صيحات عالية متوترة وضحكات لا تخلو من انفعال هى ما حلت محل أصوات ندائهم على "أسامى" الاستغماية أو صيحات "ثبت صنم"، وغيرها من الألعاب التى اختفت من شوارع كرداسة كما يظهر واضحاً على المشهد الذى يغلفها، كما تشرح ببساطة الطفلة "منى منصور" وصديقتها "أسماء خلف" اللتين لم يتعدى طول إحداهما المتر الواحد.
وقفتا بابتسامات مصطنعة خلف عدسات المصورين ملوحين بعلامات نصر لا معنى لها قبل أن تبدأ أحدهما فى الحديث، قائلة: "من ساعة الثورة والإخوان اللى قتلوا الظباط، بطلنا نلعب فى الشارع، دايماً فى قلق ودايما فى ناس غريبة فى الشوارع، وجيش وشرطة بيجروا فى كل مكان".
"منة على" طفلة أخرى اشتركت معهم فى اللعب بالشروط الجديدة، كانت دوماً أسرع من تجرى وصولاً "للأمة" قبل أن يمسك بها أحد، أما عن سرعتها فى الاختفاء عن الأعين وضحكاتها التى تتخلل اللعبة، كانت دائماً ما تملئ محيط اللعب المقدس الذى تحول بعد فترة إلى مكان مهجور، اكتفوا بالمرور عليه من حين لآخر أثناء ملاحقة مدرعات الجيش التى تطوف المدينة بحثاً عن مسلحين، من وقت لآخر تصل أصوات الرصاص إلى آذانهم قبل أن يهرول الأهالى لإدخالهم للمنازل، أما الذهاب للمدرسة فكان له طعماً خاصاً وسط الحراسات الأمنية المشددة المحيطة بكل "خرم إبرة" فى المكان.
لا تكف المدرعات وسيارات الشرطة عن التجول فى شوارع المدينة وبمجرد وقوفها أمام بعض المنازل تحاط على الفور بالعشرات من الأطفال الذين يرفعون أعلام مصر، تصاحبها صيحاتهم المؤيدة للجيش وللفريق عبد الفتاح السيسى رافعين علامة النصر المؤيدة للجيش.
وترى سعادتهم واضحة لوجودهم بجوار الجيش الذى يرون فيه أمناً لم يعد متاحاً، "وائل محمود" الطفل صاحب الـ12 عاما دائماً ما يتجاهل نداءات أمه المتكررة له التى تخاف عليه مما قد يحدث أثناء هذا الوقت.
تقول نعمة حسين أم وائل "أنا مطمنة عليه علشان الجيش موجود وهيحمينا، بس بردو خايفة عليه لأنه ممكن تحصل أى حاجة أو يكون فى ضرب نار، وده اللى بيخوفنا عليهم.
رافعا شعار النصر بيديه، يجرى هو وغيره من الأطفال خلف رجال الشرطة والجيش متابعين الموقف بدقة، يتندرون به فى جلسات خاطفة أو ربما بعد طابور المدرسة بأصوات منخفضة فى الحالات النادرة، التى يسمح لهم أهاليهم بالذهاب إليها، يتذكرون ألعاب زمان التى اختفت، مفسحة مجالاً لألعاب أخرى لم تتشابه مع طفولتهم ولكنها تطابقت مع شريط الأحداث.





