بين الحلم والواقع يستقر فى خط رفيع بدرجة لونية لا تخلو من بريق يعكس مساحة من الأمل والتفاؤل، اللون الأول الذى يقفز فى مخيلتك بمجرد اتخاذ قرار البداية، مساحة خالية تسمح لك برسم ألوانك على اختلاف دراجاتها، ويتيح لك حرية اختيار ما فوقه من أحلام تتماشى جميعها مع صفائه وقدرته على استيعاب باقى الألوان.
فى حياتك يمثل طاقة من الأمل والتفاؤل والصراحة القاطعة التى لا تقبل الدرجات الرمادية، هو لون الأحلام السعيدة، الملابس النظيفة، الذكريات النقية الخالية من الشوائب، يعيد إلى ذاكرتك ابتسامة موقف عشته، أو شخص ما وضعته قدوة لك واخترت الأبيض رمزًا له فى خيالك.
بالنسبة لمصر هو لون اللحظات الحاسمة والقرارات الصائبة والأحداث التى اكتست فيها مصر بلون أبيض واضح لا يحتاج للون آخر لتكميله أو تزيينه، أحداث وشخصيات وقلوب مصرية حملت اللون الأبيض علامة على تاريخ مشرف، ومساحة استقر عليها "النسر" فى علم مصر الذى أعلن منتصفه عن أمل مهما تشابكت الظروف.
أيام بيضاء فى تاريخ مصر..
صفحات بيضاء ونقاط من الضوء ارتدت فيها مصر الأبيض تعبيراً عن ذكرى لن ينساها المصريون، وهى الأيام التى يمكن وصفها بالأيام البيضاء لمصر، بعضها ارتبط بالثورة فى بعض أحداثها التى غيرت وجه مصر، وبعضها الآخر ارتبط بذكريات رفعت فيها مصر اسمها بفخر ورسم فيها الشعب المصرى ملامح من الفرحة حصلت عن جدارة على لقب "أيام بيضا".
مصر الـ18 يومًا..
على الرغم من اختلاط الألوان التى عاشتها الثورة بين لون الدم الأحمر، ومدرعات الأمن المركزى وبدلاتهم التى عكست الجانب الأكثر قتامة من ملامح الثورة الأولى، وغيرها من الألوان التى امتزجت لرسم مشهد اندلاع ثورة الحرية، إلا أن اللون الأبيض ظل مسيطراً على المشهد وخاصة بعد مرور ثلاث سنوات كاملة احتلت فيها الـ "18 يوم ثورة" محل أحلى الذكريات التى تتمنى مصر عودتها.
روح من المحبة والتضحية التى ظهرت بين المصريين فى قلب ميدان واحد رسم مشهد لمصر "البيضاء بتاعة الـ 18 يوم"، اختفت الاختلافات وتوحدت الألوان فى لون واحد وابتسامة صافية بالأبيض، الذى لم يغب حتى عن صور شهداء الثورة، أو من تبقوا لتحقيق باقى أحلامها، وظلت الثورة الأولى هى الذكرى البيضاء الأبرز فى تاريخ مصر.
أيام الاستفتاء والانتخابات بعد الثورة "شغل على ميا بيضا"..
طوابير طويلة من الناخبين اللذين وقفوا بصبر فى انتظار دورهم للإدلاء بصوت قد يغير وجه مصر، أو اختيار أحد الخيارين بين "نعم" و"لا" وقفت بينهما مصر التى شارك أبناؤها فى صنع مستقبلها للمرة الأولى بعد الثورة فى تواريخ الاختيار التى أطلق عليها الجميع "عرس مصر الديمقراطى".
علامة بيضاء صافية حصلت عليها تلك الأيام التى خرجت فيها مصر للتعبير عن الرأى للمرة الأولى بعد سنوات من عتمة فرضها النظام السابق، اختفت تدريجياً تاركة مجال لانسلال الضوء الذى تمثل فى يقظة المصريين فى التحكم بمصائرهم.
مصر كسبت كأس الأمم.. انزل هيص..
3 دورات متتالية حصلت خلالهما مصر على كأس الأمم الأفريقية، وعرفت بفضلهما الشوارع الفرحة الجماعية للمرة الأولى قبل أن تتدهور أحوال "المنتخب" ويخفق فى الحصول على اللقب مرة أخرى، وتتحول هذه الفرحة إلى الاحتفالات الشعبية المرتبطة بالثورة، بداية الانطلاق بعد نهاية الدقيقة الأخيرة فى المباراة، التجمعات الشبابية، والرقص فى الشارع دون حاجة إلى سابق معرفة، وغيرها من مظاهر الفرحة التى أطلقها شعور الفوز، واستجاب لها المصريون بذكريات بيضاء مازالت مشاهدها فى أرشيف الذكريات المصرية الحلوة.
يوم التنحى..
لحظة لن ينساها المصريون اللذين جلسوا يترقبون البيان الذى غيّر مستقبل مصر بالكامل، بعدها انطلقت الاحتفالات الشعبية تهز أرجاء مصر بالكامل، فى مشهد من الفرحة التى أعقبها الكثير من التفاؤل.
لم تكن ليلة التنحى وحدها هى ما يمكن وصفها بالبيضاء، فما أعقبها من أمل وتفاؤل ورغبة فى التغيير هو ما يمكن وصفه بالأكثر بياضاً، حملات تنظيف الشوارع التى اكتظت بها المحافظات، والدعوات الشبابية للتغيير، المبادرات التى انطلقت فى جميع المجالات بأفكار مبتكرة لم تخلو من "طرقعة"، وروح الأمل التى لم يخبو توهجها طوال ما يقرب من عامين كاملين بعد يوم التنحى.
30 يونيو.. مشهد الاحتفالات يعيد البياض للشوارع..
مشهد آخر من الاحتفالات التى حفظ الشعب تفاصيلها عن ظهر قلب، هو مشهد 30 يونيو، والثالث من يوليو بعد أن رحل "مرسى" تاركاً موجة أخرى من الاحتفالات، وروح جديدة من الأمل فى قيادة جديدة، وأيام أفضل حالاً من التى عاشتها مصر فى عهد مرسى بالكثير من الظلام، والذكريات القاتمة..
كريمة مختار.. الشعراوى.. الشريعى ويونس شلبى.. قلوب بيضاء سكنت قلوب المصريين
شخصيات مصرية عاشت بقلب أبيض، لم تعرف يوماً الحقد والحسد، حملت ملامح وجهها الطيبة الممزوجة بالصفاء والسلام النفسي، وعاشوا بذكريات طيبة، وجميلة أضافت إلى ذكرهم مزيداً من الحب..
"كريمة مختار" ماما نونا..
تحمل ملامح وجهها وجه مصر الطيبة الصابرة، صوتها الذى بدأت به مشوارها الفنى عبر أثير الإذاعة فى برنامج للأطفال يعكس نقاؤها وصفاء قلبها الأبيض الذى سيطر على معظم أدوارها السينمائية، وأدوارها الأخرى بعيداً عن الكاميرا كسيدة مصرية أصيلة.
كان أداؤها لدور "ماما نونا" فى مسلسل "يتربى فى عزو"، هو ما قرب إلى الجماهير وجهها الحقيقى كأم طيبة مضحية تنشر الطيبة والحب من حولها فبكى الجميع لمشهد موتها فى الحلقات الأخيرة من المسلسل.
جلال عامر.. قصر الكلام..
خلفية عسكرية وحياة لم تخل من الاحتكاك السياسى بحكم كونه كاتباً صحفياً، وأديباً ساخراً، عبر عن آلام مصر وأوجاعها بكلمات لم تخل من حس فكاهة وضع عليه بصمته الخاصة، تحمل ملامحه وجهاً طيباً عرفته مصر محباً وعاشقاً لترابها، وعكس موقفه من الثورة عشقه لبلده من اليوم الأول، وتحولت عباراته التى أثرى بها روح الفكاهة الثورية إلى جمل يقتبسها عنه الشعب المصرى حتى بعد وفاته.
يونس شلبى.. روح طيبة وخفة دم صافية..
بمجرد أن يبدأ الحديث تنبعث طيبة القلب والفكاهة الصافية دون تكلف من خلف الكلمات التى اعتاد ارتجالها على المسرح، قيل عنه فى الوسط الفنى من أطيب القلوب التى عاصرتها الأوساط الفنية، ضحكة من القلب ووجه لم يختلف كثيراً عن ملامح طفل، عمره حافل بالكثير من الأعمال الفنية والذكريات العطرة بين أصدقائه وجمهوره الذى عشق فيه التلقائية والصفاء سواء على المسرح أو خلف الكاميرا أو بين أهله وأصدقائه ومعارفه بشخصية لم تقبل التلون.
الشيخ الشعرواى.. سماحة الإسلام وصوت عاش فى قلوب المصريين
موعد ثابت بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، هو موعد كل أسرة مصرية مع صوت العالم الجليل "الشيخ الشعراوي"، الذى ارتبط وجهه بسماحة الإسلام، وارتبط صوته بتفسير دلالات القرآن الكريم، صوته الذى استمر فى التوافد على البيوت المصرية حتى بعد وفاته فى الحلقات المعادة، ودموعه الممتزجة بصوت متهدج تحدث به عن "الثائر الحق" الذى تحول بعد فترة لإحدى أيقونات الثورة المصرية التى شارك فيها "الشعرواي" بروحه الصافية.
علاء ولى الدين قلب طيب رحل عن عالمنا..
أنهى ذبح الأضحية فى آخر الأعياد التى شهدها، وزع ما اعتاده من لحوم على الفقراء ورحل فى هدوء عن عالمنا تاركًا بصمة فى قلوب كل من حوله، هى الرواية التى تناقلها أصدقاؤه عن وفاة "علاء ولى الدين" أحد القلوب الطيبة التى دخلت بدون استئذان البيوت المصرية، لم يكن له أحدهم كرهاً ولم يذكره أياً من معارفه سوى بالحب والصدق، وحتى جمهوره الذى مثلت له وفاته صدمة وقتها، لم يحتاج سبباً لحبه أكثر من رؤية ابتسامته والضحك من القلب.
عبلة الكحلاوى.. بياض ناصع من الداخل والخارج..
وجه نورانى الملامح اعتلاه غطاء رأس مخملى أبيض لا يغيب عن وجهها الذى طالما أحاطته هالة من السماحة والهدوء انعكسا على أحاديثها عن الرحمة والمغفرة، والحب والسلام.
بدأت حياتها بالدراسة بجامعة الأزهر، ثم استكملت مسيرتها بالدعوة لوجه الله، استوعبت السائلين وفتحت قلبها للراغب فى الشكوى، وفتحت باباً من الخير بجمعية "الباقيات الصالحات" لرعاية الأيتام والمسنين ومرضى السرطان وغيرها من الأعمال الخيرية.
عمار الشريعى.. بصيرة بيضاء رسمت فن من نوع خاص..
لم يرى يوماً تعبيرات الحب فى أعين من نظروا إليه بعيون محبة وربما عاشقة لفنه وطيبة قلبه التى عبرت عنها ألحانه وخفة ظله وحضوره الطاغى، اكتفى بالسمع والتركيز والإحساس المرهف حواساً اعتمد عليها فى الخروج بألحان باقية رغم رحيله.
بين من يعرفه هو أب حنون وقلب صافى بشهادة الجميع، مع الثورة كان له ميلاداً جديداً كصحوة لم تخبو سوى بنومه فى سلام بعيداً عن تصاعد الأحداث، مشاركات موسيقية لا تنتهى وألحان لمست قلب مصر اختتمها الشريعى بالمشاركة فى ثورة الشباب التى بكى من أجلها فبكت من أجله بعد رحيله عن عالمنا بعد سنة ونصف من اندلاعها.
إلى محبى اللون الأبيض.. أنت زى الفل..
"شخصية واضحة وصريحة، نقية ومتفائلة"، هكذا وصفت الدكتورة "هالة حماد" أستاذ الطب النفسى الشخصية التى تفضل اللون الأبيض، كما وصفت دلالاته عند المصريين بأنه "يعبر دائماً عن التفاؤل والأمل والذكريات السعيدة، لذا تتسم الشخصية التى تفضل اختيار اللون الأبيض بالأمل والتفاؤل مما يساعدها على تحمل الظروف أكثر من غيرها، كما يعبر الأبيض عن الطهارة والرقة، فهو لون فستان ليلة العمر، ولون ملابس الحجاج.
تضيف "الشخصية التى تفضل اللون الأبيض، تميل إلى المثالية، تحب النظافة والدقة، وتتجنب الوقوع فى الأخطاء، ويعكس الأبيض حبها للانطلاق، وهو من الألوان المحددة التى تضع لصاحبها رأياً ثابتاً وقاطعاً فى معظم الأحيان، وعلى عكس اللون الأسود الذى يسمح بالتخفى وراءه فمحبى اللون الأبيض شخصيات شفافة ليس لديها ما تخفيه، فهم على استعداد للاعتراف بعيوبهم دون خجل، كما أنها شخصيات تتمتع بثقة كبيرة فى النفس وفى قدرتها على حل المشاكل وتستمد من لونها القدرة على إبقاء الأبيض ناصعًا، وهو ما يدل على قدرتهم على تحمل الظروف الصعبة والتحكم فى الأمور بحكمة.
علم مصر فى النص "أبيض" عن مصر الحب والسلام..
ثلاثة ألوان اختارتها الثورة المصرية الأولى عام 1952، حملت ما وضعه جنود الوطن على صدورهم، فجاءت ألوانه معبرة عن تاريخ مصر من عصور الملكية والاستعباد إلى عصور الحرية الجديدة، توسطه الأبيض الذى يرمز إلى السلام والازدهار والحب والتفاؤل بين لونين أحدهما أشار إلى ذكرى الاستعمار السوداء والآخر أشار إلى دم الشهداء الذين رحلوا فداء للوطن بينما استقر الأبيض فى منتصف العلم تعبيراً عن سلام طالما حلمت به مصر.
ومن بين باقى الألوان التى عرفها العلم على مر التاريخ بداية من الحكم العثمانى وحتى اليوم، ظل الأبيض مستقراً فى العلم وطالما كان موجوداً رغم تغير شكل العلم مع كل فترة سياسية عاشتها مصر، بداية من المستطيل الأحمر والهلال والنجمة السباعية فى المنتصف واللذان حملا اللون الأبيض، وصولاً إلى العلم الحالى ذى النسر فى المنتصف والذى يعبر عن العزة والكرامة.
"فيها حاجة بيضا"..
دائماً ما تجده حولك، يجب أن يمتزج مع غيره من الألوان أياً كانت المناسبة، منذ الولادة يصاحبك اللون الأبيض مع اللفة الأولى التى تحيطك بالبياض تعبيراً عن الفرحة بالمولود، يظل معك طوال طفولتك، وفى المدرسة التى يحتوى زيها على الأبيض مهما اختلف ما فوقه من ألوان.
هو لون فستان ليلة العمر والفرحة الأولى، لبس الإحرام الذى تزور به بيت الله، بالطو الطبيب الذى تزوره مضطراً فى بعض الأحيان، وزى الشرطة فى الصيف، واللون المصاحب لشيخ الجامع وذكرياتك عن صلاة الجمعة، ولون زى الرهبان فى فصل الصيف.
"فانلة الزمالك" التى يجب أن تحمل لقلبك مشاعر سواء بالحب إذا كنت زملكاوى صميم، أو الغيظ والشماتة أحياناً فى حالة انتماءك لعائلة "الأهلاوية"، التاكسى الأبيض "أبو عداد" الذى يتفنن فى مسح جيبك، الورق الأبيض الذى يمثل البداية الجديدة، اسكتشات الرسم الخالية التى تنتظر اللون الأول لكسر حدة بريقها، النور الذى يضئ لك ما سيطر عليه الظلام، ولون "الثورة" و"الكفن" الذى استقر به شهدائها ليرحلوا إلى عالم أكثر بياضاً.
صباح الفل.. نهارك أبيض.. أبيض يا ورد.. مصطلحات "بيضا" فى حياتنا..
صباح الفل، نهاره أبيض.. مصطلحات مصرية تبدأ بها يومك الذى لا يخلو من مصطلحات يدخل فيها اللون الأبيض تعبيرًا عن مشاعر مصرية بعضها تتمنى الحب، وتدعو بالسعادة، وبعضها الآخر لا يخلو من سخرية فى بعض الأحيان.
"نهارك أبيض، صباحك فل، ربنا يجعلها سنة بيضا، وغيرها من الدعوات هى ما تتمنى السعادة لمن يلقيها"، بينما دخلت مؤخراً كلمة "صباح الفل" كسخرية أو تعبير عن الاعتراض بشكل احتفظ بفهمه المصريون وحدهم، إلى جانب باقى تعبيرات السخرية مثل "قلبك أبيض" بمعنى "كبر دماغك"، "أبيض يا ورد" بمعنى جاهل، أما "صفحته بيضا" أو "سيرته بيضا" فهى تعبر عن أصحاب السمعة الطيبة، "جيبى أبيض"، مصطلح يعبر عن الإفلاس التام، و"دمه أبيض" بمعنى "السماجة" أو "ثقل الظل"، وأخيراً "ليلتك بيضا" أو "ليلتك فل" تقال فى ليلة الحنة أو الفرح.
اللون الأبيض.. رمز للحلم والأمل والتفاؤل عند المصريين
الإثنين، 24 فبراير 2014 11:33 ص
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة