بذل الأخضر الإبراهيمى، رجل المهام الصعبة، أقصى جهوده لوضع حد للنزاع الدامى فى سوريا، لكن استقالته من منصبه كوسيط دولى، أعلنت أمس الثلاثاء من الأمم المتحدة، والحرب مستمرة دون أى أفق للحل.
ينسحب الرجل الثمانينى من مسرح الحرب المدمرة التى أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص، حيث عين فى سبتمبر 2012 موفدا خاصا مكلفا من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بالتوسط لإيجاد حل للنزاع. وعلى الرغم من اعتقاده الراسخ بعدم وجود "وضع ميئوس منه"، فإن تعقيدات الأزمة السورية والمواقف المتناقضة تماما للأطراف المعنية والمصالح الدولية المتشعبة حالت دون أن يجد طاقة يمكن أن ينفذ منها إلى تسوية للنزاع السورى خلال سنتين من السعى.
وفى الزيارات التى قام بها إلى سوريا، فى لقاءاته مع الأطراف، وفى المفاوضات التى أشرف عليها فى جنيف بين الحكومة والمعارضة السوريتين، تسلح الإبراهيمى بالحزم وإعلاء لغة المصالح المشتركة للشعب السورى والصبر والمزاح، لكنه لم يحرز تقدما.
وكان قد أعلن فى ختام الجولة الثانية من مفاوضات جنيف فى فبراير الماضى أن جمع الطرفين إلى طاولة واحدة هو بحد ذاته إنجاز، وأنه لا يشعر "بخيبة أمل"، إلا أنه أدرك أخيرا أن المخارج الممكنة أغلقت الواحدة تلو الأخرى، لاسيما بعد إعلان النظام السورى تنظيم انتخابات رئاسية فى الثالث من يونيو القادم، متجاهلا تماما مطالبة المعارضة السورية بتنحيه، وبتشكيل هيئة حكم انتقالية تضم ممثلين عن الطرفين.
وحذر الإبراهيمى من "تفاقم" الأزمة فى حال إجراء الانتخابات، مما استدعى ردا عليه من وزير الإعلام السورى عمران الزغبى الذى اتهمه بـ"تجاوز مهمته وعدم احترامها"، قائلا "لا يحق له أو لأى أحد التدخل فى شؤون الشعب السورى الداخلية".
وعلى الرغم من ذلك، قام بمحاولة جديدة فى مارس عبر زيارته لإيران، حليف دمشق الرئيسى. ولم يُنشر شىء عن الزيارة.
ولم يعد فى إمكان هذا الدبلوماسى المخضرم الاعتماد على توافق روسى أمريكى يسانده فى مهمته بعد الأزمة الأوكرانية التى ذهبت بأى محاولة تقارب على هذا الصعيد إدراج الرياح.
عرف الإبراهيمى بليونته الدبلوماسية، وبحنكته وخطابه الهادئ، وابتعاده عن الاستفزاز، لكن مع صلابة فى الموقف وصراحة كبيرة.
ويقول عنه فريد ايكهارت، المتحدث السابق باسم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى أنان، إنه "يتمتع بنزاهة وصراحة متميزتين بالنسبة إلى دبلوماسى"، مضيفا "أعتقد أن هذا يجعله موضع ثقة على الفور".
ويقول عميد كلية العلاقات الدولية فى جامعة باريس للعلوم السياسية غسان سلامة الذى يعرفه عن قرب، إن الإبراهيمى يتمتع أيضا "بصبر لا محدود بالنسبة إلى رجل بلغ الثمانين"، مضيفا "يبحث باستمرار عن نقاط الضعف عند المتنازعين ويسعى من دون هوادة وراء هدفه النهائى على الرغم من كل التعقيدات".
وكان الإبراهيمى قد خلف أنان فى مهمة الوساطة فى سوريا. وقد استقال أنان بعد خمسة أشهر من تعيينه، وسبق للموفد الجزائرى أن شغل منصب موفد الأمم المتحدة إلى أفغانستان بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وإلى العراق فى 2003.
وكان وزيرا للخارجية الجزائرية، وعرف للمرة الأولى كوسيط خلال المفاوضات بين الأطراف اللبنانية فى مدينة الطائف السعودية عام 1989 التى انتهت باتفاق وضع حدا لحرب أهلية استمرت 15 عاما.
ثم أصبح موفدا خاصا للأمم المتحدة فى نقاط ساخنة عدة من العالم، إذ تولى رئاسة بعثة الأمم المتحدة فى جنوب أفريقيا خلال انتخابات 1994 التى أتت بنلسون منديلا رئيسا. وأوفد إلى اليمن فى خضم الحرب الأهلية.
الإبراهيمى رجل المهام الصعبة يستقيل دون وقف النزيف السورى.. تسلم الملف تحت شعار لا يوجد وضع ميئوس منه حتى رفع الراية البيضاء مع تحديد الانتخابات الرئاسية بسوريا.. أقصى أمانيه كانت جمع طرفى الصراع
الثلاثاء، 13 مايو 2014 09:59 م