تحدثت فى مقالٍ سابقٍ لى، عن ضرورة أن تتوجه مصر نحو البحث العلمى فى مجاله التطبيقى، ولأن الحديث عن البحث العلمى فى مصر لا يكتمل إلا بذكر الحديث عن مدينة زويل العلمية، أدخل إلى عدد من القضايا التى تتعلق بهذه المدينة، بعد أن تجدد الحديث حولها مع حكم القضاء الإدارى بأحقية جامعة النيل فى الأرض والمبانى التى منحتها الحكومة لمدينة زويل، وأترك هذا الجانب، وأنتقل إلى الجانب العلمى للمدينة فهو رسالتها ووظيفتها، ووفقا لما طرحه الدكتور أحمد زويل نفسه فإنه يحمل لـ"المدينة" طموحا كبيرا، ولا يوجد مصرى ضد هذا الطموح، لكن نجاحه يتطلب دراسة جادة وتخطيطا دقيقا واختيار أفضل الوسائل والطرق الأكثر جدوى فى التنفيذ.
ومن خلال خبرتى فى مجال البحث العلمى والتطوير وبالذات فى مجال البحوث التطبيقية، وبناء وتطوير الأنظمة التكنولوجية لفترة طويلة، شاركت فيها فى بناء شركة، هى الآن من أكبر شركات العالم فى تطبيق العلوم والهندسة والبحث العلمى، والتطوير فى مجالات عديدة مثل الدفاع والأمن القومى والطاقة والصحة والبيئة والفضاء ونظم وتكنولوجيا المعلومات والإنترنت وأمان الفضاء الإلكترونى.. ويعمل فيها أكثر من 40 ألف مهندس وعالم وموظف منهم أكثر من 10 آلاف حاصلين على شهادة الدكتوراه والماجستير فى مجالات الهندسة والعلوم والعلوم الاجتماعية والطب والإدارة وأخرى وأيضاً من خبرتنا فى إدارة المشروعات العلمية والتكنولوجية التى تتراوح قيمتها ما بين ملايين إلى بلايين الدولارات الأمريكية، وعلى مختلف المستويات العلمية والابتكارات، وبعد هذه الخبرة لو سألتنى عن أى مشروع بحث علمى كبير وقومى فيما يتعلق بكيفية تكوينه وضمانات نجاحه، سأقول أنه لابد أن يبدأ بدراسة تفصيلية تهدف إلى وضع التصور العلمى والتكنولوجى والواقعى لمطالب وكيفية تنفيذ المشروع، والاهتمام بتحديد الجدوى العلمية والبحثية والتكنولوجية والصناعية والاقتصادية والمردود الحقيقى المنتظر والمتوقع منه على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
وأحدد المسألة أكثر بطرح هذه الأسئلة، ما هى مدينة زويل العلمية ومكوناتها؟، هل هى مجموعة من الكليات أو المعاهد أو مراكز بحوث وما بهما من أقسام؟ وما هو المعيار المستخدم للاختيار؟ وما هى التخصصات المختلفة التى ستشتمل عليها؟ وما هى الأبحاث المتوقعة ونوعيتها وكيفية ربطها بتطوير التكنولوجيا والصناعة؟ هل يأتى فى الاعتبار ما يوجد حالياً فى مصر من أبحاث أساسية وتطبيقية؟ وما هى آلية مشاركة العلماء والأساتذة المصريين وكيفية الحصول على أراء المصريين والعلماء من داخل وخارج الوطن؟
الأسئلة السابقة هى عندى روشتة لنجاح المشروع، أو تقديم إضافة من خلال خبرتى فى البحث العلمى والتطوير، وحتى تكتمل هذه الروشتة، أجيب على الأسئلة السابقة على النحو التالى:
1- تجميع وإنشاء بنك معلومات وقاعدة بيانات للأبحاث الحالية الموجودة فى الجامعات والمعاهد، ومراكز البحوث المصرية للتعرف عليها بما يشمل نوع البحث وفريق البحث وأهداف البحث، وما هو مستوى نضج هذه الأبحاث.
2- جمع آراء العلماء والباحثين المصريين من داخل وخارج البلاد فيما يرونه من أبحاث مستقبلية ومدى أهميتها لمصر.
3- دراسة تفصيلية لما يحدث فى الدول المتقدمة علمياً وبحثياً وتكنولوجياً للتعرف على البحوث الجارية بها والمستقبلية منها، والمجالات الجديدة التى يمكن العمل بها والاستفادة من تلك الخبرات، وكيفية نقل مثل هذه الخبرة فى بعض الأحيان.
4- استخدام مجلس الأمناء واتصالهم على المستوى العالمى لاقتراح المجالات التى يرون أن لها فائدة كبرى مستقبلياً.
5- تحديد الأولويات فى مجالات التكنولوجيا الحديثة والمستقبلية، والتعرف على كيفية الربط ما بين البحث الرئيسى والتطبيقى، وكيفية الحصول على منتج لتطوير التكنولوجيا وخلق صناعات جديدة.
6- بعد التعرف على الملامح الرئيسية لهذه المدينة ومكوناتها من حيث الكليات والأقسام والأبحاث ومجالات التكنولوجيا، فإنه من الأفضل عقد مؤتمر علمى تكنولوجى يدعى فيه العلماء والمفكرون، بالإضافة إلى رجال الصناعة والتكنولوجيا للمساهمة فى وضع الأوليات واختيار المجالات العلمية والتكنولوجية، وتلك الخطوات المقترحة إذا لم يتم الأخذ بها فلن نحقق شيئا، ويسرى هذا الكلام على مدينة زويل وغيرها.
هناك أشياء كثيرة، ربما يكون آوان طرحها قد فات، لكن ومن خلال خبرتى فى إدارة المشروعات بكافة أنواعها، أقول إن عدد المشروعات التى يبدأ تنفيذها بطريقة عشوائية وبدون دراسات تفصيلية تكون نتيجتها الفشل أو تأخير فترة التنفيذ، أو زيادة التكلفة بنسبة عالية، وفى النهاية لا تحقق الأهداف المطلوبة منها ويصعب استمرار التمويل اللازم لها.. وحيث إنى أعلم أن هذه الدراسات التفصيلية تتطلب تمويلا ماليا بما يقارب 2- 3% من التكلفة الكلية للمشروع، فإنه كان من الأفضل الحصول على تمويل مبدئى أو تبرعات محدودة من عدد قليل من القادرين لتنفيذ جميع مراحل الدراسة المطلوبة للمشروع، وعند الانتهاء من هذه الدراسات وتحديد المطالب التفصيلية لتلك المدينة العلمية بمكوناتها وخطوات تنفيذها يتم فتح باب التبرعات من داخل وخارج البلاد، والحديث متصل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة