الضمان هو الحمالة عن الغير، أو شغل الذمة بحق للآخر، ويطلق عليه أيضا الكفالة.
والصناع جمع صانع وهو من يحترف الصناعة، والصناعة عمل الصانع وحرفته، أو الطريقة المنظمة التى تتبع فى عمل يدوى أو ذهنى.
والمقصود بتضمين الصناع تحملهم تبعة هلاك ما تحت أيديهم من عهد وأمانات الغير، كالقماش فى يد الحائك، والسيارة فى يد السائق، ومواد البناء فى يد المقاول. ويدخل فى هذه المسألة العهد فى يد الموظفين والعمال.
والصانع أو الأجير نوعان: خاص ومشترك. أما الأجير الخاص فهو من يعمل لغيره عملا مؤقتا ويكون عقده لمدة معينة كالموظفين وكل الخاضعين لتبعية أرباب الأعمال مددا معينة. أما الأجير المشترك فهو الذى يعمل لكل من يطلب منه صنعته أو خدمته كالحرفيين العموم الذين يقدمون أعمالهم لكل من يطلبها دون أن تكون لهم تبعية إدارية لأرباب المصالح.
والأصل فى الصانع أو الأجير الأمانة؛ لأن ما تحت يده من عهد وأموال الغير إنما كان بإذنه، فلا يضمن ما تلف منها بسبب تعامله الطبيعى دون عدوان أو تقصير؛ فالضمان لا يجب فى حكم الأصل إلا بالعدوان وما فى حكمه. قال تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (البقرة: 194)، وقال تعالى: «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» (النحل: 126). وأخرج الترمذى وقال حسن صحيح، كما صححه الحاكم، وقال الألبانى ضعيف. عن سمره بن جندب، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤدى – وفى رواية: حتى تؤديه».
ومع هذا الأصل التشريعى الذى اعتمده الفقهاء فى احتساب يد الأجير والصانع على مال رب العمل يد أمانة إلا أنهم اجتهدوا فى حماية ما تحت يد الأجير من عهد وأموال لأصحابها، ومدى إمكان تضمين العامل أو الأجير قيمة ما يتلف منها ليزداد تحملا للمسؤولية. وقد فسر الفقهاء ذلك فى مسألتين هما: الأجير الخاص والأجير المشترك. وسوف نوضح ذلك بإذن الله تباعا.
أولاً: الضمان فى الإجارة الخاصة
اختلف الفقهاء فى حكم تضمين الأجير الخاص فى حال هلاك أو تلف ما تحت يده من عهد وأموال مملوكة لرب المال على مذهبين فى الجملة.
المذهب الأول: يرى أن الأجير الخاص أمين، فلا يضمن ما هلك فى يده من مال أو ما هلك بعمله إلا أن يكون متعديا أو مقصرا. وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وقول عند الشافعية، بل قال المالكية لو شرط عليه الضمان فهو شرط يناقض العقد ويفسده. وحجة أصحاب هذا المذهب: (1) أن الأجير إنما قبض المال أو العهد المملوكة لرب العمل بإذنه، فصار مؤتمنا عليها. والأمين لا يضمن؛ لأن طبيعة الأمانة لا تحتمل الضمانة. (2) أن عمل الأجير منسوب لرب العمل، كأنه فعله بنفسه، فلهذا لا يضمن لاتحاد الذمة حكما.
المذهب الثانى: يرى أن الأجير الخاص يضمن ما هلك فى يده من مال مملوك لرب العمل أو ما هلك بعمله مطلقا فى الجملة. وهو المنصوص عن الإمام الشافعى. وكان يقول: «لا يصلح الناس إلا ذاك». وحجتهم: (1) أن صيانة الأموال من المقاصد الشرعية، والأجير إذا علم أنه يتحمل ضمان ما تحت يده من عهد وأموال ازدادت عنايته وقوى حرصه عليها. (2) أن الأمانة المفترضة للأجير الخاص فى حكم الأصل لا تمنع تحويلها إلى ضمانة؛ لأن حكم الأصل هذا افتراضى وتقديرى وليس نصا توقيفيا، والأحكام التقديرية لا تمانع التغير لاعتمادها على العرف، بل إن ظاهر النص يوجب الضمان فى الجملة وذلك فيما أخرجه الترمذى والحاكم وصححاه من حديث سمرة بن جندب، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤدى»، وهذا يشمل ما أخذ أمانة وما أخذ عدوانا.
وقد اختار المصريون القول المنصوص عن الإمام الشافعى الموجب لضمان الأجير الخاص ما يهلك فى يده من مال أو ما يهلك بسبب عمله وإن لم يكن معتديا، وذلك لصيانة الأموال وحفظها، وإلزام الأجير ببذل عناية الرجل الحريص. ثم يتسامح المصريون بعد إثبات هذا التغريم بالعفو عن الأجير الخاص كليا أو جزئيا من باب الفضل وليس من باب الضعف، فهم مقتنعون بتحمل الأجير الخاص للمسؤولية بدليل ملاحقته وطلب التحقيق معه وتغريمه شيئا من قيمة التلف يتناسب مع وضعه المالى.
وترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى منع تضمين الأجير الخاص فيما يقع تحت يده من مال لرب العمل، أو فيما يهلك بعمله دون عدوان مما يضر أرباب الأعمال بدعوى أن يده أمانة، والأمين لا يضمن. فهذا لم يقنع المصريين لتفويته مصالح أموالهم. ولم يشفع لهذا القول أنه مذهب الجمهور، لأن مذهبهم لا يخرج عن كونه اجتهادا يحتمل الخطأ والصواب، كما أنه لا يمنع من العمل بالمذهب المخالف لصدوره عن أهل الاجتهاد، ومن يجوز اتباعه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم ذكى
مقارنة