لا تتعجل عزيزى القارىء المحترم بالحكم السريع على عنوان المقال المتشائم، فأنا لست من هواة التشاؤم ولا من الداعين إليه، بل إننى أدعو دائما لكل إشراقة أمل وتفاؤل، وهنا من حقك أن تسألنى بماذا تفسر معنى هذه البداية المتشائمة؟
أدعوك أولا أن تمعن الفكر فى مقولة مهمة جدا من وجهة نظرى، وهى أنك عندما تشاور شخص ما فى أمر مهم بالنسبة لك، فعليك أن تشاور الشجاع كما يجب عليك أن تشاور الجبان، وبغض النظر عن كمية الاستهجان والتعجب فى عينيك اسمح لى أوضح مقصدى (فإنك إن شاورت الشجاع منحك الدفعة للأمام، فهو يتمتع بالشجاعة، والإقدام وحب المغامرة، وهذه أمور أنت فى حاجة إليها لتنمحك قوة التنفيذ.
وإن أنت شاورت الجبان فإنه وبطبيعة الحال سوف يحدثك عن كمية المخاطر التى سوف تواجهك، فهو فى مجمل حديثه يظهر لك نقاط ضعفك، ففى هذه الحالة سوف تأخذ من الشجاع الدفعة والإقدام، وسوف تستفيد من كلام الجبان تحصين مناطق ضعفك.
قد تسألنى عزيزى القارىء لماذا أوردت مثل هذه المقولة؟، وهنا أجيبك بكل صراحة أننى وبرغم تفاؤلى وحلمى بغد مشرق وعلمى بأن مصر (محروسة) بفضل الله إلا أننى بدأت أبحث أيضا فى نقاط الضعف، فهى مناطق الخطورة التى قد يستفيد بها عدوك من حيث لا تدرى (فمعظم النار من مستصغر الشرر)، وإنه من الممكن أيضا أن (تموت الأفاعى من سموم العقارب) برغم الفارق الكمى والكيفى بينهما.
واسمح لى عزيزى القارىء أن أورد لك مثالين فى غاية الأهمية كانا سببين كافيين لأن اكتب مثل هذا العنوان الدال على التشاؤم.
فالمثال الأول يتعلق بتلك الهجمة الشرسة من المطالب الفئوية فى تلك المرحلة الخطيرة من عمر الوطن، فلن أطيل عليك بوصف تلك الهجمة، ومسبباتها، فقد كتب غيرى الكثير فيها فأفاض، ولكن اسمح لى أن أضع يدى على بعض ما يحدث، فقد بدأت تلك المظاهرات للمطالبة (بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية)، فكانت ثورة يناير بلورة لاحتياج المواطن لتلك المتطلبات المشروعة ثم زادت حدة تلك المظاهرات الفئوية بسبب سوء التعاطى معها فى عهد حكومة الدكتور (عصام شرف) فقد ابتدعوا التعامل (بالقطاعى) ففطن المواطن لهم.. (أنك إذا أردت أن تأخذ حقك فلا طريق أمامك سوى تعطيل الإنتاج، وعمل مظاهرة فلم يتحرك أحد (لوأد) المطالب فى مهدها، وبحث على الطبيعة ما هو الأهم ثم المهم وعمل الجداول الزمنية المناسبة مع توفير صورة محترمة للعدالة الاجتماعية عن طريق مساواة الجميع حتى لو فى (الظلم)، وليس الاستجابة للبعض فقط، وهنا تسألنى عزيزى القارىء، إذن ما الجديد فى ذلك؟ أقول لك إن الجديد فى المظاهرات الفئوية هذه الأيام صارت (مسيًسة)، وبدأت تيارات بعينها تستغل تلك المظاهرات والمطالبات الفئوية لصالح أهدافها المريضة، وهنا وجب على الحكومة التدخل وعلى عجل لاحتواء تلك المظاهرات فى مهدها عن طريق المكاشفة والنزول من الأبراج العاجية إلى أرض الواقع مع العمال كما يصنع الآن السيد (رئيس مجلس الوزراء) وإعطاء قرارات فورية فى الأمور ذات الطابع العاجل مع توضيح خطورة المرحلة مع أهمية أن يحس الجميع بالمساواة.
أما المثال الآخر فهو الخاص بالملف الأمنى، فلا ينكر أكثر الناس جحودا الدور الفعال الذى قامت به وزارة الداخلية فى تضميد جراح الوطن من خلال السيطرة على البلطجية، وحفظ الأمن، وهو مطلب أساسى كما لا ينكر أحد مدى التضحيات التى يقدمها عناصر الوزارة من ضباط وأفراد، ويتذكر الجميع أن هجمة البعض على الداخلية، ومحاولة إسقاطها كان الهدف منه هو إسقاط الدولة المصرية كما لا ينكر أحد أيضا أنه كانت هناك أخطاء كانت فى الداخلية سارع الجميع لتلافيها، فاتحد الشعب مع شرطته فى 30 يونيه، ولكن فى أيامنا هذه، وبرغم ما تقوم به الوزارة من مجهودات وتضحيات.
إلا أن هناك(القلة) من قليلى الخبرة الأمنية يشوهون الصورة المشرقة لجهاز أمنى جدير بالاحترام، ويعودوا بأفعالهم لتلك الأخطاء القاتلة.
عزيزى القارئ، قد أكون أثقلت عليك بسردى مثالين بسيطين، لكنهما فى غاية الأهمية، فبمثلهما دمرت كيانات كانت شامخة، وتساقطت عروش، فهل نتعظ مما سبق ونحاول أن نمنع رجوع الدولة إلى الخلف.
صالح المسعودى يكتب: انتبه.. الدولة قد ترجع إلى الخلف
الأربعاء، 19 مارس 2014 10:03 ص