عندما يدق هاتفها نحو منتصف الليل، تدرك آنا بيكرز، وهى طبيبة نفسية "29 عاما"، أنه يتم استدعاؤها للمساعدة فى منع وقوع جريمة.
ترأس بيكرز برنامجا يسمى بـــ"لا ترتكب جريمة عنف أو جنس" فى عيادات بادن الخارجية للطب الشرعى فى مدينة كارلسروه بألمانيا.
ويدير البرنامج الذى بدأ فى عام 2010 منظمة خيرية تسمى مبادرة وقاية وعلاج الضحايا "بى آى أو إس-بى دبليو"، فى ولاية بادن فورتمبيرج، جنوبى ألمانيا، والتى تشرف على العديد من العيادات.
ويقوم المعالجون العاملون فى البرنامج حاليا بعلاج 110 رجال لديهم استعدادا فطريا لارتكاب جرائم عنف أو جنس. وينضم للبرنامج الكثير من الأشخاص شهريا. ويقوم هؤلاء الأشخاص بالاشتراك فى البرنامج من تلقاء أنفسهم ويمكنهم تلقى العلاج مع الاحتفاظ بهويتهم مجهولة.
وقال رئيس المنظمة كلاوس مايكل بوهم، وهو قاضى بإحدى محاكم الاستئناف فى كارلسروه ينشط فى مجال حماية الضحايا: "هذا النوع من برامج الوقاية فريد من نوعه فى ألمانيا".
وهناك أيضا برنامج أكثر توجها نحو إجراء البحوث أطلقته مستشفى "شاريت" فى برلين تحت عنوان "لا تصبح جانيا" يقصر نفسه على علاج الرجال الذين ينجذبون جنسيا للأطفال.
وقالت بيكرز: "نحن لا نتعامل فقط مع الجناة المحتملين الذين يمكن أن يلحقوا ضررا بالأطفال، ولكن أيضا مع المغتصبين المحتملين والمجرمين الذين يميلون لاستخدام العنف، بما فى ذلك العنف المنزلى والتعقب والمطاردة.. لقد أقدمنا أيضا على علاج الأشخاص الذين هم عرضة لارتكاب الجرائم والذين رفضتهم مستشفى شاريت، لكنهم من وجهة نظرنا يشكلون خطرا.
وقال هاينز شويرر وهو طبيب نفسى "66 عاما"، ومدير العلاج فى برنامج "بى آى أو إس-بى دبليو": "يتكون العلاج مما يعرف باسم العلاج النفسى الذى يركز على من لديهم ميول لارتكاب جريمة، ويهدف لإعادة الاتزان للمجرم أو للشخص المعرض لارتكاب جريمة حتى الوصول إلى المرحلة التى لا يرتكب فيها جرائم، ويمكنه عندها أن يحيا حياة تتسم بالرضا وبالمسئولية الاجتماعية".
وتبدأ الجلسات العلاجية مع المجرمين المدانين بإعادة تمثيل الجريمة والتطرق للأسباب التى أدت إليها وتفاصيل ما حدث وكيف كان شعور الجانى، وما هى العواقب التى ترتبت على ذلك بالنسبة للضحية والجانى؟.
ويعقب ذلك تدابير للوقاية من حدوث انتكاسة حيث يتم خلالها دراسة المخاطر المستمرة وسبل تفاديها.
ويضيف شويرر: "وفى نهاية المطاف، ننظر فى السمات الشخصية التى لها صلة بالجريمة مثل ضعف التحكم فى النفس وتدنى تقدير الذات".
وفى حين أن الدولة تغطى بشكل عام تكاليف العلاج، فإن برنامج الوقاية هذا يتم تمويله إلى حد كبير من قبل الأعضاء الــ110 بالبرنامج والذين يتلقون العلاج حاليا. كما أن الأموال التى تجمعها المحاكم فى شكل غرامات يتم توجيهها أيضا نحو الإنفاق على المشروع.
وتهدف حاليا إحدى الجامعات فى هايدلبرج لإجراء دراسة حول فعالية هذه البرامج.
وقال ديتر دولينج مدير معهد علم الإجرام التابع للجامعة: "نريد دراسة ما إذا كان هناك تغيرات تحدث فى السمات المتعلقة بعلم الجريمة لدى الأشخاص الخاضعين للاختبار". إحدى هذه السمات، بحسب دولينج، هى مدى القدرة على "التحكم فى النفس وهو الأمر الذى يحول دون أن تقودهم نوازعهم إلى ارتكاب جرائم".
ويقول خبراء إن وجود استعداد فطرى لارتكاب عنف يكون فى كثير من الأحيان نتيجة لوجود لنماذج قدوة تتسم بالقسوة الشديدة.
ويتابع شويرر: "يعتقد كثير من الرجال أنه يتعين عليهم أن يرتقوا للوصول إلى قدر معين من الطابع الذكورى، وهو ما يمثل مشكلة.. نحن (كبشر) نميل إلى أن يتم تربيتنا كأشخاص نرجسيين تمثل لهم مفاهيم تحقيق الذات والقوة والوصول لمكانة معينة رموزا للأشياء الأكثر أهمية".
وأوضح "أن زبائننا يعانون من مشاكل فى مجال المنافسة"، فالرجال الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم غالبا ما يفتقرون إلى التعاطف مع الآخرين أيضا.
وقالت بيكرز: "استقبلنا أشخاصا معرضين لارتكاب جرائم لديهم رغبة فى البحث عن مواد إباحية للأطفال على شبكة الإنترنت.. كثير من الرجال يرفضون أن يفهموا أن هذه الصور لا تأتى ببساطة، وأن أطفالا كان عليهم أن يعانوا من أشياء فظيعة حتى تخرج مثل هذه الصور إلى حيز الوجود".
