واصلت إسرائيل نشر الوثائق السرية حول معاهدة "كامب ديفيد" من بين الـ 70 وثيقة، التى كشف عنها أرشيف تل أبيب مؤخرا، بمناسبة مرور 35 سنة على توقيع معاهدة "كامب ديفيد" التى وقعت فى السادس والعشرين من مارس من العام 1979.
وقالت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، إن الوثائق الجديدة توثق محادثات السلام المباشرة بين إسرائيل ومصر، والتى بدأت بعد زيارة الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات لإسرائيل فى نوفمبر عام 1979، وتضمنت الوثائق محاضر جلسات المباحثات السرية بين الطرفين، وبرقيات ورسائل وتسجيلات لمكالمات، ومحاضر جلسات الحكومة الإسرائيلية وطاقم المفاوضات الإسرائيلى.
كما تضمنت الوثائق السرية التى نشرت لأول مرة أجزاء منها أمس بالصحف العبرية، تسجيلات لمحادثات أعضاء الوفد الإسرائيلى، التى سجلت بخط البروفيسور الإسرائيلى آهارون باراك، الذى شغل فى حينه منصب المستشار القضائى للطاقم الإسرائيلى المفاوض.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن بعض الوثائق من المحادثات، لا يزال يمنع نشرها من الرقابة الإسرائيلية.
وأوضحت هاآرتس، أن بعض الوثائق تظهر الأسباب التى دفعت رئيس الحكومة الإسرائيلية فى حينه مناحم بيجين، إلى الموافقة على إخلاء آخر المستوطنين، بعد أن سبق وصرح بداية، بأن إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من سيناء ليس بالحسبان.
كما كشفت الوثائق كيف نجح الرئيس الأمريكى الأسبق، جيمى كارتر، فى خلق الصداقة والثقة المتبادلة بين السادات وبيجين، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلى حينها موشيه ديان، الذى كان يعارض الإخلاء، صرح لاحقا فى الكنيست، بأنه يفضل السلام بدون شرم الشيخ على شرم الشيخ بدون سلام.
وأوضحت الوثائق إلى دور رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، آرئيل شارون، الذى كان يشغل حينها قائدا عسكريا بالجيش الإسرائيلى فى المفاوضات، صرح حينها بأنه يدعم إخلاء المستوطنات من أجل السلام.
وفى المقابل تشير بعض الوثائق إلى تهرب السياسيين الإسرائيليين من مطلب تجميد البناء فى المستوطنات فى سيناء أثناء المفاوضات، وإلى كيفية التوصل إلى معادلة تسمح للطرفين بالتهرب من قضية "مكانة القدس"، ومستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتشير الوثائق إلى تصريحات شارون فى الثانى من يوليو 1978، فى جلسة سرية مع مسئولين سياسيين إسرائيليين، سبقت لقاء ديان مع نائب الرئيس الأمريكى فى حينه وولتر مونديل، مؤكدة رفض شارون الانسحاب من الضفة الغربية.
وتناولت الوثائق جلسة للجنة الخارجية والأمن بالكنيست فى الخامس والعشرين من يوليو 1978، قدم فيها وزير الدفاع الإسرائيلى حينها عازار فايتسمان، تقريرا عن لقائه بالسادات فى الثالث عشر من يوليو فى النمسا.
ونقلت الوثائق عن فايتسمان قوله: "هناك عدة أمور إنسانية، فأنت تجتمع مع إنسان فى الستين من عمره وهو قائد أمة، سبق وأن هاجمنا وحاربنا، وكان مع النازيين، أنت تجلس مع إنسان كهذا وهو زعيم لـ40 مليون نسمة".
وأضاف فايتسمان: "لا يمكننى أن أتحرر من حقيقة أنه العربى الأول الذى يقوم بخطوة مجنونة كهذه، من وجهة نظرنا، أعترف أن جزءا من أصدقائى، الذين يعملون فى مجال الأمن منذ سن 18 عاما، لم يتوقعوا أن يروا عربيا يعترف بنا، لقد نشأت فى هذه الأجواء، ولم أتوقف عن التخوف منها، وها أنا أجلس مع أحدهم سبعة أشهر، ولا أعرف كيف سيحكم التاريخ على ذلك".
وتابع فايتسمان: "عندما دخلت إلى غرفته، لم أره متأثرا بهذه الدرجة، جذبنى نحوه وقبلنى مرتين، لقد فوجئت، وقلت له: أنت تبدو فى حالة جيدة ووزنك مرتفع، وعندها قال: سينزل الوزن فى رمضان، واستمر الحديث بيننا قرابة ثلاث ساعات ونصف، وبعدها تحدثت مع زوجته مدة نصف ساعة"، وأضافت الوثائق أن فايتسمان نفى الادعاءات بشأن تقبيله لجيهان السادات.
وفى محادثة جرت فى السابع عشر من يوليو 1978 بين ديان ونظيره الأمريكى سايروس فانس، سئل الأول عن الحدود المستقبلية لإسرائيل، فادعى ديان أنه لا يمكن رسم الحدود بين إسرائيل وجيرانها، قائلا: "برأيى، كل محاولة لتحديد الخط الحدودى بين دولتين لن تنجح، ولن نستطيع إيجاد هذا الخط، سأكون مسرورا لو استطعنا أن نهدم غزة والتخلص منها، ولكن أين سيكونون عند التقسيم؟ وماذا سيكون فى القدس، التى لا نريد تقسيمها؟ وكيف يمكن فصلها عن بيت لحم؟ لا مناص من العودة إلى فكرة العيش سوية، حاولت العثور على خط حدودى.. ولكن خطا كهذا لم يكون مقبولا على العرب.. والآن علينا أن نعيش سويا وألا نحدد خطا حدوديا".
وفى جلسة وزارة الخارجية، فى 31 من أغسطس من عام 1978، تطرق ديان إلى العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، قائلا: "لا أعتقد أننا نتسبب بسوء للعرب كجمهور، كم قتلنا من العرب؟ هناك حالات غير عادية، تذكروا حالات معكوسة فى فترة الأحداث كان اليهودى لا يخرج من البلدة العتيقة بدون طعنة سكين فى ظهره".
واستطرد ديان: "بشكل عام، الجمهور الفلسطينى هو جمهور مثقف، وبشكل عام فالعرب نشيطون بما فى ذلك البدو، شعب نشيط يتقن العمل، وهناك أمور لا يستطيعون القيام بها بدوننا، ولكنهم أولا يعرفون الأمور الأساسية بأنفسهم، وخلال فترة قصيرة أدركوا المسألة".
فيما أشارت الوثائق التى تعود إلى جلسة الحكومة الإسرائيلية فى سبتمبر من عام 1978، إلى تخوف بيجين من أن يكون الحديث عن دولة فلسطينية، بناء على وثيقة مصرية قدمت.
وأوضح بيجين أنه لا حاجة لمناقشة الوثيقة المصرية التى وصفها بـ"الأكثر تطرفا"، ولاحقا وصفها بأنها "وصفة للقضاء على إسرائيل"، وفى المقابل، تشير إلى عدم ثقة السادات، وادعائه أنه لن يوقع على اتفاقية إذا لم تحل قضية المستوطنات فى سيناء.
وتوثق المحاضر أيضا الخلافات بين أعضاء الوفد الإسرائيلى، حيث ادعى ديان أن بيجين يحاول فرض رأيه، وفى النهاية يجمع الجميع على أن يتحمل بيجين كافة المسئولية، طالبا من فايتسمان أن يدافع عنه من جئولا كوهين.
ولفتت وثيقة أخرى إلى قول كارتر لبيجين فى العاشر من سبتمبر 1978، والذى جاء فيه: "مبدئيا، بودى أن أقول أنه لا تهمنى المشاكل الأساسية، ما عدا الأمن، لا أكترث لـ 1000 مستوطنة فى سيناء أو 100 ألف مستوطن فى الضفة الغربية، ولا أكترث إذا أعدتم الأرض للأردن، أو اتفقتم مع الأردن، ليس لدى موقف مخالف لما تتفقون عليه مع الأردن ومصر، هدفنا الوحيد هو توحيد أفكار متناقضة".
وبعد يومين، تشير الوثائق إلى قول فايتسمان بأنه إذا كان المستوطنات فى سيناء تحول دون توقيع اتفاق مع مصر فإنه مع السلام، ويجب أن تزول المستوطنات، قائلا: "إذا استطعت أن أصل اليوم إلى اتفاق سلام مع المصريين على أن تبقى القدس موحدة، والحدود مفتوحة، وعلاقات دبلوماسية، وشرم الشيخ مفتوحة، فأنا على استعداد للوصول إلى أبواب رفح وأقول لهم غادروا المنطقة".
وفى النهاية، وفى أجواء احتفالية فى البيت الأبيض، وقع كارتر وبيجين والسادات على "كامب ديفيد"، وبعد أسبوعين عرض بيجين الاتفاق على الحكومة الإسرائيلية، وشدد على أنه حارب من أجل إبقاء المستوطنات فى سيناء، ولكنه توصل إلى نتيجة أن الاتفاق أفضل من إبقاء المستوطنين.
وأشارت الوثائق إلى تصريح لبيجين فى الثانى عشر من مارس 1979، قبل توقيع الاتفاق بأسبوعين، قال فيه: "من الناحية الفلسطينية، سيأتى يوم وسيدعى ذلك دولة فلسطينية، أما نحن فهل سنغمض أعيننا كى لا نرى؟".
إسرائيل تواصل نشر وثائقها السرية حول "كامب ديفيد".. وثيقة تكشف أسباب تخلى "بيجين" عن مستوطنات سيناء.. وجهود "كارتر" لخلق ثقة بين السادات وتل أبيب.. وموشيه ديان يفضل "السلام بدون شرم الشيخ"
السبت، 29 مارس 2014 11:42 ص