عمل صحفيا فى جرائد "الأحرار- الوفد- الحقيقة"، وشارك فى تأسيس جريدة "الدستور" المصرية (فى إصدارها الأول)، بعد إغلاق جريدة الدستور عمل فى "راديو وتلفزيون العرب" معد برامج تلفزيون، قبل أن ينتقل للعمل فى جريدة "عين" القاهرية، أصدر كتابه الأول "قبض الريح"، إنه هشام يحيى الكاتب والصحفى والروائى.
* فى البداية لماذا اخترت العامية لكتابة "قبض الريح.. أيام وراحت" رغم علمك أن هذا الاختيار، يمكن أن يعرضك لسهام النقاد؟
عندما شرعت فى كتابة هذا العمل الموجود الآن بين أيدى القراء، لم أختر طريقة كتابته عن قصد، أو بناء على خطة سابقة، هذه هى طريقتى فى الكتابة، طريقة لا أتعمدها، ولا أبحث عنها، ربما لو كنت فعلت كما يفعل بعض الكتاب الكبار، الجلوس قبل الكتابة ووضع ملامح لمشروعهم على الورق.. وطريقة كتابته.. ما كان هذا الكتاب ظهر المعتمد على العفوية والبراءة والتحرر من كثير من الأشكال التقليدية فى الكتابة.
* عرفت من بعض أصدقائك أن هذا المشروع مؤجل من سنوات، لماذا اخترت هذا التوقيت؟
دعنى أكون صريحاً.. أنا من ضحايا "مفرمة" العمل فى الصحافة.. التى أعشقها، التى اغتالت كثيرا من المواهب الأدبية، إلا نادراً استطاعوا تنظيم الوقت بين العمل فى هذه المهنة قاسية القلب أحيانا، ووضع وقت محدد للكتابة الأدبية. وهذا يجاوب على سبب التأجيل لسنوات. وظهر للنور وبسرعة مدهشة، لأن الحكاية ببساطة شديدة، أنا لم أقصد عمل كتاب، ولكنى كتبت رثاء على الفيس بوك فى صديقى الصحفى الشاب وليد كامل الذى رحل عن الحياة على طريقة (يافرحة كانت ملية عنية واستكترتها الدنيا عليه) رحل وسط تحقيق نجاحات صحفية، فوجئت بتشجيع من أصدقائى على الفيس بوك يطالبونى باستكمال حكاية وليد كامل معى، وحكاياتى مع الصحافة، والحياة بشكل عام، لا أنكر أن جمهور الفيس بوك منحنى دفعة قوية للكتابة.. والتزام يومى نحوهم.
• بمناسبة وليد كامل.. كيف حدث هذا التوافق.. المهنى والإنسانى بينكما رغم أنك تنتمى لجيل.. ووليد إلى جيل آخر؟
حب الصحافة والقراءة قرب بيننا جداً فى فترة قصيرة، هذا على المستوى المهنى، أما على المستوى الإنسانى وليد كان شخصا مهذبا جدا ويقدر خبرات الآخرين، ويجيد التفرقة بين الحديث فى وقت العمل والعلاقة خارج وقت العمل، ونجح فى لفت انتباهى نحوه بنوعية الكتب التى كان يقبل عليها والتى أعتقد أن كثيرا من الشباب فى سنة داخل الوسط الصحفى.. لا يعلموا عنها شيئاً.. ولا عن الذين كتبوها، فكثير من الليالى قضيناها فى شوارع القاهرة نتناقش فى مذكرات (لويس عوض)، وما كان يكتبه كامل الشناوى عن نجاة الصغيرة.. بمعنى أنها لم تكن جلسات لمناقشات القضايا الكبرى ـ فقطـ ـ ولكن فى الفن والسياسة والدين والكرة، والحياة الخاصة.
*كتابك ـ أيضا ـ لم يتوقف على مجال واحد.. لدرجة أنك فاجأت القارئ بقصة مختلفة عن المعلن فى اغتيال د. فرج فودة..أولا.. ممكن تحدثنا عن علاقتك مع د. فرج فودة؟
علاقتى مع د. فرج فودة قديمة، كان زميل دراسة لابن عمتى فى الستينيات، وهو نجح فى استغلال هذه العلاقة فى إقناعى أن أتنازل لمدة شهر عن شقة نزواتى.. لتحويلها إلى مقر انتخابى له عندما خاض الانتخابات فى دائرتى (شبرا)، فى هذه المرحلة توثقت العلاقة بيننا جداً.. وأصبحت قريباً منه، وشاهد عيان على تفاصيل مطبخه الانتخابى من الداخل، وشقتى التى تعرضت بسببه للشائعات السياسية من خصومه السياسيين من نوعية السفير الإسرائيلى يزوره فى الشقة، وكل الحكاية أن د. فرج كان محط أنظار وكالات الأنباء والصحافة العالمية.. يتابعون أخباره لحظة بلحظة..الشباب فى جماعة الإخوان.. مجرد أن يشاهدوا شخصا شعره أصفر وعيونه خضراء.. يعتبرونه فوراً من السفارة الإسرائيلية.
قاطعته: ولكنك أثرت علامات استفهام جديدة حول واقعة اغتياله؟
مثل غيرى تعاملت مع واقعة اغتيال د. فرج كما تم تناول الحادث فى الإعلام المصرى، وكما تابعته شخصياً، فى جريدة (الأحرار) التى كنت اعمل بها فى هذا التوقيت، حتى التقيت بالسيدة الفاضلة شقيقيته، ومنحتنى صوراً خاصة للدكتور، وقمت بإجراء حوار صحفى معها، لم استطع نشره ولم يجرؤ رئيس تحرير على نشره، بعد أن وضعت أمامى نقاط، تفتح الأبواب لكثير من الأسئلة، من نوعية: لماذا رفض مبارك الوقوف دقيقة حداد على د. فرج فودة فى معرض الكتاب؟ لماذا أصدر صفوت الشريف قراراً بمنع عرض ندوات فرج فودة المسجلة فى التليفزيون المصرى؟ لماذا سحب الأهرام كتبه من منافذ توزيعه، ولماذا منع طبع الكتب؟ لماذا لم يكرم د. فرج وهو الذى دفع حياته ثمن الدفاع عن مدنية الدولة، فهناك سراً كبيراً فى الإجابات الخاصة بهذه الأسئلة خاصة وأن رحيل فرج فودة كان فى توقيت الحوار المشئوم الذى كان يقوم به وزير الداخلية الأسبق عبد الحليم موسى مع رموز الإرهاب فى السجون لدرجة أن خيال البعض ذهب أن فودة ضحية صفقة رخيصة بين عبد الحليم موسى ورموز الإرهاب.
*أشرت فى أحداث روايتك المكتوبة بشكل واقعى.. أنك انضممت فى مرحلة مبكرة لأحد التنظيمات الإرهابية؟
فعلاً فى مرحلة دراستى الثانوية فى معهد مصر الجديدة الثانوى الأزهرى العسكرى، التحقت لمدة قصيرة ضمن مجموعة من الشباب عرفت فيما بعد أنهم كانوا ضمن خلايا تنظيم الجهاد الذى قتل الرئيس السادات ولكن أنقذنى من هذه الورطة المبكرة ثقافة أبى الذى تركنى أخوض تجربتى وهو يتابعنى من بعيد وانتهز أول فرصة وانقذنى من بين أيدى هؤلاء الصبية وأفكارهم الظلامية.
بمعنى؟
فى أحد الأيام قرأت على غلاف مجلة الاعتصام لسان حال جماعة الإخوان المسلمين، مانشيت صحفى على لسان المفكر المصرى د. مصطفى محمود أنه يدعو الناس للأكل بالشوكة والسكينة ذهبت إلى والدى الذى كان يرتبط معه بمصاهرة وأنا أحمل فى يدى عدد مجلة الاعتصام، وبمنتهى الوقاحة قلت له: شفت قريبك كاتب ايه؟ قريبك كافر!!.. الشوكة والسكينة ضلالة وكل ضلالة فى النار!!. أبى الرائع لم ينفعل على ولم يغضب ولم يعاقبنى رغم تهورى، بمنتهى الهدوء تعامل مع طيشى قائلاً: ماتروح تقوله الكلام ده فى وجهه. أنت مش شجاع.
وفى ثوان معدودة ورطنى فى مقابلة مع د. مصطفى محمود وجهاً لوجه من خلال مكالمة تليفونية معه حدد لى موعداً معه ذهبت إليه وكان الرجل شبه مريض وأنا أمسك بالمجلة وأرتجف قلت له: أنت كافر كيف تقول أن نأكل بالشوكة والسكينة.. والنبى عليه الصلاة والسلام كان يأكل بيده والشوكة والسكينة ضلالة وكل ضلالة فى النار" اعتدل الرجل وواجهنى، وقال لى كلمات قليلة: أنا النبى بتاعى لو موجود اليوم كان سيرتدى أشيك الملابس، ويضع أحدث أنواع البرفانات، كان سيقود الطائرات، ويتكلم اللغات، ويتعامل مع وسائل العصر، ده النبى بتاعى. النبى بتاعك عايزه يركب جمل ويذهب المؤتمرات متأخراً، يجلس القادة على موائد الاجتماعات ويجلس هو على الأرض، أنت حر فى الاختيار، أعترف أنى اخترت شكل النبى الذى قدمه لى حباً فى سيدنا النبى، فى طريق عودتى للبيت خلعت جلبابى الأبيض، الذى كنت أرتدى تحته بنطلون جينز وتشيرت، وألقيت به فى النيل وعند أقرب حلاق تخلصت من شكل ذقنى الغبى، بمجرد أن شاهدنى أبى أخذنى فى حضنه وقالى: حمد الله على السلامة.
*ما حكاية يوميات سيارة إسعاف.. الموجودة ضمن حكاياتك؟
والدى عمل فى "الإسعاف" فى الأربعينيات والخمسينيات فى هذه الأيام التى كانت تموج بكثير من الأحداث السياسية سيارة الإسعاف التى كان يركبها لأداء عمله كـ مسعف منحته فرصة أن يكون شاهد عيان على جرائم الإخوان المسلمين عندما كانوا يمارسون الاغتيالات السياسية ويضعون الطرود الناسفة فى دور العرض السينمائى، وأيضا هو المسعف الذى نقل المرشد حسن البنا من جمعية الإسعاف إلى القصر العينى ودائما كان يقول لى: سيارة الإسعاف لم تكن فقط شاهدة على أحداث سياسية ولكن اجتماعية دخلت جاردن سيتى والزمالك وتجولت فى بولاق وباب الشعرية والفجالة، كانت فى خدمة الباشوات والبهوات والفقراء والبسطاء.
• بصراحة مطلقة.. ألم تخشى من حدوث أزمات عائلية فى حياتك.. وأنت تقدم الجانب الخفى فى شخصيتك.. أمام زوجتك وعائلتك وأقاربك؟
زوجتى احترمت جداً صراحتى فى الكتابة، خاصة بعد أن جلسنا فى بداية كتابتى للحكايات وشرحت لها فكرتها، وأن أى خديعة للقارئ سيفقدها كثيرا من بريق الكتابة، وأن هذا النوع من الكتابة لا يحتمل إلا الصدق والصراحة، وإن حكاياتى رغبة فى التطهر أمام نفسى من ذنوب كثير ارتكبتها، وهذه مناسبة أشكرها فيها على شجاعتها، وإذا حقق كتاب (قبض الريح أيام وراحت) نجاحا سيكون لها فضل كبير.
• لماذا العنوان قبض الريح؟
ـ بعد انتهائى من الحكايات، وخاصة الحكاية 24 التى سببت لى ألما خاصا وحزنا لم يفارقنى حتى الآن فتذكرت حكاية سمعتها من أحد المقربين من الموسيقار محمد عبد الوهاب أن عندما أخبرته السيدة زوجته أن عبد الحليم حافظ رحل عن الحياة أخذ يردد (قبض الريح.. قبض الريح) هذه الجملة العبقرية جسدت ولخصت معنى فقد الأقارب والأحباب والأصدقاء والأماكن المحببة.