الإنسان لا يشعر بقيمة الشىء حتى يفتقده... ومؤخرا أصبح الأمان من الذكريات التى نسترجعها فتسعدنا... فما هو مفهوم الأمان الذى نفتقده؟ هل الأمان مظاهر وإجراءات خارجية؟ أم إحساس داخلى، أم خليط ما بين المظاهر وإنعكاسها الداخلى علينا؟؟؟. ومتى نشعر بإنعدام الأمان؟ هل عندما تعم الفوضى ولا نجد الإستقرار؟؟؟ فنشعر بالخوف من الواقع والمستقبل وننتظر لحظة أمان نجد فيها سعادة وإستقرار... وأين نجد هذه اللحظة التى نحتاجها لتبعد عنا الخوف والقلق؟؟؟.
للإجابة على هذه التساؤلات أولا يجب أن نقر أن الأمان إحساس ينبع من داخلنا، والمظاهر الخارجية المادية تساعدنا للوصول إليه، فهو مقره القلب وبدون هذه النواة التى فى القلب مهما كان من أمان ظاهرى لن نستطيع التوصل إليه.
فالأمان نوعان: أمان مادى وأمان معنوى، فالأول هو حقوق الإنسان الطبيعية فى المأكل والمشرب والملبس والسكن وما يوفره للإنسان من بيئة خارجية آمنة خالية من التهديد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمناً فى سربه، معافى فى جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها )، أما الثانى فهو شعور داخلى بعدم الخوف والاستقرار للإنسان فهو روح الأمان، أما الأمان المادى هو جسده وبدون الروح لن يحيا الجسد، ولذلك نجد أن أنجح الوسائل للوصول للأمان يكون فى طمئنة القلوب بذكر الله "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"...
فهذه اللحظة الآمنة نهتدى إليها بقوة الإيمان عندما نركن إلى الله فى وقت الهم والوحدة والضعف فتعيننا على اجتياز حال الخوف والقلق إلى حال السكينة والاطمئنان، "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ".
ففقدان الأمان حالة انفعالية ومشاعر ينتج عنها حالة وجدانية من فقدان التوازن وتنعكس على العقل والجسد نتيجة القلق من التهديد المتوقع من المخاطر المحيطة، وبالتالى ينتج سلوك غير متوازن لإعادة الشعور بالأمان. ولا يعتبر الشعور بفقدان الأمان أمرًا سيئًا إذا لم يبالغ فيه، وتصبح فكرة البحث عن الأمان ملحة ووسواسيه، وينتج عنه سلوكيات قهرية، مما يعيق ممارسة الحياة الطبيعية للشخص، أما إذا تعاملنا معه من غير مغالاة يكون طوق نجاه فلولا هذا الشعور ما ابتعد الناس عن المخاطر.
فبسبب المغالاة فى الحرص وتجنب الحياة الإجتماعية، وتوقع التعرض للأذى والشعور بالتهديد وتوقع الخطر تصل إلى توقع الموت تصبح حياة الشخص تنحصر فى دائرة الضيق الشديد والتوتر، ويكرر فى نفسه هذا الشخص هذه الجمل الوضع خطير، الأمور ستكون سيئة، ستحدث كارثة فعليِّه وبهذا النمط التفكيرى سنزيد حدة التوتر والقلق والنتيجة سلوك غير متوازن. وبما أن فقدان الأمان انفعال طبيعى فهدفنا لن يكون التخلص منه ولكن تخفيف درجة سلبية التأثر به ومنه، فالاعتدال فى الحرص هو الحل البسيط، وذلك بزيادة الدافعية للمقاومة، ودعم الإرادة، والقدرة على التحكم والسيطرة فى العودة لممارسة نمط الحياة الاعتيادى دون أى تجنب مغالى فيه بسبب الإحساس بفقدان الأمان، أو السلوكيات القهرية التى تنتج منه.
نعم نشتاق إلى هذا الإحساس، الذى كان من المسلمات لدينا، ولم نلتفت لأهميته إلا بعد أن فقدناه، وفقدنا معه ما كان يضيفه على حياتنا من استقرار وطمأنينة بعيدا عن القلق والتوتر الناتج عن عدم الأمان فى الشارع المصرى، وإحساس الحذر والتخوف حتى من أبسط ما كنا نستمتع به وهو السير فى الشارع والنظر فى وجوه الآخرين بدون ريبة منهم، حتى أصبحت نعمة الأمان غالية حتى فى المنازل، فأصبحت المتفجرات تستطيع أن تصل إلى الجدران بل وداخل المنازل كأننا فى غارات حربية، وأصبح الشارع مصدر للتهديد فى حد ذاته. ولم يعد لنا ملاذ للأمان غير قلوبنا، وليكن الإيمان هو خير معين لنا ونستبدل إحساس القلق بالثقة بالله فهو الضمان الوحيد لاسترداد الأمان الذى نفتقده.
خبيرة التنمية البشرية رانيا المارية تكتب: الأمان الذى نفتقده
السبت، 14 سبتمبر 2013 12:17 ص
خبيرة التنمية البشرية رانيا المارية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة