ترتفع حدة الغضب ومعها حدة الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن فى محيط ميدان التحرير القريب من وزارة الداخلية ومجلسى الشعب والشورى، فيرى الأمن أنه جدار عازل للفصل بين المنشآت الحيوية والمتظاهرين، فيستقر الجدار الأشهر فى شارع القصر العينى فوقه كلمات كتبت بخطوط مستقيمة وأخرى متعرجة، بعضها انصاع لعوامل التعرية وانمحى، بينما عاند بعضها الوقت وظل ثابتًا، لتتبقى لنا بعض الرسائل حاملة بين حروفها بعضا من رائحة الثورة وأحلام المستقبل وأفكار جيل خلق للجدران "لسان"، وبعد إصدار وزير الداخلية مؤخرًا قرار بإزالة الجدار مازالت بعض هذه الرسائل تحفر مكانها بوضوح فوقه.
فمن ناحية ميدان التحرير تشابكت الرسائل فوق الحجارة التى أعيد رصها مع 25 يناير 2013، بعدما تركها نظام مرسى مهدمة ظنا أن البلاد استقرت لحكمه، فى المنتصف رسمة كبيرة لميزان العدالة المائل وعبارة "العدالة المفقودة"، وعلى الأطراف تتناثر عبارات "يسقط حكم المرشد" و"ارحل" و"يسقط مرسى" و"مصر حرة" و"حدود دولة التحرير الحرة المتحدة".
فيما ظلت المطالبة بالقصاص تصب الغضب فوق الجدار، عبر عنها رسمًا لضابط ممسكا بندقية غليظة مع العبارة الأشهر فى ذكرى اشتباكات محمد محمود "جدع يا باشا" التى كانت سمعت فى فيديو لأحد الضباط وهو يصوب بندقيته ويطلق ذخيرتها على المتظاهرين قبل أن يصل صوت من جانبه "جدع يا باشا جات فى عين الواد"، وإلى جوار الرسم توزعت فى عشوائية رسوم محا مرور الوقت أجزاء منها لعدد من شهداء الثورة وأسماء بعضهم.
ومن اتجاه مبنى مستشفى القصر العينى وأبواب مجلسى الشعب والشورى يتزايد الزحام فى الشارع المغلق فجاءت عبارات واضحة تصرح "افتحوا الشارع" وباللون الأحمر "قاطعين طريقنا"، وإلى جوارها بعض رسائل الثورة "جيلنا من الخوف مبقاش بيخاف"، و"لو حق جيكا مجاش.. متسألوناش"، و"الموت علينا حق"، وعبارة لم يتوقع كاتبها أن تتحقق بهذه السرعة "يسقط حكم الإخوان".
فى المقابل، وجد البعض فى الجدار مجالاً جديدًا لكسب لقمة العيش، مستغلاً إغلاق الشارع وصفوف المحبوسين داخل سياراتهم بالساعات، فبسبب الجدار الذى يغلق شارع القصر العينى، والآخر الذى يغلق شارع الشيخ ريحان، تحولت المنطقة إلى "حارة سد"، لا يدخلها أحد، موفرًا فرصة عظيمة لـ"مصطفى" بتحويلها إلى "أكبر جراج برعاية جدران الثورة".
ويقول "المساحة المقفولة فتحت لى باب رزق ولما الجدار هيتشال هرجع للرصيف اللى كنت بركن فيه، ومش هقدر استغل كل المساحة دى لكن هنعمل إيه".
وفى الجانب الآخر لشارع القصر العينى لا مفر من دخول السيارات إلى الشارع قبل الهروب من الجدار عن طريق شارع جانبى ضيق ليتكاثف الزحام، الذى جعل عبد العزيز محمد، بائع مستلزمات السيارات الجائل يقضى أنجح أيامه أمام هذا الجدار رافعا شعار "ساعة الزحمة ما تتعوضش"، ويقول "الساعتين بتوع مرواح الموظفين من 2 لـ 4 هنا ما يتعوضوش، الزبون لو دخل مول مش هيقعد فيه ساعتين زى هنا".
وبتلقائية يعبر عن رؤيته للمستقبل بعد إزالة الجدار "إن شاء الله الزحمة مش هتخلص عشان العربيات اللى بتيجى من الكورنيش على الميدان هتقطع الشارع برضو إن شاء الله، وربك بيكرم".
وبعد ساعات من الوقوف تحت الشمس يأتى دور كوب عصير قصب عم "عبده" الذى يستقر محله للعصير على بعد حوالى ثلث ساعة فى الزحام من فتحة الخروج من الشارع ويقول "السنة ولا السنة ونص اللى قضيناهم مع الجدار كانوا زى الفل علينا".
ويوضح "الشغل قل لما الشارع اتقفل من الناحيتين وماكنتش العربيات بتوصل للمحل، لكن لما اتفتح العملية مشيت أحسن من الأول".
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة