يظن البعض أن الكلمة مجرد مهنة أو مهمة جافة يقوم بها الكاتب أو صاحب الرأى برتابة وآلية دون أن يشعر أو ينفعل، ربما يوجد كتاب ومنظرون لديهم هذه الملكة والقدرة على الكتابة الآلية لكننى أشك كثيرا أن تحمل كلماتهم التى من هذا النوع نفس الروح أو الإحساس ومن ثم نفس الأثر، فالأثر فرع عن الشعور الصادق والانفعال الحقيقى وما كان من القلب وصل إلى القلب.
لذلك أعتقد أن الكتابة المتكلفة يصعب جدا أن تثمر أو تؤدى إلى نفس الأثر حتى وإن أجيد نحت كلماتها ورسم حروفها، بينما الكتابة التى تعبر عن شىء قد انفعل به الكاتب وانشغل به عقله وقلبه فسال من خلال قلمه فإنها تخرج مختلفة ولها قيمتها وعبقها الخاص، لابد من درجة من الانفعال بما يكتب والإحساس به لتعطى مصداقية لكلماته وهنا تبرز المسئولية وضرورة الموازنة بين تحكم هذا الانفعال ودرجته وبين مآلات كلماته وعواقبها.
الكلام بالطبع لم يعد خاصا بنا ككتاب لنا منابر صحفية نتحدث من خلالها ولكن الأمر فى السنوات الأخيرة صار عاما أو شبه عام بشكل ملحوظ بعد توغل شبكات التواصل خصوصا الفيس بوك وتويتر واستعمال عدد هائل من المصريين لتلك الشبكات، وبالتالى صار للجميع القدرة على كتابة آرائهم ومن ثم التأثير بشكل متفاوت، الكل الآن يستطيع أن يؤثر وجُل الكلمات صار من الممكن أن تصل وتغير وربما تترك جراحا يصعب أن تندمل بعد ذلك لذا ينبغى التنويه على خطورة تلك الأمانة ومسؤوليتها.. أمانة الكلمة.
إن الكلمة قذيفة إذا خرجت صارت ملكا للجميع ولم تعد ملكية خاصا فى صدر صاحبها وواهمٌ من يظن أنه يمكنه أن يقول أو يكتب ما يشاء وقتما يشاء وكيفما يشاء دون اعتبارات وضوابط، لست أعنى بالضوابط حسابات أو مصالح دنيوية تعود على المتكلم بثناء أو بجاه إنما أعنى بالضوابط والاعتبارات ابتغاء مرضاة الله بما يقال أو يكتب والإحساس بالمسئولية وتقدير العواقب.. عواقب الكلمة وحصائد الألسنة، وهل كان حادث الإفك إلا بكلمة؟ وهل هوى خلائق فى الجحيم سبعين خريفا إلا بكلمة؟ وهل كُب آخرون على مناخرهم فى جهنم إلا بحصائد كلمات تلفظتها ألسنتهم كما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم؟ بكلمات انهارت بيوت، ودمعت أعين وتمزقت أفئدة وبكلمات أشعلت فتن وأريقت دماء واشتعلت حروب، من الكلمات ما هو أربى من الربا ومنها ما يستوجب فى الشرع حدا لا يختلف كثيرا عن حد الزنا، ومن الكلمات ما سماه النبى صلى الله عليه وسلم "أكبر الكبائر".. تلك الأحرف المتراصة التى ينظمها القلم أوتصفها لوحة المفاتيح أويتحرك بها اللسان الفصيح أو حتى غير الفصيح ليست مجرد أصوات وأحبار وإشارات إلكترونية بل هى قذائف لا تدرى إلى أى مدى قد يصل مداها، وكم من حروف تجر إلى حتوف.
لو يعلم الإنسان أن ما يكتبه أو يلفظه هو لسمع الله وبصره أسبق ولصحيفة أعماله أسرع من عين قارئة أو أذن سامعه لعرف قدر المسئولية الملقاة على عاتق لسانه وقلمه ولوحة مفاتيحه "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" فليسأل كل واحد منا نفسه قبل أن يكتب أو يتكلم، لماذا أكتب ولماذا أتكلم؟ هل لأرضى الله أم الناس؟ هل لأنتصر للحق أم لنفسى؟ هل يسعدنى أن أجد هذا الذى أتلفظ به أو أكتبه الآن مسطورا فى صحيفتى يوم الدين؟ أعتقد أننا لو فعلنا وصدقنا فإن كثيرا من مشاكلنا سيكون إلى زوال بإذن الله فقط لو استشرفنا حصائدها.. حصائد كلماتنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة