الخبيرة النفسية راندة حسين تكتب: "أبو العروسة"

لا شك أن أجمل لحظة فى حياة أى أب هى يوم زفاف ابنته, مع ذلك تنتابه مشاعر فرحة تمتزج بقلق, دموع, سعادة, حزن, ترقب, خوف من المستقبل, مشاعر تختلط فيها الابتسامة بالدمعة, الفرح بالحزن, فى اللحظة التى يسلم فيها الأب الابنة العروس لزوجها, يمر أمام عينيه شريط طويل ملىء بالذكريات، بداية من يوم مولدها, مروراً بمراحل الطفولة والمراهقة والصبا, الحضانة, المدرسة والجامعة حتى أصبحت عروساً جميلة أودعها أمانة وسلمها بنفسه ليد عريسها لتكمل معه مشوار حياتها.

إن أمنية كل أب أن يرى ابنته عروساً, فى الوقت نفسه تنتابه مشاعر الاضطراب والقلق تجاهها, فهو كأب يوفر لها الحماية, الرعاية, الحنان والاحتواء, يأمل أن يكمل زوجها هذا الدور فيكون الحبيب, الصديق, والأب، إلى جانب دوره كزوج, ولا يطمئن إلا بعد أن تثبت له الأيام أنه سيسعدها, يوفر لها الأمان, يحافظ عليها ويصونها.

العلاقة الخاصة التى تربط الأب بابنته تعتمد فى الأساس على طبيعة العلاقة بين الأب وأمه, فالأب الذى كان ينعم بعلاقة إيجابية مع أمه, تعامله مع ابنته سيتسم بمشاعر مليئة بالحنان والحب والرعاية, مما يزيد من تعلقه بها, فاللحظة التى تنفصل ابنته عنه تنتابه مخاوف من فراقها والبعد عنها, خاصة إذا كانت تمثل له صورة الأم، ولم يجدها فى زوجته, بينما الأب الذى يعانى من اضطراب فى العلاقة بينه وبين أمه سيؤثر ذلك على علاقته بابنته, سيشعر بأنها عبء عليه, يفرح بزواجها, لأنه يلقى عن كاهله مسئوليته تجاهها, فتتميز علاقته بها بنوع من الأنانية, نتيجة حرمانه من مشاعر الحب والود التى لم تقدمها له الأم.

بقدر السعادة التى يعيشها الأب, إلا أن إحساسه بالفراغ الذى ستتركه الابنة بعد زواجها يجعله يشعر بحزن, فى الوقت نفسه يشعر بأن بزواج ابنته انضم للعائلة ابن جديد, وعن قريب سيرزق بأحفاد يفتحوا له طريق السعادة, يملئون حياته بالفرح والأمل.

الأب فى هذا اليوم يكون قليل الكلام تعبيراً عن مشاعره وحزنه لفراق ابنته, الطفلة الصغيرة التى احتضنها ورباها ورعاها, وظل سنوات طويلة مرتبطا بها, استمد منها الحنان والحب, فى الوقت نفسه يؤمن أن الزواج هو سنة الحياة, بزواجها انتهت مرحلة من حياته, أدى رسالته ومسئوليته تجاهها, سلمها إلى زوج يرعاها ويكمل معها حياتها, سعادة ابنته وفرحتها فى هذا اليوم تجعله يشعر هو أيضاً بالفرحة والراحة النفسية، لأنه أوصلها لبر الأمان وحقق لها ما تتمناه.