يرفع نظارته السميكة فوق وجهه الأسمر ويدقق بهدوء فى الموتور الضخم المفكوك أمامه قبل أن يبدأ عمليته الجراحية، لإنعاش سيارة مر على صناعتها قرابة النصف قرن تصطف بشكلها المميز المقارب لشكل "الخنفساء" إلى جوار شقيقاتها من السيارات "الفولكس بيتلز" على بوابة ورشة عم عاطف عبده فرج الأقدم لصيانة وتصليح السيارات "الفولكس" أو كما يسميها روادها "غرفة إنعاش الخنافس".
إلى جوار محطة مترو الزهراء بمصر القديمة يستقر "دكتور الفولكس" بنظارته السميكة وحاجبه المرفوع دائماً أمام كل حالة جديدة تصل له، معلناً عن لحظة انتباه وعملية جراحية يجريها بالمفكات ومفاتيح العدة، وابتسامته البشوش تنتهى بعودة سيارة تلفظ أنفاسها الأخيرة إلى الحياة مرة أخرى.
يبدأ عم "عاطف" القصة من البداية، ويقول: "خدت الشغلانة عن والدى وكان شغال مع توكيل فولكس الألمانى فى مصر، ومع تأميم الشركات بدأ الألمان يسيبوا مصر لحد ما فتح ورشته لوحدة سنة 60، وأنا بدأت أتعلم معاه وأنا عندى حوالى 14 سنة، يعنى حوالى سنة 74.
"ركز وأتعلم واشتغل، ولما حاجة تقف قدامك اسأل".. هذه هى التعليمات التى ما زالت ترن فى أذن عن عاطف حتى الآن منذ ذرعها عم عبدة فرج مع بداية تعليمه المهنة، ودفعته بعد عشرات الأسئلة وسنوات العمل إلى فتح محله الخاص عام 1984، والذى لم يغادره حتى الآن منذ وفاة والده، ليصبح أقدم محل متخصص فى السيارات الخنفساء ويقول "الخنفسة مختلفة عن أى عربية لأنها تبريد هوا مش مياه، وهتلر لما طلب صممها كان مركز أنها تكون قوية جداً، واللى ناس كتير ما تعرفوش عنها أن المكان اللى بيتركب فيه العجل مصمم عشان لو العجل اتفك يركب على شريط القطر ويمشى عليه وكانوا بيستخدموا هذه الطريقة لنقل الأسلحة فى الحرب العالمية.. وكل قطعه فى العربية سهل تتفك وتتركب وعشان كده العربية لسه عايشة لحد دلوقتى.. وكل الأسرار دى صعب حد يشتغل فيها غير اللى أتربى عليها وخدها من مصدرها الأصلى، والناس اللى صنعتها.. وكمان صعب يشتغل فى أى عربية عادية غيرها".
إلى جوار العربات وملاكها الذى تتراوح أعمارهم مع أعمارها يتراص بعض الشباب أمام ورشة الرجل العجوز، والذين اختاروا الانضمام إلى عالمها بدلاً من السيارات الحديثة.
ويقول عم عاطف: العربية ديه فعلاً عمرها ما هتموت، والشباب دلوقتى بقوا بيشتروها يمكن أكتر من الكبار، ومعظم اللى بيركبوها هما الدكاترة والمهندسين والمدرسين، صعب قوى تلاقى حد من مستوى ضعيف خصوصا اجتماعيا راكب العربية دية غير العربيات المرسيدس اللى كل واحد بيجيله قرشين يجيبها.. وعشان كده أنا راكبها وابنى راكبها.. وعلمت ابنى الصنعة وكل يوم معايا فى الورشة عشان يمسكها من بعدى".
ورشة الأسطى عاطف.. "غرفة إنعاش" مخصصة للسيارات "الخنفسة"
الثلاثاء، 13 مايو 2014 07:17 ص
الأسطى عاطف