قبيل الإطاحة بالرئيس السابق مرسى وجماعته شاهدنا كثيرين يرفعون صورا لعبدالناصر والسيسى معًا، ويرددون هتافات استوقفنى منها: «عبدالناصر قالها زمان، الإخوان ملهمش أمان»، وبعدها توترت العلاقات بين القاهرة وواشنطن التى راحت تمارس ضغوطًا تتعلق بالتسليح والمعونات وغيرها، فتوجه وفد رفيع المستوى صوب موسكو، الحليف القديم، والتى أبرمت اتفاقيات تعاون مشترك، أهمها تزويد مصر بمنظومة متطورة للدفاع الجوى، وظهر الكاتب المخضرم هيكل لصدارة الأحداث لتكتمل بذلك سلسلة إشارات ربما يُفهم منها أن السيسى حال فوزه بالرئاسة سيكون «نسخة معاصرة» من ناصر، والمثير للدهشة أن أبرز منافسيه حمدين صباحى يرتدى العباءة الناصرية أيضًا، وعززت «غواية المقارنات والمقاربات» عدة قواسم مشتركة، فالرجلان ينتميان للمؤسسة العسكرية ويتمتعان برصيد شعبى هائل واصطف خلفهما ملايين المصريين وأطاحا بالإخوان، لكن عوامل الزمان وملابسات الواقع الدولى والإقليمى غابت عن أذهان البعض، فمثلا خاض ناصر عدة حروب ضد إسرائيل، لكن السيسى سيلتزم بالسلام معها، وكانت علاقات «مصر - ناصر» سيئة مع السعودية، لكنها الآن تقود رباعى دول الخليج لمساندة مصر سياسيًا واقتصاديًا، لدرجة الضغط على واشنطن وسحب سفرائها من قطر التى تلعب دور «السمسار الإقليمى» للمخططات الأمريكية، هناك أيضًا حزمة مصالح مشتركة تربط مصر بأمريكا، ولا يعنى ترميم الجسر القديم بين موسكو والقاهرة الارتماء بأحضان الدب الروسى، لكن الأمر يستهدف إعادة التوازن لعلاقات مصر الدولية على أسس استقلال القرار الوطنى سعيًا لتأسيس «الجمهورية الثانية» وفق حسابات تحكمها المصالح الوطنية وتناغم مواقف مصر وحلفائها الخليجيين بقيادة السعودية ليصبح لهذا التحالف الجديد كلمته المسموعة.
أما على الصعيد الداخلى فهناك حزمة أزمات تنتظر الرئيس المرتقب تبدأ بإعادة الروح للقوى السياسية المتصالحة مع الواقع الجديد، فبينما عصف ناصر بالأحزاب فإن المشهد المصرى يقتضى دعم التعددية وتهيئة مناخ يسمح بتعزيز الأحزاب المدنية وتُفرز كوادر تُسهم مستقبلا بصياغة القرار، وتلتحم أكثر بالواقع لتكون مؤهلة للتداول السلمى للسلطة، ولعلنا بحاجة لمجلدات لمناقشة التحديات التى تحاصر المصريين بدءًا بالوضع الاقتصادى المتدهور واستعادة الأمن فانفلاته يحول دون عودة الاستثمارات والسياحة، ناهيك عن البطالة والفقر الذى تشير التقارير الرسمية لزيادة أعداد الفقراء لنحو %26.3 من الشعب، خلال الفترة من 2012 إلى 2013 وأن نحو نصف سكان الصعيد يفتقدون توفير احتياجاتهم الأساسية، وتصل هذه النسبة للثلث بالمناطق الحضرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة