كيف يكون العلم سلفيا وحديثا فى نفس الوقت؟ ثم ما المقصود بكلمة مؤسسى هنا؟ وما علاقة العلم بالأيديولوجية؟ من حق القارئ أن يتعجب من العنوان، أو حتى أن يرفضه، وقد حاولت أن أختصره أو أسهله فلم أستطع وأنا أتابع هذا النقاش – الذى وصل لحد السباب والتشهير – وهو النقاش الذى ثار حول جهاز تفكيك فيروس ""C وقد نبهنى إلى مدى تخلفنا عن مجاراة الأحدث فالأحدث فى تثوير العلم وكسر الأصنام التى وضعوها بديلا عنه، أو حوله، وضعها غير أهله من التجار والمستغلين وأصحاب المال المفترس، برغم أنف الباحثين عن الحقيقة من العلماء المبدعين.
لقد أصبحت كلمة "العلم"، بل ومفهوم "العلم" إشارة إلى أبعد ما يكون عن العلم الحقيقى، بمعنى البحث عن المعرفة، وما ينفع الناس، كما علمنا الإمام الشافعى: "ليس العلم ما حُفظ، العلم ما نفع"، وقياسا يمكن القول أنه "ليس العلم ما ثبت فى المعمل أو نشر فى المجلات، ولكن العلم ما خدم البشر".
للأسف لقد أصبح ما يسمى العلم منظومة مؤسسية من القيم الفوقية التى راحت تتمادى وتتثبت وتتجمد حتى أصبحت "أيديولوجية" صنمية، أكثر تجمدا من أى دين جمّده أصحابه عند مرحلة التصنيم، والعلم إذا وصل إلى هذا الحد من التجميد، فإنه يمارس وصاية سلفية من احتكار المعرفة، وتجاهل حاجات الناس المتطورة الحقيقية، بقدر ما يتجاهل إعادة النظر باستمرار فى حقيقة الوجود البشرى وطبيعة مساره واحتمال انحرافته.
أنا لم أرحب أبدا بطريقة الإعلان عن هذا الكشف العلمى الجيشى الهندسى الطبى الجيد!، علما بأنه ليس فريدا ولا جديدا جدا، حيث ظهر أنه يواكب جهودا موازية جادة تجرى فى أكثر من مكان فى العالم، (وهذا يسمى المصداقية بالاتفاق)، لم أرحب بالطريقة وليس بالمحتوى، فلا الظرف السياسى كان مناسبا، ولا المقام كان مختارا، ولا التوقيت كان ذكيا، ومع كل هذه الأخطاء، فإن الهجوم على الإنجاز نفسه قد أظهر مدى غفلة المهاجمين عن حقيقة ما يجرى فى العالم من تسخير العلم، والإعلام، وآليات السوق لخدمة المال المفترس لا أكثر ولا أقل، لن أكرر مرة أخرى أن أمراضا تُخترع، وأن عقاقير رخيصة يُبالغ فى آثارها الجانبية، وأن أمصالا تسوق، على حساب الفقراء واقتصاد البلاد اللاهثة للإفاقة، ولكن بالرغم من تحفظاتى على توقيت وطريقة الإعلان، إلا أننى شعرت بأن الوقت ربما كان مناسبا لتتوقف وزارة الصحة عن التفاوض على ثمن العقار الجديد المزعوم ضد نفس هذا المرض، تخفيضه من نصف مليون جنيه إلى ما لست أدرى كم (ربما ربع مليون مثلا، أكثر الله خيرهم!! كم ضعف الحد الأدنى للأجور)، والمؤلم أن بعض الناس قد فرحوا، وبعضهم شكر الوزارة، وكأن ما سوف تدفعه وزارة الصحة لبعض المحظوظين الذين سوف ينجحون للحصول على الموافقة على "العلاج على نفقة الدولة" ليس من صلب اقتصاد مصر، أو على حساب مسئوليات وزارة الصحة نحو الأطباء والمرضى والوقاية والأمراض الحقيقية!!
وأخيرا، أتوجه إلى كل من انبرى وينبرى للهجوم على هذه المحاولات الجادة المستقلة فى انتظار موافقة الباب العالى العالمى الذى لا يهمه إلا تسويق منتجاته الملتبسة سواء من الأسلحة أم من الأدوية، أقول أتوجه إليه وهو يتبرأ من تلك الفضيحة المخزية، طالبا منه أن يبذل جهدا مقابلا قد يفيقه من معتقده المغلق: أن العلم ليس إلا ما تسبقـنا إليه إسرائيل وأمريكا أو أن العلم هو فقط ما ينشر فى المجلات العالمية الممولة من الشركات العالمية بالدولار العالمى.
على الذين يتكلمون عن العلم والعالم الوصى على كل شىء وضرورة موافقته على كل ما نحاوله بتلقائية واستقلال فى كل مجال، أن يتابعوا الجارى فى العالم مما يسمى العلم الثورى، والبحث العلمى قليل التكلفة، والعلم المحترم للقوى الفطرية الصحية، والعلم المتسق مع الطبيعة، والعلوم الكموية، والعلوم التركيبية، وعلم الشواش، والعلم المعرفى الحديث، والعلم المعرفى الأحدث، وبعد ذلك يصدرون الأحكام بالتكفير ضد هذه "الهرطقة" أو تلك، التى قد تقيد الفقراء مهما كانت الأخطاء.
وأخيراً، أرجو أن تتاح لى الفرصة أن أقدم للقارئ بعض ملامح من هذا العلم الثورى، وخاصة ما يمكن أن يقوم به الشخص العادى، بديلا عن العلم باهظ التكلفة، ملتبس الأهواء، بدءًا بأعمال عالم البيولوجيا "روبرت شلدريك"، صاحب كتاب "تحرر العلم"، وأيضا "ذاكرة للكون" وغيرهما، وله موقع لمن شاء أن يزوره قبل أن يتمادى فى التكفير والسخرية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
الولاء للخارج