صندوق المجوهرات الخشبى الرائع، صندوق الطاولة الفاخر، وصندوق الصدف الذى يزين إحدى طاولات منزلك، لن تصدق أبدًا أنه كان كتلة صماء من الخشب الباهت قبل أن يمر من بين أصابعه التى هذبته وجعلته ناعمًا جدًا، وعالجت عيوبه، ثم رصعته بالأصداف اللامعة، فى ترتيب يختلف من تصميم لآخر ليعطى شكلاً مميزًا فى كل مرة.
ناصر عبدالغنى (48 عامًا) واحد من القليلين فى منطقة الغورية، الذين ما زالوا يعملون فى مهنة تطعيم الخشب بالصدف، التى عشقها منذ بدأ العمل فيها قبل أكثر من عشرين عامًا ويقول "اخترت المهنة لأنى حبيتها، بعد ما كنت التحقت بالمدرسة المهنية، وحاولت اتعلم ميكانيكا لكن لقيتهم ما بيعلموش لحد حاجة، فقلت ليه أشتغل حاجة ما بحبهاش وأسيب اللى بحبها، ما هو كله تعب، أتعب فى حاجة بحبها أفضل".
ويضيف "بالفعل، لأنى حبيت المهنة نجحت فيها، وفى خلال 20 سنة كبرت من مجرد عامل فى ورشة، لحد ما وصلت لأنى عندى 4 ورش"، ويستدرك بأسف "لكن للأسف بعتهم كلهم فى الفترة الأخيرة، لأن الحال واقف من ساعة ما السياحة فى مصر اتضربت".
ويحكى عم ناصر كل المراحل التى يمر بها الخشب حتى يتحول إلى صندوق مرصع بالصدف ويقول: "الصندوق فى الأصل يكون 4 جوانب من الخشب، يتم لصقهم بعضهم ببعض وتركهم فى الغراء 24 ساعة حتى تلتصق جوانبه جيدًا"، ويضيف "المرحلة الثانية هى تطعيم الخشب بالصدف أو لصقه عليه، وهذا يختلف حسب نوع الصندوق "عادى أم لوكس"، وبعدها نقص رأس الصندوق لنصنع الباب المتحرك".
ويتابع "بعد ذلك أعمل على الصندوق فأعالج عيوب الخشب، وأخفى الأجزاء الصغيرة المكسورة بالمعجون والألوان، أو حتى قطع الصدف، وأقوم بـ"صنفرة" الصندوق جيدًا ثم طلائه بالـ"ورنيش" الذى يمنحه بريقًا ولمعانًا، بعدها يتم تبطين الصندوق بقماش "الشامواه" الناعم، وبعدها يصبح الصندوق جاهزًا".
ويشير عم ناصر إلى أحد الصناديق التى صنعها بفخر "رغم أننا لا نوقع على الصناديق أو نترك عليها اسمنا إلا أننى أستطيع أن أتعرف الصناديق التى صنعتها ولو من بين مئة آخرين"، ويوضح "قد تتشابه الرسومات والتصميمات ولكننى أحب عملى فبرعت فيه، الصناديق التى أعمل عليها لا يوجد بها عيبًا واحدًا، فأنا عملت منذ كانت المهنة أكثر صعوبة من الآن، فلم يكن الورنيش مثلاً متاحًا، بل كان يجب أن نستخدم أداة نحك بها الخشب حتى يصبح لامعًا".
ويشكو عم ناصر "وقف الحال" بسبب الاضطرابات التى تشهدها البلاد، التى أثرت على السياحة وبالتالى على مهنته بدرجة كبيرة، فيقول "أنا علمت أخويا يشتغل معايا زمان وفتح ورشة لنفسه دلوقتى، لكن ندمان لا أنا ولا هو شغالين، وفى ناس كمان قفلت وغيرت شغلها، واحد منهم اشتغل سائق تاكسى، وآخر حول ورشته إلى محل للوجبات المنزلية"، ويضيف "لكن أنا ما بحبش غير الشغلانة دى، ومش هسيبها، ومش معقول أهزأ نفسى فى أى شغلانة على كبر".
ويتساءل "لماذا لا تهتم وزارة السياحة بمشاكلنا؟ نحن نشكل قطاعًا هامًا فى البلاد، وندخل إلى البلاد عملة صعبة، فالسائح الذى يأتى إلى مصر لا يستفيد منه إلا شركة الطيران والفندق الذى يقيم به، والأماكن السياحية أو الأثرية التى يزورها، لكن عندما يشترى منتجاتنا فهذا يجلب إلى البلاد عملة صعبة لا يستهان بها"، ويضيف غاضبًا "ياريت الناس اللى بتتكلم فى التليفزيون ومش حاسة بحالنا يشوفوا حل لمشاكلنا، ويحسوا بينا شوية".
عم ناصر.. يحول الخشب الباهت إلى صندوق صدف رائع بأصابعه الذهبية
الخميس، 12 سبتمبر 2013 11:08 ص