يصل معدّل انتشار الإيدز أو متلازمة نقص المناعة المكتسبة بالكاميرون إلى حدود 4.3 % من السكان، نسبة تعتبرها منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (أونيسيدا) مرتفعة، خاصة فى صفوف النساء (5.6 %) مقارنة بالرجال (2.9 %).. المنظمة الأممية وضعت لنفسها هدف تحقيق "الأصفار الثلاثة" فى الكاميرون فى العام 2015، وهى "صفر من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، صفر فى نسبة الوفيات الناتجة عنه، وأخيرا صفر تمييز"، أى أن يشمل العلاج الجميع بلا تفرقة أو أفضلية.
وفى العام 2013، أثمرت بالفعل الجهود الدولية والمحلّية، عن تمكين الغالبية العظمى من الأمّهات الحاملات للفيروس الإيدز فى الكاميرون من الإفلات من شبح نقل المرض إلى أطفالهنّ، حيث إنّ "اثنتين فقط منهنّ وضعتا أطفالا مصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة من أصل 300"، وفقا لرئيسة منظمة "لا حدود للنساء" الكاميرونية.
ولتحقيق هدف العام 2015، وضعت الكاميرون إستراتيجيات ترنو إلى القضاء التام على انتقال الإيدز من الأمّ إلى الطفل، وتعمل السلطات الكاميرونية بمعية الهياكل الدولية على غرار اليونسيف (منظمة الأمم المتّحدة للطفولة) بالتعاون مع منظمة تضمّ المرضى المتعايشين مع الإيدز تدعى "لا حدود للنساء"، وقد قامت هذه المنظمة بإنشاء مجموعات للإحاطة فى أغلب المستشفيات الكبرى بالبلاد كمستشفى "إيفولان" بالعاصمة ياوندى.
وتعمل مجموعات الإحاطة والرعاية بالتنسيق مع الطاقم الصحى بالمستشفيات، دورا تطوّعيا يتيح لها فرصة الاقتراب من المرضى بصفة عامة، وتشجيع النساء على إجراء الفحوصات المتعلّقة بفيروس نقص المناعة البشرية، والعودة –وهذا الأهمّ- لسحب نتائجها بعد ذلك، فالبيانات المتوفّرة بمختلف المستشفيات الكاميرونية أثبتت أنّ المعضلة لا تكمن فى التقدّم لإجراء الفحوصات، وإنّما فى الرجوع للاطّلاع على نتائجها.
وعلى ضوء نتائج الفحوصات، يتمّ فرز المرضى من النساء الحاملات للإيدز، لينتقلن إلى أولى جولات الصراع ضدّ المرض.. تطعيم مضاد للفيروسات الرجعية لمنع انتقال الفيروس من الأمّ إلى الطفل.
"هنريات توتو" ممرّضة تعمل بمستشفى "إيفولان"، وتعنى بالاستشارات الصحية لما قبل الولادة، قالت فى توضيح لهدف مجموعات المرافقة للأمهات الحاملات للإيدز: "نريد تحقيق نسبة إصابات بالمرض فى صفوف الأطفال تقارب الصفر، ما يعنى أنّ كلّ أمّ حاملة للفيروس لا تضع طفلا مصابا بالإيدز"، "توتو" أضافت فى حماس: "نريد القضاء على ذلك، والحصول على أطفال فى صحة جيدة ولا يعانون من هذا الفيروس فى المستقبل".
تحديد قائمة الأمهات أو الأمّهات الحوامل أمر هيّن، غير أنّ المهام الصعبة تبدأ بالظهور فى المراحل الموالية، فالتحدّى المطروح فى هذه المسألة نابع من توقّف نجاح الطاقم الطبى ومجموعات المرافقة على مدى استجابة الأمّهات للتعليمات الواجب اتّباعها.. وهذا فى حدّ ذاته مقترن فى العمق بخلفيات عديدة تخرج عن نطاق سيطرة أعوان الصحة عموما.
التكتّم هو أيضا من العوامل المحدّدة لنجاح الجهود المبذولة، حيث تعقد مجموعات المنظمة الكاميرونية جلسات للمناقشة مرّة كلّ شهر، يفسح من خلالها المجال للأمّهات للحصول على التوضيحات اللازمة بشأن بعض النقاط الغامضة فى نظرهنّ، وتجد أولئك النساء العزاء بالتقرّب إلى أمثالهن ممّن يعانين من المأساة ذاتها، بالإضافة إلى الإحاطة النفسية المختصّة اللائى يلقينها من لدن مجموعات المرافقة.
"هنريات" تابعت فى ذات السياق قائلة: إنّ "جهود المجموعات مثمرة للغاية، ولقد اكتشفنا أنّ الأمهات اللاتى يخضعن إلى المتابعة فى الوقت المناسب، أى فى الأسبوع الرابع عشر من الحمل تضع مولودا معافى، بعكس الحالات التى لا تخضع للعلاج والتى تنتهى فى الغالب بوضع أطفال حاملين لفيروس نقص المناعة البشرية".
ومن جانبها، أوضحت رئيسة منظمة "لا حدود للنساء" "أوديت إيتامي" للأناضول أنّ "اثنتين فقط من النساء الحاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة وضعن أطفالا مصابين بالمرض من أصل 300 من الأمّهات المصابات بالفيروس، ما يعنى أنّ 298 أمّا حاملة للمرض وضعت طفلا معافى تماما".
تفاؤل يجد جذوره بالنسبة لـ"إيتامي" فى الانخراط التدريجى الذى يبديه أقران الأمهات الحاملات للفيروس، فلقد تبيّن أنّ تطوّر الإجراءات المتّبعة معهن فى المستشفيات يدفعهن نحو تناول الموضوع مع أزواجهن، وهذا ما يدفع بهؤلاء (الأزواج) إلى القدوم للحصول على المعلومات بشأن المرض، وهذا، وإن كان يحدث بصفة محتشمة فى البداية، إلاّ أنّه يعتبر مؤشّرا جيدا ويستبطن تقدّما ملحوظا".
وإلى جانب ما تقدّم، تقوم مجموعات المرافقة بإعداد وتوزيع معجّنات الصويا والفول لمساعدة النساء على عدم فقدان الكثير من الوزن.. وصفة مركّبة، غير أنّ أعضاء المجموعة يضيفون خيار تعليمها إلى قائمة الخدمات التى يضعونها على ذمّة مرضاهم، تشجيعا لهنّ على إعدادها فى المنازل.
وعلاوة على ذلك، تقوم المجموعات بزيارات منزلية لملاقاة النساء اللائى فقدن الأمل، ودخلن فى مرحلة "الأفق المسدودة"، حيث يتوقّفن عن تناول العلاج ويمتنعن عن زيارة المستشفى للمتابعة.. حالات يأس لا تتقاطع مع بوادر الأمل إلاّ حين تهبّ مجموعات المرافقة مدعومة بكلّ ما تمتلك من خبرة وإلمام بالشأن النفسى للمريض، وخاصة عبر استثمار مساحات الصداقة والألفة التى عادة ما تنشأ بينهم وبين روّاد المستشفى.
ووفقا للتقرير العالمى لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لسنة2013، فإنّ الكاميرون هى واحدة من جملة 22 بلدا فى شتّى أنحاء العالم ممّن يعطون الأولوية للقضاء على العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية بين الأطفال بحلول العام 2015، والحفاظ على أمهاتهم على قيد الحياة.
ويحتلّ الكاميرون مرتبة متوسّطة فى ترتيب الدول من حيث الحصول على خدمات الوقاية بمضادات الفيروسات الرجعية للنساء الحوامل المصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، أى فى خانة الدول التى تمتلك نسبة تغطية تتراوح بين 50 إلى 79 %.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة