بين زحام السيارات والمارة تقتحم الطريق بجانبك فى محاولة للمرور من "خرم أبرة" لا يتسع لها أو لصاحبها الذى وقف أمامها ممسكاً بالمقابض الحديدة لعربة جر يدوية صغيرة تراكمت فوقها الأحمال وتركت لصاحبها عناء الجرى بها مزاحماً كل من يعترض الطريق "وسع يا باشا.. طريق يا أنسة" هى كلماتهم التى استبدلوا بها آلات التنبيه واكتفوا بالهرولة فى صمت حفر على وجوههم ملامح متضاربة من الشقاء الممزوج بالجدية، حاملين الرزق الثقيل وراء ظهورهم التى انحنت من كثرة التجول بعربة يد محملة بالبضائع فى مشهد يعود بالشارع لعصور ما قبل سيارات النقل أو حتى عربات "الكارو" التى اختفت تدريجياً تاركة المجال مفتوحاً لفئة جديدة من "الشيالين" انضمت لقائمة الأعمال الشاقة المؤبدة بحثاً عن رزق لا يأتى بالساهل.
"حمدى عزمى" أحد المهرولين بعربات الجر اليدوية المنتشرة فى شارع الأزهر والغورية ومنطقة وسط البلد، وضع العربة جانباً، فك الحبال وبدأ فى رص الكراتين داخل سيارة أحد زبائن "التحويلة"، انتهى من رص الكراتين التى حملها خلفه طوال ساعة كاملة جرياً ليدخل "حمدى" فى جولة جديدة من الشقاء فى محاول للحصول على حقه فى الأجرة، نظر له صاحب "الحمولة" باشمئزاز قبل أن يخبره أن "هو ده أخره"، اكتفى بالنظر إلى ما فى يده من نقود وحمد الله متمتماً بكلمات يلعن بها الظروف التى جعلت منه "شيال" على عربة يد، أشبه بالـ"كارو" التى يشفق صاحبها على حماره، بينما لا يشفق عليه أحد "ربنا يتوب علينا" صاح بها حاملاً سيارته الحديدة الفارغة ليعود بها إلى الجراج فى سوق درب سعادة فى الدرب الأحمر.
"أنا كان عندى قهوة، وصاحب البيت هد العمارة، مالقتش قدامى غير الشغلانة دى" ظروفه لا تختلف كثيراً عن ظروف غيره من أصحاب نفس المهنة التى يلجأ إليها كل من لم يجد سوى ساعديه للحصول على رزق بالحلال، يجلس بجانب سيارته التى أنهكت حمولتها جسده فى نهاية يوم طويل ليحكى عن مهنته قائلاً "الشغلانة دى انتشرت أوى عشان مافيش شغل، أنا رحت اشتريت العربية دى جديدة بـ900 جنيه ونزلت بيها الشارع، بقف فى السوق استنى أى زبون يقولى حمل وشيل وفى الآخر يدينى اللى فيه النصيب".
رحلة "المهرولين" اليومية تقع بين شوارع الغورية والأزهر والعتبة وغيرها من شوارع وسط البلد ومصر القديمة بين أسواق الأدوات المنزلية والقماش التى يتقافز بينها "المهرولين" للحصول على "شغلانة على الطاير" بعضهم من يمتلك العربة، والبعض الآخر من يلجأ لاستئجارها بـ10 جنيهات فى اليوم من "الجراجات" التى اتخذت من المهنة "بيزنس" بيكسب دهب.
ويقول "حمدى" الموضوع بقى تجارة وليها مصانع وأصحاب فى ناس بتاجر فى المستعمل وفى ناس بتأجر العربيات دى اليوم بـ10 جنيهات، وبتاخد أجرة الركنة، أصحاب جراجات "عربات اليد" هما اللى واكلينها والعة..
يستند بظهره إلى الخلف طلباً لراحة لم يعد يعرفها م يكمل قائلاً: بننقل كراتين وحمولات، وساعات أتواب قماش وخاصة فى منطقة الغورية وشارع "حمزاوى" فى الأزهر، ومنطقة "وكالة البلح".
من عربة وأخرى بدأت الظاهرة فى الانتشار وتحولت بعد فترة إلى مهنة موازية لعمل شركات النقل والسيارات باهظة التكاليف التى حاول التجار تجنبها سوى من النقلات الثقيلة وعلى مسافات بعيدة، وتركت مجالاً لظهور "المهرولين" بعربات اليد اللذين طلبوا الرزق من الشوارع المزدحمة التى اقتحموها اقتحاماً بعربة يد وحمل والرزق على الله.
الرزق الثقيل على عربيات اليد