أرسل (أ) إلى افتح قلبك يقول: أنا شاب عمرى 26 عاما، لم يسبق لى الزواج، تعرفت على سيدة مطلقة تكبرنى بـ5 سنوات، منفصلة منذ 4 سنوات تقريبا، ولها بنت واحدة عمرها 8 سنوات، انجذبت إلى هذه السيدة جدا، لطباعها وخلقها، كذلك لتدينها الشديد وحرصها الدائم على إرضاء الله سبحانه وتعالى.
فاتحت أهلى فى رغبتى فى الارتباط بها، ولكن ما توقعته حدث بالطبع، وهو أنهم اتهمونى بأنى أسأت الاختيار، وأنى "صغير" ولا أعرف المشاكل التى تنتظرنى من وراء هذه الزيجة، وأنى لا أقوى على تحمل مسئولية هذا الموضوع، باختصار نفس تفكير مجتمعنا الشرقى الرجعى، والذى يعتبر مثل هذه الخطوة دربا من الجنون.
أهلى يهتمون جدا بالشكل الاجتماعى، وكيف سيقدمون هذه السيدة إلى المجتمع على أنها زوجة ابنهم الوحيد، فأنا ولد واحد ولى أختان، ولكن لا يخطر ببالهم نهائيا أنى قد أكون سعيدا معها أكثر من أى فتاة أخرى لم يسبق لها الارتباط، وهذا ما أراه فعلا، فأنا أشعر بتوافق كبير معها، كما أرى المشاكل التى لا تنتهى بين أصدقائى وخطيباتهم اللواتى هم آنسات وصغيرات ولم يسبق لهن الزواج، إذا لم يكن هناك مانع شرعى لهذه الزيجة، فلماذا يحرمها الناس؟.
أنا لا أريد إغضاب والدى، خاصة أنى أعرف أن أمى قادرة على تنغيص حياتى إذا خالفتها، فقد سبق أن خطبت من قبل، ولكن الفتاة لم تكن تعجب أمى، لأنها سمينة، حتى بعد أن خطبتها بالفعل، قررنا أن نترك بعضنا بسبب كثرة المشاكل التى كانت أمى السبب الرئيسى فيها، وبالتالى، فهى لن تدع الأمر يمر بسلام، أنا متأكد من ذلك.
لكنى فى نفس الوقت، لا أريد أن أخسر هذه الإنسانة، وأن أرضى الآخرين على حساب نفسى، لماذا يصر أهلى على معاملتى على أنى فتاة أو قاصر؟، أليس من حقى اختيار من سأعيش معه بقية حياتى؟.. أنا لا أريد غير حقى؟.
وإليك أقول:
قد يكون فعلا اهتمام أهلك بالشكليات والاجتماعيات هو الظاهر، لكن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، أنا لن آخذ صف أحدكما على حساب الآخر، ولكن دعنى أشرح لك وجهة نظرهم، علك تجد لهم عذرا فى رفضهم هذا.
كلنا نرى أولادنا لا مثيل لهم، وأنهم يستحقون الأفضل والأحسن على الإطلاق، كذلك أهلك يشعرون نحوك بنفس الشعور، خاصة أنك ابنهم الوحيد، وأنت تعرف قيمة الأبناء الذكور فى مجتمعنا الشرقى بكل تأكيد، لهذا فهم يعطونك مكانة متميزة ولا يتصورون أن ترتبط بمن هى أقل منك فى هذه المكانة، قد تقول لى "ولكنها ليست أقل منك، سأقول لك عندما تتزوج من هى أكبر منك وبخمس سنوات فهذا تنازل فى نظر والديك والمجتمع"، وأن تكون هذه الإنسانة سبق لها الزواج بينما أنت لا، فهذا تنازل أكبر، وأن تكون لها أبناء من زيجتها الأولى بينما أنت لا، فهذا تنازل لا حصر له بالنسبة لهم، أضف إلى ذلك إذا كانت هذه السيدة من مستوى اجتماعى ومادى أقل منكما كأسرة، فإن ذلك قمة التنازل بل تفريط فى حقك فى نظر الجميع، أنت لم تذكر شيئا عن مستوياتكما المادية والاجتماعية، وهل هى متقاربة أم لا، ولكنى ألفت انتباهك إلى أن هذا عامل آخر مؤثر، لا يمكن إغفاله فى المعادلة بلا شك.
ضع نفسك أنت مكانهم، تخيل أن ابنك الوحيد الذى أنفقت عليه الغالى والنفيس لتراه شخصا يملأ العين، والذى وضعت عليه أحلامك وأمانيك المستقبلية، والذى حلمت له بكل ما لم تستطع أنت نفسك تحقيقه، يأتى اليوم الذى يقول لك فيه أنا لا أريد كل هذا، وأريد أن أرضى بقليلى، وأنى أعرف مصلحتى أكثر منك، ولتوافق أنت أو تتنحى جانبا، ألن تشعر حينها بأنه خذلك؟، وخيب أملك فيه؟، ألن تشعر أنه أنضحك عليه؟.. وأنه سلب عقله؟.. وأنه لا يرى الحقيقة بوضوح؟.. سواء كان هو المصيب أم أنت، ولكنك ستشعر حتما بأنك لو وافقته ستفرط فيه، وفى حقه، وبأنك تقلل من فرصه فى الحياة، أليس كذلك؟، هذا هو شعور أهلك بالضبط، حتى إن لم يستطيعوا شرحه أو توصيله إليك.
هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فهم يرون فى هذه الزيجة بعض المشاكل والمسئوليات غير المعتادة فى أى زيجة عادية، دعنا نفكر فيها معا:
1) قد يكون هناك بعض الآثار السلبية لزواج تلك السيدة الأول على نفسيتها أو على شخصيتها، مما يجعلها غير طبيعية فى تعاملها معك أنت، فكلنا نحاول دائما عمل عكس كل ما عملناه فى تجربتنا الأولى فى أى شىء لو فشلت، لا أتهمها بأنها معقدة أو مريضة نفسيا لا سمح الله، أو أجزم بأنها ستكون معاملتها معك سلبية، لكن هذا احتمال قائم علينا وضعه فى الاعتبار، فكثيرات هن من كن مظلومات فى زيجاتهن، ولكن كثيرات أيضا كن ظالمات.
2) وجود ابنة لهذه السيدة من زواجها الأول أمر يفرض أوضاع عدة، منها أنك لن تستطيع منع والد هذه الطفلة من إقحام نفسه فى حياتكما فى أى وقت فى المستقبل، حتى إن كان غير مهتم بابنته الآن، لكنه ربما يهتم فيما بعد لمجرد تنغيص حياة أمها والتنكيد عليها فى حياتها الجديدة، ليس إلا.
كما أنك لن تستطيع توقع رد فعل هذه البنت تجاهك أنت، حتى إن كان جيدا الآن، فأنت ستصبح ( زوج أمها) وستسحب اهتمام أمها بها من تحت قدميها، وبالتالى فأنت خصم كبير لها، قد تغار منك، أو تغار من أولادك فى المستقبل، أو حتى تكيد بك لتستحوذ على اهتمام أمها مجددا، فتجد نفسك أنت من تغار منها أو تحمل همها فى المستقبل.
3) فرق السن فى حد ذاته، وحتى بدون سابق زواج هذه السيدة أمر له عواقب قد لا تكون حاضرة فى ذهنك الآن، فربما هى لا زالت شابة الآن، لذلك فأنت لا تشعر بالفرق بينكما ظاهريا على الأقل، لكن الوضع لن يظل بهذه الصورة بعد 10 سنوات فقط من الآن، عندما تصبح أنت فى قمة شبابك، بينما هى ستكون فى بداية منحنى الهبوط، خاصة إذا حدث وأنجبتم، مما لذلك من تبعات حتمية على أى امرأة، مهما كانت مهتمة بصحتها وجمالها ورشاقتها.
أعرف أنك ستسألنى وماذا عنى أنا؟.. أليس من حقى أن أحب وأن أختار؟.. أليس من الممكن أن أكون أنا المصيب والمجتمع هو المخطئ؟.. أليس من الممكن أن تنجحا فى تخطى كل هذه الصعاب على عكس توقعات الجميع؟.. ألا يمكن للحب أن ينتصر؟.. سأقول لك: بلى، طبعا ممكن، لأن كل شىء ممكن، ولكن لا شىء مضمون، ولأننا لا نعرف الغيب فلا يسعنا إلا تقييم كل شىء بحسب احتمالات نجاحه، والأخذ بالأسباب، ثم ننفذ، قد نوفق ويظهر لنا صحة تفكيرنا، وقد نخفق ويظهر لنا كم كنا سذجا عندما توقعنا نجاح هذا الأمر، ودعنى أكون صريحة معك، احتمالات الفشل أكثر بكثير من احتمالات النجاح فى هذه الزيجة، قد ترانى أنا أيضا تقليدية ورجعية، لكنى أحسبها معك بالورقة والقلم، فلا أعتقد أنك تستطيع إنكار كل هذه السلبيات التى عددتها لك سابقا.
أعرف أنه فى الزواج بالذات لا يمكن أن نكتفى بحسابات العقل، والورقة والقلم، لأن هناك عاملا أقوى من كل شىء يسمى المشاعر والعواطف، أعرف ذلك، لكن ما لا تعرفه أنت أنه حتى هذه العواطف والمشاعر تتذبذب صعودا وهبوطا فى أى علاقة، وقد تختفى أحيانا فى بعض العلاقات، والواقع يقول أنها لا تظل هى المعيار الأول لبقاء ونجاح أى علاقة، فالحب والتفاهم والمشاعر أشياء مهمة، لكنها ليست الأهم على الإطلاق كما تعتقد، وكما كنت أعتقد أنا عندما كنت فى سنك.
صدقنى سيأتى عليك الوقت الذى ستعيد فيه حساباتك كلها من جديد، وإن لم تجد ما ينجح هذه العلاقة حينها غير المشاعر، فلن تكون سعيدا أبدا بهذا الاختيار، فكلما زادت مجالات التوافق والتقارب بين شريكى الحياة، كلما كان هذا داعما لاستمرارهما معا، ولتسهيل حياتهما معا، لا أقول لك اختر بدون قلب أو مشاعر، ولكنى أقول لك بوضوح أن اختيار القلب والمشاعر فقط ليس كافيا على الإطلاق، الواقع والتجارب والحياة يقولون ذلك.. صدقنى.
أنت الآن واقع تحت سحر الحب والانجذاب، وهما لهما قوة السحر بلا مبالغة، فهما قادران على جعلك ترى كل شىء سهل وممكن، بل ووردى أيضا، لكن كل من حولك لا يرتدون نفس هذه النظارة الوردية، فهم ليسوا تحت تأثير هذه المشاعر التى تشعر بها أنت، لهذا فهم يرون العقبات بوضوح، ويرون السلبيات على حقيقتها، ويرون الواقع بلا تجميل أو تبسيط.
لا يمكننى أن أقول لك تراجع، وأترك من اخترتها بنفسك، ولكن لتعلم تمام العلم أن هذا الاختيار الغير تقليدى، سيكون له أيضا ثمن غير تقليدى، فإذا كنت واثقا من اختيارك، ومن أنك ترى الأمور على حقيقتها أثبت على ما أنت فيه، لكن تقبل ألا تحصل على كل شىء، فقد يكون المقابل أن تخسر عائلتك، ولو لفترة من الوقت، كذلك عليك القبول بأن حياتك لن تكن سهلة فى المستقبل، واستعد للتصدى لبعض المشاكل من هنا، وبعض المشاكل من هناك، من الحين للآخر، والأهم من كل هذا تقبل فكرة أن تعتمد على نفسك كليا فى المستقبل لمواجهة أى شىء وكل شىء، فعندما تفرض على أهلك أمر واقع وتتمسك باختيارك، لا تتوقع منهم أن يدعموك أو يساعدوك أو أن يقفوا بجانبك فى أى ضائقة قادمة، باختصار يجب عليك أن تكون على قدر مسئولية اختيارك إذا تمسكت به.
للتواصل مع د. هبة يس، وافتح قلبك: h.yasien@youm7.com
د. هبة يس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
فاديا
زي الفل