عطر الاحباب.. أفلام لها تاريخ.. 103 أعوام على ميلاد «صاحب نوبل».. «القاهرة 30».. أكثر أفلام نجيب محفوظ إدانة للعهد الملكى!.. صلاح أبوسيف يغامر بمنح البطولة إلى ثلاثة وجوه جديدة فيحققون نجاحاً باهراً

الجمعة، 12 ديسمبر 2014 02:51 م
عطر الاحباب.. أفلام لها تاريخ.. 103 أعوام على ميلاد «صاحب نوبل».. «القاهرة 30».. أكثر أفلام نجيب محفوظ إدانة للعهد الملكى!.. صلاح أبوسيف يغامر بمنح البطولة إلى ثلاثة وجوه جديدة فيحققون نجاحاً باهراً الكاتب الكبير نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أجمل ما فى نجيب محفوظ أننا كلما أعدنا قراءة رواياته اكتشفنا فيها جديدًا لافتًا متميزًا، وأننا كلما شاهدنا الأفلام المأخوذة عن هذه الروايات بهرتنا قدرات الرجل على البوح والإبحار، خاصة إذا حقق تلك الأفلام مخرجون متفردون بقامة صلاح أبوسيف، وكمال الشيخ.

أمس 11 ديسمبر احتفلنا بمرور 103 أعوام على ميلاد صاحب الثلاثية، واليوم نتحدث عن واحد من أهم الأفلام المأخوذة عن رواية بالغة القسوة كتبها الرجل ونشرها فى سنة 1945.
فضيحة فى القاهرة

أما الفيلم فهو «القاهرة 30»، أما الرواية فهى «القاهرة الجديدة»، ولعل كثيرًا من الناس لا يعرفون أن هذه الرواية صدرت فى طبعتها الأولى باسم «فضيحة فى القاهرة»، لكن نجيب محفوظ استبدل بهذا الاسم العنوان الجديد وهو «القاهرة الجديدة»، ثم جاء صلاح أبوسيف ليضيف بصمته عندما قدمها للسينما فغير الاسم إلى «القاهرة 30».



هناك بعض الاختلافات بين الفيلم والنص الأصلى، لكنى لن أتحدث هنا عن هذه الاختلافات، إذ سنخصص كلامنا اليوم عن الفيلم بوصفه أحد كنوز السينما المصرية، والذى مازال يحظى بإعجاب كبير كلما عرض فى إحدى القنوات الفضائية.

فى 31 أكتوبر من سنة 966، ذهب الناس إلى دور السينما لمشاهدة فيلم «القاهرة 30» للمرة الأولى، أى قبل هزيمة يونيو بنحو سبعة أشهر فقط، حيث بات الشعب فى ذلك الوقت غارقًا فى أحلام وردية عن الحرية والعدل والعروبة، وكانت معظم هذه الأحلام تتفق مع الواقع إلى حد كبير، فقد ظفر المصريون بنعمة التعليم المجانى، وأسسوا صناعة وطنية لا بأس بها، بعد أن طردوا الاحتلال الإنجليزى والملك فاروق، وصار يحكم مصر رجل مصرى للمرة الأولى منذ ألفى عام، رجل فتنت به الملايين وكادوا يقدسونه، هؤلاء الملايين الذين بلغ عددهم نحو ثلاثين مليون نسمة آنذاك.

كذلك شاهد المصريون 38 فيلمًا جديدًا فى ذلك العام، من أهمها بترتيب زمن العرض «صغيرة على الحب/ خان الخليلى/ فارس بنى حمدان/ عدو المرأة/ ليلة الزفاف/ ثورة اليمن/ جناب السفير/ الزوج العازب/ 30 يوم فى السجن/ سيد درويش»، وأظنك لاحظت التنوع فى هذه الأفلام، فتوجد أفلام كوميدية وسياسية ورومانسية وأفلام السيرة، الأمر الذى يشير إلى أن السينما المصرية كانت فى ذلك الوقت قد حققت قفزات نوعية على مستوى الصناعة والفن، الأمر الذى دفع صناع الأفلام إلى الابتكار والتنوع فى الموضوعات التى يتناولونها، كما لاحظت أن هناك رواية أخرى لنجيب محفوظ تمت صياغتها سينمائيًا فى سنة 1966على يد المخرج عاطف سالم، وهى «خان الخليلى».



قسوة بلا حدود

إذا تأملت شخص نجيب محفوظ أو حظيت بنعمة الجلوس إليه ستكتشف بسهولة أنه رجل بسيط طيب القلب، ومع ذلك حين تطالع رواياته أو تشاهد الأفلام المأخوذة عن هذه الروايات سيعتريك الذهول من حجم القسوة والعنف والغضب الذى يعترى تلك الأعمال، وفى فيلمنا «القاهرة 30» تتبدى القسوة بأبشع صورها، فالشاب المعدم حمدى أحمد «محجوب عبدالدايم» يوافق على أن يتزوج من فتاة فقيرة «سعاد حسنى» يعلم جيدًا أنها عشيقة للبك الكبير، نظير حصوله على وظيفة حكومية وشقة فاخرة، والأنكى من ذلك أنه يقبل أن يمر البك الكبير وكيل الوزارة «أحمد مظهر» على سريره كل يوم سبت!

لا أظن أن هناك عملًا دراميًا احتشد بكل هذه القسوة والمذلة فى تاريخ السينما، فأن يوافق زوج على أن تصبح زوجته عشيقة لرجل آخر، ويترك له المنزل كلما أراد الاختلاء بالزوجة، أمر موجع لم نشاهده فى دنيا الدراما، والأعجب أن الأب شحاتة –لاحظ الاسم– الذى تقمص دوره باقتدار «توفيق الدقن» من العينة الزوج نفسها، فهو يحرض ابنته على الانصياع أمام البك، وكعادة «نجيب» فالابنة اسمها إحسان، والاسم دال ومعبر.

فى مشهد بالغ الغرابة والانسحاق نرى حمدى أحمد عائدًا إلى بيته منزعجًا ومتوترًا لأن الملك سيغير الوزارة، وبالتالى يصبح منصب وكيل الوزارة أحمد مظهر معرضًا للخطر مع الوزارة الجديدة، ومن الممكن أن ينقلوه إلى مكان قصىّ، وتحاول زوجته «سعاد» أن تخفف من قلقه وتطمئنه أنها سترافقه إلى أى مكان، لكن الأب النذل يعلن بغرور أجوف أن ابنته لن تسافر، وفجأة يرن الهاتف لنكتشف أن وكيل الوزارة صار وزيرًا.



هنا نشاهد أكثر المشاهد السينمائية جمالًا وعذابًا، فالزوجة تخبر زوجها وأباها أن البك صار وزيرًا وأنه سيأتى الليلة، وأنها ستجعل البك يضع «الدرجة الحكومية» التى يحلم بها «محجوب» تحت المخدة! على الفور يحث الزوج والأب سعاد حسنى على التزين والاستعداد للقاء البك!
حسب علمى لم تقدم السينما المصرية مشهدًا يحتشد بكل هذه الخسة.. الجميلة فنيًا!

جامعة القاهرة

بذكاء شديد تنزل مقدمة الفيلم على صور متباينة لجامعة القاهرة، وكأن صلاح أبوسيف يريد أن يؤكد لنا أن مستقبل هذه الأمة فى التعليم، ثم من خلال حوار قصيرة وذكى كتبه لطفى الخولى نتعرف على ثلاثة نماذج من الطلاب.. الثورى والانتهازى واللامبالى صاحب مقولة «طز»!

أعلم جيدًا أنك شاهدت الفيلم غير مرة، لذا لن أنهب المساحة المحدودة فى سرد حكايته المؤلمة، وسأكتفى بتذكيرك ببعض المشاهد الفاتنة التى تؤكد أن الذين كتبوا السيناريو أناس مشهود لهم بالبراعة، وهم المخرج نفسه، وعلى الزرقانى، ووفية خيرى، كذلك فؤاد الظاهرى الذى وضع الموسيقى التصويرية، وبالمناسبة الفيلم من إنتاج شركة القاهرة للسينما، وهى شركة حكومية.




من أجمل مناطق الفيلم ذلك المشهد الذى يغوى فيه أحمد مظهر سعاد حسنى بالملابس الجديدة والشيكولاتة المغموسة فى الخمر، حيث بدت الفتاة الفقيرة غير مصدقة لما ترتديه، كما لا يمكن أن ننسى مشهد عقد القران الذى ينبثق فيه من خلف وجه حمدى أحمد «قرنان» فى إشارة شعبية إلى أنه مجرد زوج وليس رجلًا يصون زوجته وعفتها!

أما مشهد انفرادهما عقب عقد القران فقد ساده صمت ثقيل، وذهب حمدى أحمد إلى «البلكون» يدخن، بينما صوت عبدالوهاب يصدح فى الخلفية بأغنيته الفاتنة «القلب ياما انتظر»، وقد استمرت الأغنية نحو ثلاث دقائق بصوت واضح وقوى دون كلمة من الممثلين، ولما سألت المرحوم صلاح أبوسيف فى لقاء عابر عن السر فى ذلك أخبرنى: «إن الموقف مخز لكل منهما، وبالتالى الصمت هو الأفضل، فملأت الفراغ بهذه الأغنية البديعة لعبدالوهاب لأنها معبرة عن أجواء المشهد بشكل ما ولأننى أحبها».

المواهب الجديدة

رغم أن أحمد مظهر كان نجمًا لامعًا فى زمن عرض الفيلم، فإن صلاح أبوسيف استعان به فى دور صغير، واكتفى بأن يكتب اسمه مسبوقًا بلقب «ضيف الشرف» بعد سعاد حسنى مباشرة، حيث غامر المخرج ومنح البطولة لوجوه جديدة تمامًا على الشاشة، ووصفهم فى المقدمة بأنهم مواهب جديدة، وهم حمدى أحمد، وعبدالعزيز مكيوى، وأحمد توفيق، وبصراحة، الحق كان معه، فقد حقق هؤلاء الثلاثة حضورًا بهيًا فى أول إطلالة لهم على الجمهور، وإن كان أحمد توفيق قد ظهر فى مشاهد صغيرة قبل ذلك فى فيلم «لا وقت للحب» لصلاح أبوسيف أيضًا.




لقد نجح المخرج فى تسديد ضربات قاضية للعهد الملكى، فالفيلم يحتشد بمشاهد وحوارات تكشف كيف كان باشوات زمان ينهبون خيرات البلاد، ويغرقون فى فساد مذموم، بينما الملايين من الشعب يكابد فقرًا مدقعًا، لدرجة أن الطالب المنكوب محجوب عبدالدايم يشكو قلة حيلته، ويردد خاطره بأسى: «وكتاب اللاتينى يا ابن أم سالم»، وذلك عندما لم يجد ثمن كتاب فى اللغة اللاتينية هو فى أمسّ الحاجة إليه، و«ابن أم سالم» هذا هو سالم الأخشيدى «أحمد توفيق» الذى جاء من القرية نفسها التى ولد بها «محجوب»، لكنه استطاع اقتحام القاهرة، والحصول على وظيفة مرموقة!

يبقى أن نشير إلى أن «القاهرة 30» يعد أول فيلم مصرى يعتمد بصورة رئيسية على فكرة الحوار الداخلى للبطل طوال زمن العرض، وقد نجح فيها المخرج بامتياز، كما أنه قدم سعاد حسنى بشكل مغاير يستدر عواطف المشاهد فى أوقات، ويلعنها فى أوقات، ويغفر لها خطاياها فى أوقات، لكنه لا يسامح أبدًا محجوب عبدالدايم، ولا المعلم شحاتة، ولا النظام السياسى السائد ساعتها!




موضوعات متعلقة:

زينب الوكيل بطلة كتاب للصحفى الوفدى مصطفى عبيد..المؤلف: الوكيل كانت نافذة لاغتيال النحاس باشا معنوياً!

جاليرى صندوق الدنيا.. ينفخ الروح الفنية فى أشيائنا القديمة

بعد 54 كتابًا منها 16 عن صاحب نوبل.. مصطفى بيومى يكتب 280 ألف كلمة عن المسكوت عنه فى عالم نجيب محفوظ!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة