مع تصاعد التوتر فى شرق أوكرانيا التى تسعى ثلاث مدن رئيسية للانفصال عنها، لتلحق بشبه جزيرة القرم، تشهد الأيام المقبلة تصعيدا فى التوتر بين روسيا والغرب، إثر العقوبات الغربية المفروضة على مسؤولين روس، التى باتت تهدد كبريات الشركات الأمريكية وفى مقدمتها «مورجان ستانلى»، و«إكسون موبيل»، وإمدادات النفط لأوروبا.
ونالت العقوبات الاقتصادية 33 من كبار المسؤولين الروس منذ مارس الماضى، فى أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكرانى «فيكتور يانكوفيتش» فبراير الماضى.
وبينما يتركز الحديث عن تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الروسى، حذر العديد من المحللين والاقتصاديين الغربيين من الضرر الذى يطال الولايات المتحدة وأوروبا جراء استهداف الاستثمارات الروسية لديهم، وكشف سيرجى جلازيف، مستشار الرئيس الروسى لشؤون التكامل الاقتصادى الإقليمى، أنه فى حال فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا سيكون بمثابة «انتحار اقتصادى لأوروبا التى ستتكبد حينها خسائر اقتصادية فادحة قد تصل إلى تريليون يورو».
وأضاف جلازيف فى حديث لقناة «آر تى» الروسية، الأحد الماضى، أن ألمانيا ستتكبد الخسارة الأكبر بواقع 200 مليار يورو، كما ستلحق بأوكرانيا ودول البلطيق خسارة فادحة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تعتمد خيارا آخر وهو «زعزعة المنظومة المالية الأوروبية»، لكن هذا الخيار هو «لعبة جيوسياسية كبرى ترتقى إلى الحرب العالمية».
ويحذر اقتصاديون غربيون من أن مزيدا من العقوبات يمكن أن يتسبب فى عواقب سلبية تمتد إلى أوروبا. ووفقا لنيلس أندرسن، الرئيس التنفيذى لشركة مايرسك الدنماركية للشحن، فإنه إذا شملت العقوبات المزيد من رجال التجارة الدولية فإن روسيا والمناطق المحيطة وحتى أوروبا سوف يتضررون، معربا عن آمال الكثيرين بأن تكون العقوبات معقولة.
فيما تبنت ألمانيا موقفا أكثر تشددا بشأن العقوبات أكثر مما كان يعتقد بعض المراقبين، باعتبارها أقرب الشركاء التجاريين لروسيا، حيث تعمل أكثر من 6 آلاف شركة ألمانية فى روسيا، فإن الهيئة التجارية الرئيسية فى برلين حذرت من فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، واصفة الأمر بأنه سيكون «كارثة حقيقية»، بالتزامن مع تعليق الحكومة الألمانية، الشهر الماضى، عقدا بقيمة 100 مليون يورو، لبناء معسكر تدريب للقوات الروسية.
العمالة الغربية
ووفقا لشبكة NBCNews الأمريكية فإن هناك قلقا متزايدا حول العمالة الغربية، إذ ستصبح وظائف الكثيرين فى خطر حقيقى إذا استمرت العقوبات المفروضة على روسيا أو ذهبت نحو المزيد. وتشير إلى أن شركات مثل بوينج، التى تستخدم التيتانيوم الروسى، أو جنرال إلكتريك، التى تؤجر الطائرات إلى الخطوط الروسية بعدد 54 طائرة، ربما تتراجع أرباحها السنوية جراء فرض العقوبات.
ووفق بيانات غرفة التجارة الأمريكية، قارب حجم التجارة بين روسيا والولايات المتحدة فى 2013 نحو 40 بليون دولار، فيما ارتبطت روسيا والاتحاد الأوروبى بحجم أوسع كثيرا للتجارة، حيث تصدر دول الاتحاد الأوروبى نصف وارداتها لروسيا، وتستورد نصف صادراتها، وسجلت التجارة الروسية - الأوروبية عام 2012 حوالى 123 بليون دولار.
وباعتبار روسيا أكبر منتج للنفط فى العالم، فإن صادراتها من النفط الخام والوقود والمواد الصناعية الأولية لأوروبا والولايات المتحدة تجاوزت الـ 160 مليار دولار، وفقا لصحيفة فايننشيال بوست. ووفقا لتقرير إرنست يانج لعام 2013، فإن كبرى الشركات فى الولايات المتحدة تشكل أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية فى روسيا، وعلى رأسها الشركات العاملة فى مجال التكنولوجيا والخدمات المالية.
عقوبات على المسؤولين وليست اقتصادية عامة
وكشف رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون أنه لا يستبعد توقيع عقوبات على رجال الأعمال الروس، فى تصريحات صحفية له، من بينهم الملياردير رومان إبراموفيتش، الذى يمتلك نادى تشيلسى الإنجليزى وغيره من الاستثمارات داخل المملكة المتحدة، حيث تنحصر العقوبات حتى الآن فى السياسيين الذين لا يسمح لهم، وفق القوانين الروسية، بإبقاء استثمارات فى الخارج.
وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت تدفق قدر كبير من الأموال الروسية داخل الاقتصاد الأمريكى منذ عام 2012، حيث اشترى أثرياء روس عقارات بقيمة مليار دولار داخل الولايات المتحدة. ووفقا لموقع «ذا واير» فطالما تنصب العقوبات على المسؤولين الحكوميين فقط، وليست عقوبات اقتصادية عامة، فإن الأموال الروسية يمكنها مواصلة التدفق داخل الاقتصاد الأمريكى حتى إشعار آخر.
ويقول الموقع الأمريكى إنه بينما سيحرم الأثرياء الروس من ملياراتهم المستثمرة فى العقارات، جنبا إلى جنب مع استثمارات أخرى داخل الولايات المتحدة، فبنفس القدر، فإن أوروبا والولايات المتحدة سوف يتأثران جراء استهداف مصادر روسية مستقلة، وبشكل رئيسى على صعيد النفط والغاز الطبيعى.
معضلة النفط
وتصدر روسيا 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى للاتحاد الأوروبى، يمر الكثير منه فى خطوط الأنابيب التى تمر عبر أوكرانيا. وفيما قد تسفر العقوبات ضد هذا القطاع عن تكلفة روسيا 70 مليار دولار أو ما يقرب من %3 من الناتج المحلى الإجمالى، فإنه من شأنه أن يضر بدول الاتحاد الأوروبى التى تعتمد على شراء %30 من حاجتها للطاقة من جارتها الشرقية. وعلى سبيل المثال، فإن %55 من الطاقة فى اليونان يأتى مباشرة من روسيا.
ولا يقتصر الأمر فقط على أوروبا، لكن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا سيؤثر بشكل مباشر على بعض من أكبر الشركات فى أمريكا، وهى مورجان ستانلى وشيفرون والأكثر ربحا «إكسون موبيل».
وترتبط إكسون موبيل الأمريكية وروسنفت الروسية، وهما من أكبر شركات الطاقة فى العالم، منذ 2011 بمشروع ضخم، يبلغ 500 مليار دولار، للتنقيب عن النفط فى المحيط المتجمد الشمالى. وبالإضافة إلى أن إكسون لا يمكنها فض الشراكة، فإن الولايات المتحدة وأوروبا، سيكونون فى حاجة أكبر للنفط إذا توقفوا عن إمدادات الطاقة الهائلة من روسيا، وسيلقون بالسوق العالمى بأسره فى وضع سيئ، ما من شأنه أن يضع الجميع فى مأزق.
ووفقا لـ«ذا واير» فإن العملاقين شريكان فى واحدة من أكثر العلاقات التجارية منفعة فى تاريخ صناعة النفط. فبالإضافة إلى مشروع المحيط الشمالى، فإن إكسون تنقب فى سيبريا وترتبط الشركتان بمشروع مشترك لاستكشاف النفط فى خليج المكسيك، كما اختارت الشركة الأمريكية نظيرتها الروسية لتحصل على حصة من مشروع لاستخراج الغاز الطبيعى فى ألاسكا.
العقوبات الغربية على روسيا ترتد على الشركات الأمريكية..مسؤول روسى رفيع: أوروبا تنتحر والخسارة لن تقل عن تريليون يورو.. وتهديدات للعمالة الغربية وتوقعات بتراجع حجم التجارة الروسية الأمريكية
الجمعة، 11 أبريل 2014 09:38 ص