فى الشارع الطويل المنحدر من منطقة "الخليفة" نسبة إلى جامع دار الخليفة، تدلك اللافتة على شارع "الأشراف" كما عرفه أهل المنطقة الشعبية التى لا توحى بوجود "البركة" فى مكان ما حول البيوت المتهالكة، على يمينك ويسارك تستطيع التقاط ما تعلنه اللافتات عن مقام "السيدة سكينة" المغلق حسب "مزاج الحارس"، ومقام "بن سيرين" مفسر أحلام النبى، بينما يستقر "بقيع مصر" فى منتصف الشارع كما يطلق عليه "عم عبد الحميد"، الذى يستقر فى الساحة متنقلاً بين باب وآخر كحارس للمقام منذ عشرين عاماً.
"هنا مقام السيدة رقية بنت الإمام على" تخبرك اللافتة قبل دخولك للساحة المتوسطة التى يحتضنها الجبل فى شارع "الأشراف" يبادرك "عم عبد الحميد" بسؤال عن سر الزيارة، يشعل أعواد البخور قبل أن يبدأ فى سرد حكاية "السيدة رقية" بنت الإمام على وشقيقة الحسن والحسين رضى الله عنهما، كما تشير لافتة التعريف الموجودة بجانب مقامها المطعم بالفضة، على يمين غرفتها المغلقة دائماً استقرت بعض المقامات التى اكتست بوشاح أخضر وكتب عليها "مجمع أولياء" ينظر إليها "عبد الحميد" حافظ السر، ثم يتنهد قائلاً "فى هنا صحابة مدفونين ما يعلمش عددهم إلا الله"، فى جولة حول الساحة المهملة "للبقيع" تستقر غرفتين بالخارج تحوى مقام السيدة "عاتكة زوجة سيدنا محمد ابن سيدنا أبى بكر الصديق"، بجانبها غرفة مقام "على محمد بن جعفر الصادق".
تشقق الجدران التى امتلأت بالثعابين والعقارب، وإهمال الغرف والأسقف المتهالكة هى السمة الغالبة على "مجمع الأولياء الأكبر فى مصر"، الذى لم تطله أضواء شهرة مقام "الحسين أو السيدة زينب"، كما يؤكد "عبد الحميد" الذى ينظر إلى المكان قائلاً "المكان فى حكم المغلق" يتذكر الحملة التى شنتها وزارتى الآثار والأوقاف قبل سنوات لترميم المقام، وهدم البيوت من حوله ثم تركت المقام معرضاً لخطر سقوط الجبل فوقه بين ثانية وأخرى.
لا يختلف المشهد كثيراً فى منطقة سيدنا الحسين التى تستقر فى أزقتها مقامات تعيش بين أهالى المنطقة الذين اعتادوا المرور عليها دون اهتمام يذكر، "مقام أم الغلام" الذى أغلقت أبوابه منذ زلزال 1992 فى انتظار ترميم لا يأتى، هو من يقوم بفتحه خلسة "علاء" حارس المقام الذى يدور حوله حاملاً المفتاح، فى المسجد الملاصق للمقام تجده نائماً فى انتظار زائر يطلب منه التبارك بـ"أم الغلام" التى تشتهر فى المنطقة باستجابتها للنذور كما يروج البعض.
درجات للأسفل تدفعك إلى غرفة صغيرة تفوح منها الرائحة ذاتها يستقر بها جسد "أم الغلام" التى حملت رأس الحسين ودفنتها فى مصر كما تقول الحكاية، "الست اللى إحنا عايشين فى خيرها"، هكذا يصفها "علاء" متحدثاً عن زوار مقامها من السيدات اللاتى يطلبن الزواج أو الإنجاب ويقبلن بعد البشارة لتلبية النذر.
شوارع ضيقة لا تبعد كثيراً عن مقام "أم الغلام" هى ما تفصله عن مقامات أخرى لا يعرفها أحد، تحتاج للكثير من الأسئلة والوصفات المعقدة لدخولها لتجدها خاوية تراكم حولها التراب وتركت معالمها لتشير إلى نسيان أمرها بالكامل، "مقام سيدى مرزوق الأحمدى" شيخ الطريقة الأحمدية بشارع قصر الشوق، الذى يعود تاريخه إلى ثلاثمائة عام مضت فى ساحة ضخمة لا تسمع بها صوت الآذان لعدم وجود مؤذن على الرغم من عودة المسجد لوزارة الأوقاف، ومقام "تتر حجازية" السيدة صاحبة مدرسة تعليم الطريقة المالكية والشافعية بحى الجمالية، وهو المقام الذى ترك مهجوراً على الرغم من اعتباره آثر لا يعرف أهميته سوى من يقرأ سيرة المكان الذى تحول لملجأ مفتوح لكل من هب ودب.
"سيدى أحمد الدرديرى بشارع الغورية"، "مقام بن يامين أخو سيدنا يوسف، ومقام سيدى محمد بن أبى بكر الصديق فى الباطنية"، و"سيدى محمد الأنور عم السيدة نفيسة"، وغيرها من مئات المقامات المنسية التى جمعت ما بين الإهمال والنسيان والخرافات، تستقر بها الأجساد تراقب ما آلت إليه كما يؤكد البعض فى انتظار تكريماً لأصحابها أو ربما فصلاً فى كتاب قد يسرد قصة "مقامات منسية فى مصر".



