كنت فى شهر أكتوبر عام 1979، أقف فى حديقة كلية «دار العلوم» فى مبناها القديم بـ«المبتديان»، لم يحملنى مكتب التنسيق إلى الكلية دون رغبتى، وإنما اخترتها رغبة فى دراسة الأدب من مصدره الأصلى، وذلك بديلا عن عدم التحاقى بكلية الإعلام كى أصبح صحفيا.
كنت أقف تائها، فأنا القادم من ريف مصر دون خبرة كافية بحياة المدينة، لكنى أبحث عن هؤلاء الذين كنت أسمع عنهم وأنا فى دراستى بـ«الثانوية» فى «طوخ» بمحافظة القليوبية، عن «طلاب السياسة» والفكر والثقافة، عن الجماعات الطلابية التى قادت «مظاهرات الخبز» ضد السادات يومى 18 و19 يناير 1977، وبينما أنا على هذه الحال، شاهدت معرضا لمجلات الحائط فى ركن بعيد من الحديقة وحوله طلاب يتناقشون، فذهبت إليهم.
كانت المجلات كلها عن ثورة يوليو 1952 وجمال عبدالناصر، ولفت نظرى وجود مدرس لى فى الكلية هو الدكتور «حماسة عبداللطيف» المتخصص فى علم «النحو والصرف»، كان الدكتور «حماسة» يناقش الطالب الذى ينظم «المعرض» ويشرف عليه، وباقى الطلاب يتابعون، ورغم مرور كل هذه السنوات الطويلة على هذا المشهد، فإننى مازلت أتذكر تفاصيله منذ اللحظة التى شاركت فيها.
سمعت الدكتور «حماسة» يقول: محمد على هو اللى بنى مصر، فرد الطالب: «نعم لكنه بناها وأورثها لأبنائه أما جمال عبدالناصر فبنى مصر للشعب المصرى»، وشاركت أنا بجملة واحدة: «عبدالناصر عمل للغلابة»، ومضى النقاش والطلاب يتزايدون، ويتزايد اندماجى بمتابعته بين «الطالب» و«الأستاذ».
انتهى اللقاء، لكن قصته لم تنته معى، فهو الذى قادنى إلى «العالم» الذى أبحث عنه، قدم «الطالب» نفسه لى: «أنا اسمى صلاح السروى فى السنة الرابعة» (أصبح الآن ناقدا مرموقا وأستاذا فى جامعة حلوان)، وسألنى عن اسمى وفى أى سنة أدرس بالكلية؟، وتواعدنا على لقاء ليلى فى حجرتى بالمدينة الجامعية لجامعة القاهرة.
عن طريق «صلاح السروى» عرفت الناصريين فى الجامعة وكان واحدا منهم وقتئذ، وعرفت «نادى الفكر الناصرى»، وكان يزدحم بأسماء صارت الآن نجوما محترمة فى مجالهما، فإلى جانب صلاح السروى، عرفت «حسين عبدالغنى، جمال فهمى، محمد حماد، سعيد يوسف، فؤاد السعيد، محمد بسيونى، محمد شومان، عادل الجوجرى، علاء عبدالوهاب، نجلاء بدير، منى سالم، أميمة كمال، ضياء رشوان، عمرو الشوبكى، ممدوح كامل، جمال عبدالناصر عويس، إيمان ميشيل، وغيرهم.
كان هؤلاء طلابا يسبقونى فى الدراسة فى كليات مختلفة، وكل واحد منهم له تمايز فى مجال، لكن الكل يجتمع على حالة الحلم بغد لوطن فيه عدل واستقلال وإرادة، ومن هذا القاسم المشترك للجميع، كانت النظرة للعالم وللحياة بكل تفاصيلها.
يظل لـ«صلاح السروى» فضله الكبير على، ليس لأنه فقط الذى فتح عالمى على حيث ما أريد، لكنه اشتملنى برعاية إنسانية وفكرية من نوع خاص، بدءا من مدد قدمه لى فى الكتب وتوجيه فى نوعية القراءة، ومناقشات ثرية فى مجالات الفكر والثقافة والأدب، وأشياء أخرى أستكملها غدا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدين موش عايز يبقى رئيسى .. حمدين عايز يحاكم السيسى
حظك كويس أنك مدخلتش أعلام حتى لا تأكل وجبه الحمامصى المسمومه فى تلك الفتره
عدد الردود 0
بواسطة:
صلاح السروى
شكرا لك ايها الوفى الأصيل