فعلها رئيس للوزراء، دون أن يدرى أنه ورط نفسه فى أزمة لم يكن لها داع.. فعلها المهندس إبراهيم محلب، وضرب بالقانون واحترامه عرض الحائط، وكان من الأولى أثناء مناقشته للدكتورة ميرفت التلاوى وسيدات المجلس القومى للمرأة، أن يقول لهم سأرجع لوزير الثقافة، ورئيس الرقابة لأستوضح الأمر، ولكن أن تتقدم الدكتورة ميرفت التلاوى بطلب لإيقاف عرض الفيلم، ويوافق محلب دون تفكير أو مراجعة مدى قانونية ذلك، فهذا هو الخطأ بعينه.. لم يفعلها الإخوان، ولكن للأسف فعلها رئيس الوزراء، والذى كنت أضعه دائماً فى مصاف الرجال شديدى الهمة والحزم، والقدرة على الأداء، وبعد قرار رئيس الوزراء، صدرت مجموعة من القرارات التى تؤكد عبثية وعشوائية المشهد الذى نعيشه، ولا أعرف كيف لرئيس وزراء يصدر عصرا مجموعة من القرارات لصالح صناعة السينما، منها عودة الأصول، وما يتعلق بمحاربة القرصنة وغيرها وبعدها بساعات قليلة يقرر أن يصادر فيلما وهو ما فتح باب المزايدات من جميع الاتجاهات ومعظم المسئولين وأطراف الأزمة والتى يبدو أن الجميع قرر أن يتعامل معها بطريقة "النقوط" فى فرح بلدى، فمن يلقى بعشرة تحت قدمى الراقصة، يصعد له على خشبة المسرح.. ومن يلقى بعشرين أو خمسين كل حسب قدرته يظهر بمظهر العظيم.
لذلك سارعت وزارة الثقافة "المرتعشة"، والرقيب الذى وجد نفسه وسط طوفان من الفوضى والتخبط بمفرده، بتنفيذ القرار، وطالب بجمع كل النسخ من دور العرض فوراً، دون أن يفكر لحظة فى أن هذا القرار فيه نيل منه ومن سلطته ومنصبه، وغير قانونى أصلاً، أما وزير الثقافة "المرتعش" والخائف على منصبه، الذى تولاه فى 4 حكومات، منذ المجلس العسكرى، وصولا إلى حكم الإخوان، وما بعد ٣٠ يونيو، ومستمر حتى الآن، خلال المرحلة الانتقالية، ارتبك بعد قرار محلب المفاجئ، ويبدو أنه وقف أمام المرآة ليسأل نفسه كثيراً، ماذا تفعل يا صابر، ماذا تفعل؟ هل أضحى بمن أجاز الفيلم سواء كانوا مجموعة موظفين أو رئيس الرقابة الواقع فى حسبة برمة منذ أن تولى المنصب؟ والذى لا يرضى عن أدائه أغلب المبدعين، ومعظم الموظفين العاملين فى جهاز الرقابة.
وهو المشهد المتكرر، حيث سبق وتمت التضحية بـ30 موظفا وبرئيس
الرقابة نعيمة حمدى والذين تمت التضحية بهم بعد إجازتهم لفيلم المذنبون وشتان بين الفيلمين.
نتفق أو نختلف حول القيمة الفنية لفيلم حلاوة روح، ولكن لا يحق لرئيس الوزراء بجرة قلم أن يكرس لسياسة المنع، وكان على "الست" ميرفت التلاوى، أن ترهق نفسها وتفكر كيف تعالج مشاكل المرأة والطفل، بعيدا عن "أرجوك يا محلب بيه انقذنا من الفيلم الوحش دا.. اللى بيزود التحرش، وبيقدم صورة مبتذلة للمرأة " ياى ياى يا محلب بيه ؟، ياسيدتى التحرش موجود من قبل عرض "حلاوة روح" والانهيار المجتمعى والفساد موجود، والتحرش هو ظاهرة لها أسباب تتعلق بنظام سياسى واقتصادى واجتماعى فاشل من الأساس، والسيدة الفاضلة جزء منه، فكان من الأفضل أن تضعى سياسيات تتعلق بمعالجة هذه الظواهر وإنتاج أفلام توعية، وتوفير فرص عمل للمرأة المعيلة وغيرها بدلاً من اسستهال وتقديم طلب لرئيس الوزراء بمنع عرض الفيلم، وهو القرار الرجعى، غير المدروس، والذى سيعطى الفيلم قيمة أكبر من قيمته الحقيقية، وسيضمه لقائمة أفلام الأزمات، والتى كان بعضها أفلاما تجارية، صار لها سوق وسمعة مثل خمسة باب ودرب الهوى .
ولا أعرف لماذا الإصرار على جعلنا مجتمعا شديد التخلف، يرجع إلى الوراء فى كل شىء فبدلا من أننا كنا وصلنا إلى مرحلة نطالب فيها بالتصنيف العمرى وإلغاء فكرة المنع التى صارت فكرة بائسة لا مغزى لها، يأتينا مجلس الوزراء ليضع نفسه فى موقع الحكم على ما لا سلطة له عليه وليمارس التعدى على كل من الدستور المصرى وعلى الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى قضايا مشابهة (وعلى رئيس مجلس الوزراء مراجعة حكم المحكمة الدستورية فى قضية فيلم المشير والرئيس.. والذى كانت حيثياته التعدى على الدستور، التعدى على دولة القانون والتعدى على أحكام المحكمة الدستورى، أقمنا الدنيا ولم نقعدها حين اعترض وزير إخوانى على قبلة فى فيلم معروض على شاشات مصر للطيران ومطالبته بحذف مشاهد القبلات.. هل تسلل هذا الوزير وعقليته الإخوانية واحتقاره لدولة القانون مرة أخرى إلى الحكومة.