شيماء عرفة، أخصائى الطب النفسى، بالحديث إلى التخلص من هاجس التحرش الذى تحول إلى فوبيا لدى معظم الفتيات والسيدات فى الفترة الأخيرة، قائلة: "بدأ هاجس التحرش والخوف من النزول إلى الشارع لدى الفتيات فى الازدياد بشكل مبالغ به، فوصل الأمر إلى حد الفوبيا، وبدأت بعض السيدات بالتعامل مع أى رجل فى الشارع على أنه متحرش، مما أدى إلى اختلاق بعض المشاكل فى الشارع دون داع"، مضيفة: "لذلك يجب على كل فتاة أن تكون بمثابة المعالج النفسى لها، وأن تؤهل نفسها للرجوع إلى حالتها الطبيعية وممارسة أعمالها اليومية دون أدنى تغيير، ومن هنا يجب أن تأخذ من حوادث وجرائم التحرش التى أثارت الجدل فى الفترة الأخيرة ما يفيدها على مستوى تأمين نفسها، واتخاذ الإجراءات الكافية التى بإمكانها أن تحميها كأنثى، وفى نفس الوقت تجنب كل ما يضرها على المستوى النفسى".

متابعة، فيجب أن نضع فى الاعتبار أن جريمة التحرش مثلها مثل أى جريمة، لا تحدث كل يوم، فدائما ما نسمع عن جرائم القتل والسرقة، ولكن لا يعنى ذلك أنه من الضرورى أن نتعرض لها نحن، لذلك يجب ألا ندع الأفكار والهواجس تسيطر على عقولنا، فكم من مرة نزلنا إلى الشارع دون أن يتعرض لنا أحد، لذلك يجب أن نقوم بتفريغ ذاكرتنا من المشاهد السلبية والتفكير فى كل ما هو إيجابى فى الشارع المصرى، كشهامة الأهالى وصرامة وشجاعة رجال الأمن، مؤكدة على أهمية الثقة بالنفس والاعتماد على قوة شخصيتنا وقدرتنا على السيطرة على المواقف، وألا نضع أنفسنا فى دائرة الضعف أو المجنى عليه، وفى نفس الوقت نعود أنفسنا على أن أى شىء جميل يجب أن يكن له أنياب تحرسه، لذلك فأى فتاة يجب أن تتمتع بالقوة الداخلية التى تظهر عليها من الخارج مما يجعلها أقل عرضة لمثل هذه الجرائم، إنما إذا أظهرنا ضعفنا الداخلى أمام الآخرين سوف يتيح ذلك الفرصة لهم للتلاعب بضعفنا واستغلاله، وفى نفس الوقت لا نبالغ فى خوفنا ولا نترك هاجس التحرش يسيطر على عقولنا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة