تمر نسماته عابرة مداعبة ذكريات مضت لم يسمح لها الصيف بالبقاء طويلاً، سنوات قصيرة أو عدة أشهر أو ربما أيام لا تكتمل عادة، هى فترة "الربيع" التى دائماً ما وضعت على حياتنا نسمات صافية تشوبها أتربة خفيفة يمكن احتمالها، بينما لا يمكن احتمال ما يليها من حرارة قاسية عادة ما تعقب فترات الربيع القصيرة، ربيع "السندريلا" وصلاح جاهين هو الربيع المعروف الذى أعطاه العبقرى الراحل ما يشبه الختم الرسمى كل عام بينما لم يعط لباقى فترات الربيع فى حياتنا ختماً رسمياً يحكى تفاصيل أيام تمر سريعاً وتختفى مع هبوب أول لفحة ساخنة، ليس بفعل الشمس وحدها، ربما بفعل أزمات أخرى غالباً ما تهرول خلف الفترات الصافية على اختلاف أماكنها، مثل اللفحة التى أعقبت أحلى شهور الربيع العربى، ولفحة أفلام المقاولات التى فصل بينها ربيع قصير آخر لحقت به سينما المهرجانات وأفلام "الأغنية والرقاصة"، أو لفحة شيوخ القوانين وترزية الفتاوى على مقاس الحدث السياسى بعد فترة ربيع علماء الأزهر والشيخ الشعرواى، أو أول ضغطة ألم تطيح بربيع العمر وتفتح باباها واسعاً لأعوام الشيخوخة، وغيرها من اللفحات التى تنهى فترات الربيع فى حياتنا فى مناطق مختلفة لم تحظ سوى نسمة قصيرة مرت عابرة فوق سخونة الحياة.
الربيع العربى، الربيع الفنى، الربيع الاقتصادى، الربيع السياسى، ربيع العمر، وربيع السندريلا وصلاح جاهين، فترات مرت بربيع قصير فى حياة مصر، لعل أقلها حظاً كانت فترات الربيع السياسى التى قلما عرفتها مصر، واستمرت أحلى نسماتها 18 يوماً أعقبتها اللفحات الساخنة لصراعات سياسية لم تنتهى بعد، وهى الفترة التى انتقلت عدواها من تونس إلى مصر ثم إلى دول الربيع العربى التى عاشت الفترة ذاتها من حلاوة النسمات ثم ذاقت حرارة الأحداث التى لم تتوقف عن الاشتعال منذ اندلاعها.
ربيع آخر عاشته مصر على فترات متقطعة هو الربيع الفنى الذى استقرت نسماته فى زمن رحل ولم يعد، فى الوقت الذى أطلقت فيه مصر على الفن لقب "الزمن الجميل" الذى أعطى لمصر حقها من النسمات ثم غادر تاركاً الساحة الفنية متاحة لمعدل مستمر من الهبوط الذى وصل بها فى التسعينات إلى أفلام المقاولات، ثم عاد للارتفاع قليلاً كصحوة لم تدم، هوى بعدها مسرعاً فى فن المهرجانات وأفلام "المطرب والرقاصة" والمحتويات الهابطة والإبداع المحدود، ولا يزال الربيع الفنى فى انتظار فرصة أخرى للصعود بعد انحسار موجة الحر التى طال بقاؤها.
ربيع اقتصادى عاشته مصر فى فترة لم تكتمل فيها الصورة، وظلت مترنحة بين احتلال صاحب فترة رخائها، وفساد قضى على ما تبقى واستمر لسنوات طويلة فى استنزاف مواردها وخيرها، ووضع الأزمات الاقتصادية الهائلة بدلاً من فترة الربيع ذات الأسرة المتوسطة والدخل المعتدل وجواب القوى العالمة وتوظيف الحكومة ودعم الخبز والبنزين وطابور الجمعية وغيرها من مظاهر الربيع التى أخذت فى الاختفاء شيئاً فشيئاً تاركة الفرصة لصيف الأزمات فى السيطرة على الوضع الاقتصادى فى مصر.
فترات ربيع مرت وصيف لم ينتهى فى معظم التواريخ والأحداث التى فقدت فيها مصر ربيعها، واحتفظت بعلامات بسيطة مازالت مستقرة فى تفاصيل حياة الشعب المصرى لتعكس ما تبقى فى مصر من ربيع، وما تبقى لدى المصريين من نسمات تظهر أحياناً فى القدرة على تحمل الكوارث اليومية، أو عشق لوطن أنهى ربيعه مبكراً، أو ضحكة صافية فى وجه الأزمات، أو القدرة على الانسحاب من فترات الصيف الخانقة بأغنية أو قصيدة أو رد ساخر أو حل فهلوى لتلطيف الجو، والقدرة على الخروج من أحلك الظروف وكأن شيئاً لم يكن، والاحتفاظ بكل ما يمكن الاحتفاظ به من "ربيع العمر" أو الربيع الأخير الذى تبقى للمصريين وأتاح فرصة الشعور بنسمة تبدأ فى التلاشى على استحياء، ويتوقف بقاؤها على قدرة أصاحبها على اقتناص النسمات العابرة لمواجهة حرارة صيف الشيخوخة، والنسب المعتدلة من السعادة والصحة والمال والتفاؤل والقدرة على العمل، يحاول المصريون توزيعها للاحتفاظ بصيف رطب ووداع ربيع راحل لا محالة، لا يبقى فيه من علامات النسائم سوى صوت السندريلا وكلمات "جاهين".
ورا كل نسمة ربيع حر ليلة صيف..
ربيع الفن والعمر والسياسة.. فصول مرت عابرة على تاريخ مصر
الأحد، 20 أبريل 2014 11:08 ص
سعاد حسنى - السندريلا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة