ورقة بعد أخرى تقفز خارج النتيجة الورقية المستقرة على إحدى جدران كل بيت مصرى ينتظر المناسبات السنوية بإشارة من ورق النتيجة الأبيض ذو الحكمة المدونة بالأسفل، تواريخ تلو الأخرى تحمل معانى لا يفهمها سوى المصرى الذى اعتاد رهاب التواريخ وحرص على إحاطتها بدائرة حمراء تعلن حالة الخطر مع مواعيد مقدسة يجب الاستعداد لها بالكثير من التحصينات التى يكتشف عدم أهميتها بعد انتهاء الأمر، هو الشعب الوحيد الذى وضع لنفسه مخاوفه الخاصة التى دونها على نتيجة المنزل ورسم حولها علامات الاستعداد وجلس لانتظارها فى قلق تحول فيما بعد إلى أحد الطقوس الرئيسية التى يعيش عليها المصريون فى استقبال المناسبات السنوية وأيام العيد ودخول الشهر الكريم، بداية العام الدراسى، ليلة الدخلة، وحتى دخول الجيش والوقوف فى كمين المرور وغيرها من المخاوف التى وضع لها الشعب المصرى محاذير لا تقبل التلاعب واستعدادات لا يمكن بدونها استقبال مناسبة مقدسة فقط فى مصر.
"تحضير وتنضيف وكحك وبسكوت ولبس جديد.. وأهو يوم وبيعدى"..
"كل سنة وانتو طيبين أول يوم العيد الذى يبدأ داخل البيوت المصرية قبلها بعدة أيام بداية من حملات التنظيف الممنهجة داخل كل بيت مصرى، يبدأ المصريون رهبة "أول أيام العيد" الذى وضعت له البيوت المصرية تقاليد خاصة واستعدادات لا تقبل المزاح خوفاً من شئ لا يعلمه أحد فى حالة عدم الاستعداد للعيد بالطريقة المصرية المناسبة.
حملة تنظيف موسعة تقلب الشقة رأساً على عقب، يخرج السجاد لرحلة من الغسيل، ويتم فك الستائر والنجف فى العيد السنوى للنظافة استقبالاً لضيوف العيد، غرفة صغيرة تنفصل فى أحد أركان المنزل عن صخب حملات النظافة، استقرت بها الصيجان المعدنية التى جلست أمامها الأم المصرية الأصيلة لرص الكحك والبسكويت وتجمع حولها الأطفال للمشاركة بأى شكل قد تخرجه أيديهم للصاج الحديدى، وعروسة بسكوت تحمل رائحة العجين وعينين وأنف وفم مبتسم، لا يهم إذا ما كانت بعض البيوت قد استغنت عن طقس إعداد الكحك والبسكويت قبل العيد بأيام واستبدلته بشراء الكحك الجاهز أو الحصول على الكحك من الجيران والمعارف أو أى طريقة أخرى تؤدى فى النهاية إلى تكدس علب الكحك فى المنزل مع دخول أول أيام العيد الذى لا يجب أن يخلو من كحك وإلا لا يمكن أن يطلق عليه عيداً مصرياً، لا يخلو أيضا من ملابس جديدة للجميع يرتدونها بعد صلاة العيد مباشرة للدخول فى دائرة من الزيارات المنزلية التى يجب أن يظهر المنزل فيها "على سنجة عشرة" ويظهر أفراد المنزل فى حالة لامعة من النظافة واللبس الجديد لزيارات لا تنتهى طوال ثلاثة أيام من رهبة "عيد الفطر المبارك" داخل البيوت المصرية.
"أول يوم رمضان.. أكل كتيييييييير وعزومة كبيرة وكله بيروح مع المدفع"..
تحبس أنفاسها داخل المطبخ طوال نهار الصيام، خلف الحلل والأوانى المتناثرة حولها تتحرك بسرعة جنونية خوفاً من لحظة انطلاق الآذان التى تشعرها برعب لا يعرفه سوى من دعا العائلة كلها على إفطار اليوم الأول للشهر الكريم وسارع للحاق بموعد آذان المغرب كمن يهرب من مصير مجهول، حولها وضعت الصوانى التى انتهت من إعدادها وخرجت للصراخ على من بالمنزل للانتهاء من رص السفرة ووضع صوانى الحلويات والعصائر فى أماكنها، ثم تعود مهرولة للمطبخ للانتهاء من طبق السلطة واللمسات الأخير، دقات جرس باب الشقة تزيد من توترها وتضع على وجهها قلق من يستعد للوقوع فى حفرة لا مفر منها، 10 دقائق تفصلها عن موعد انفجار القنبلة أو لحظة أذان المغرب، تسرع فى رص الأطباق على السفرة وقد جلس الضيوف وقام بعضهم للمساعدة للحاق بالموعد، ينطلق آذان الإفطار وقد ارتخت أعصابها وترك القلق على يديها رعشة خفيفة من فرط التوتر الذى يغلف البيوت المصرية فى أيام العزومات التى لا تخلو من رعب مبالغ فيه من إفلات موعد الآذان أو عدم كفاية كميات الطعام المهولة التى تنتهى إلى صفيحة القمامة بعد انتهاء العزومة، أو خروج الشوربة باردة أو اللحم غير ناضج وغيرها من المخاوف المقدسة التى لا يجرؤ المصريون على الاقتراب منها عاماً بعد أخر طوال أيام رمضان.
"اللبس والشنطة والكتب على الفرازة. . وأخر اليوم عودة للواقع"..
قميص جديد وبنطلون مازال يحمل ورقة المحل، حقيبة تشير رائحتها الجديدة للخروج تواً من الأغلفة البلاستيكية، كتب جديدة وجلاد أحمر وأخضر وأصفر على الكشاكيل التى رصها بعناية فى الحقيبة الجديدة، قبل موعده بفترة كافية انهى لبسه "على سنجة عشرة" وأعدت له أمه ساندويتشاته الأربعة، ووضعتها فى جراب الحقيبة الخارجى، الأب يخرج لإكمال اللمسات الأخيرة وربط الحاء الأسود اللامع، ويضع فى جيب طفله ذو الأعوام الستة مصروف اليوم الدراسى الأول الذى انتظره المنزل منذ ما يزيد عن شهر كامل امتلأ برحلات الشراء لملابس المدرسة والكتب الجديدة ودفع المصروفات والاشتراك فى الأتوبيس، وإعداد الطفل نفسياً لكلمة مدرسة، واستعدادات أخرى لا تنتهى داخل كل بيت مصرى لأول يوم دراسى سواء فى العام الأول أو الأخير، أو حتى اليوم الدراسى الأول للجامعة الذى يحمل مخاوفه الخاصة التى تختلف فى العمر ولكنها تظل متشابهة فى الطقوس.
فى المدرسة تبدأ الحقيقة فى التكشف شيئاً فشيئاً عن عيون الصبى الذى حلم بجنة أخرى حدثه عنها أبويه، مشاجرات التلاميذ للجلوس فى الصف الأول ومسح السبورة، الحقيبة التى تبعثرت محتوياتها فى اختبار القوة الأول داخل الفصل فى "سنة أولى ابتدائى" محاولات التقاط الأصدقاء والحديث الجانبى بعيداً عن أعين المدرسين، الفسحة وما تحمله من حمامات طين ومشاجرات دامية يتحدد على أساسها اختيار "فتوة" الفصل، العودة للمنزل مع الواقع الجديد الذى تزول به رهبة "أول يوم مدرسة".
"احبس أنفاسك. . اضحك فى وش الظابط.. وعدى"
لكمين المرور هيبته المعروفة لكل من جلس فى المقعد الأمامى منتظراً دوره فى المرور من حواجز الكمين، مسافة بسيطة تفصلك عن الضابط الذى وقف بعيون يقظة لتفتيش السيارات وقائديها، تتجول عينيه لتفحص الركاب وتشير يديه إلى السيارات التى يشتبه بها للوقوف "على جمب"، يزداد التوتر بمجرد الاقتراب من حاجز الكمين تتصاعد دقات القلب وتبدأ رهبة الكمين فى العمل على كل من جلس فى سيارته فى مواجهة عيون الظابط المتفحصة فى محاولة لاكتشاف ما يدور بخلده، تدور أيدى الراكب حول جيبه لتفقد الرخص والاستعداد لحوار قصير بينه وبين ضابط الشرط دون معرفة سبب واضح للقلق سوى من هيبة الكمين الذى طالما أعد له المصريون حساباً، حركة بسيطة ينزل بها الراكب زجاج الشباك الأمامى، مساء الخير يا باشا وابتسامة مصطنعة متوترة يستطيع الضابط كشفها سريعاً مطالباً بالرخص، وبعض الأسئلة عن وجهة السيارة وتفاصيل أخرى تستمر للحظة القلق الكبرى التى تخرج بعدها السيارة من الكمين وقد تنفس قائدها الصعداء من قلق غير مبرر حتى فى حالة امتلك جميع الأوراق الرسمية التى تثبت امتلاكه للسيارة، لا يعرف بعدها قائد السيارة سبب الرهبة التى لا يخلو منها كمين فى شوارع مصر، تنتهى بضحكة بسيطة وحمداً لله على السلامة من "كمين المرور".
"أول يوم ثورة.. خايف بس نازل وفى الأخر بنرقص فى الميدان".
القلق والتوتر والسيناريوهات السينمائية لما سيحدث هو العناصر المصاحبة ليوم المظاهرات الأول، استعدادات مختلفة تبعاً لنوع المليونية هى ما اعتاد المصريون خوضها طوال عامين ونصف من الثورة المستمرة فى شوارع وميادين مصر، بعضها من كان القلق منها فى محله والبعض الأخر ممن انتهى الخوف منها على "فشوش".
حقيبة كروس، وحذاء رياضى وملابس فضفاضة وزجاجة مياه وعلم مصر يخفى خلفه المصريون قلقاً من حدوث اشتباكات أو تطور الأحداث فى الميدان، يخرج بعدها المصريون للشوارع على استحياء، الهتاف الأول الذى يخرج مكتوماً قبل أن يندمج وسط الهتافات الأخرى فيكتسب قوة وشجاعة لم تكن موجودة قبل النزول للميدان بدقائق، الحديث عن ما يمكن أن يحدث وعبارة "ربنا يستر" قبل النزول للمسيرة أو المليونية، الحرص على البقاء داخل أكبر تجمع ممكن والأيدى المتشابكة أثناء المسيرة خوفاً من التفرق فى مواجهة ما يواجه الصفوف الأمامية، رهبة الصف الأمامى والحرص على تأخير الخطوات للاختفاء وسط المتظاهرين والاحتماء بزحام الميدان فى مواجهة أى خطر قادم، وغيرها من علامات رهبة "أول يوم صورة" التى لم تختفى بعد من المسيرات المصرية على الرغم من تحولها إلى جزء من حياة الشعب المصرى طوال عامين ونصف العام انتهت بثورة 30 يونيو التى تناثرت حولها سيناريوهات الاشتباكات، وتحدث الجميع عن احتمال تحولها إلى مجزرة دموية، ونزل الجميع فيها بخطوات متثاقلة انتهت بالرقص والاحتفال فى الميادين التى أخذ زحامها بالخوف والقلق والرهبة بعيداً فى نهاية يوم طويل من الثورة التى مازالت رهبتها تحتل جزء كبير من مخاوف المصريون المقدسة.
"ليلية الدخلة. . البعبع الأكبر فى تاريخ مصر".
يعلن الدى جى عن الأغنية الأخيرة فى السهرة ويقترب الفرح من الانتهاء، ويقترب قلب العروسة من التوقف بينما تتصاعد دقات قلب العريس استعداداً لليلة العمر، بجانبهما وقفت أم العروسة وقد أحمر وجهها فى ترقب قلقاً على ابنتها بينما وقفت أم العريس فخورة بابنها الذى يستعد لدخول عش الزوجية بعد دقائق، تلقى العروس ببوكيه الورد على صديقاتها وتقف لاستقبال السلامات النهائية وقد وصلت الرعشة إلى جسدها بالكامل تمسك بأيدى والديها قبل أن يودعاها إلى مصيرها الأخير، عبارات "خلى بالك منها وخلى بالكو من بعض" تخترق أذنيها وقد حانت اللحظة التى طالما تربت على الخوف منها، وتصاعد فى قلبها القلق من أهم ليلية فى حياتها، وجهها يشبه من يستعد لتوه للانتحار بينما يشبه وجه عريسها من يستعد للدخول لقفص طالما سمع تحذيرات الجميع من دخوله، فى الخوف الأعظم من الزواج و"ليلة الدخلة" التى ترسم "البعبع الأكبر" فى حياة المصريين وغالباً ما تمر بسلام دون داع للقلق الذى تحرص الأسر المصرية على ذرعه داخل قلوب كل فتاة وكل شاب مقبل على الزواج.
ذعر "ليلية الدخلة" والخوف من مصير غالباً ما يمر بدون خسائر هو أكبر مخاوف المصريون من مجهول وضعوه لأنفسهم بالكثير من الاستعدادات التى تشبه استعدادات أجدادنا الفراعنة لحياة ما بعد الموت، فقط فى مصر تسمع الحكايات عن الأفراح التى تنتهى ببكاء العروس وعدم رغبتها فى استكمال الزفة حتى المنزل، فقط فى مصر يمكن التقاط النوادر عن حكايات العروسين فى ليلة العمر التى يدفعهم الخوف منها إلى مواقف ونوادر تظل حاضرة بعد مرور سنوات على الزواج وليلة العمر التى تبقى رهبتها هى الرهبة الأول فى بداية حياة جديدة وبيت جديد ورهبة مصرية أخرى لها طقوسها الخاصة.
"أتخرجت من الجامعة. . ما تخافش يا دفعة انت مجند فى الجيش..
على وجهه ظهرت علامات الرعب الواضحة طوال رحلة العودة من "الكشف الطبي" الذى انتهى بقرار انضمامه للجيش على الرغم من ضعف نظره أو أى سبب أخر قد يعطيه "إعفاء من الخدمة العسكرية" رحلة العودة ممسكاً بالورقة التى ستغير السنة أو الثلاثة القدامين من عمره هى الرحلة الأطول، فى ذهنه تستقر كل حكايات أصدقائه التى جلس لسماعها فى قلق ممزوج بالضحك من "نوادر الجيش"، وذكريات فيلم "عبود على الحدود" والصول سميح الذى كدر "علاء ولى الدين وأعطاه أربعة مربعات، وغيرها من المخاوف التى تتسرب لعقل كل من دخل فى شرك الخدمة العسكرية وتحول إلى "دفعة" فى انتظار عام من العذاب على أقل تقدير، اليوم الأول الأشبه "بجنازة" فى أى منزل مصرى به "مجند فى الجيش"، وتحضيرات الأم لملابس أبنها المجند الجديد وما يمكنها إعداده من طعام لمساعدته على الصمود فى فترة التدريب بقلق ورهبة مصاحبة لفترة "الخدمة فى الجيش" التى يخشاها كل مصرى سمع من أصدقائه نوادر لا تنتهى عن الأيام الشاقة التى يعيشها الشباب فى المعسكرات التى تصنع منهم رجالاً كما يعلق الأب غالباَ فى لحظة الوداع الأخيرة.
الصدمة الكبرى بالمعسكر والغرفة المشتركة والحمام الواحد والطعام الذى لا يصلح للأكل، والجرى فى الشمس الحارقة والتدريبات الشاقة وعبارات التكدير من قائد المعسكر الذى يصنع منك رجلاً مصرى أصيل أدى الخدمة العسكرية وغيرها من تفاصيل الأيام الأولى التى تنتهى بكوب من الشاى وتجمع مع زملاء العنبر، وحكايات ضاحكة وصور مختلسة للصبر على ما تبقى من أيام داخل المعسكر الذى تمر أيامه الأولى برهبة "دخول الجيش" وتنتهى بفترة عادية لابد منها لكل شاب مصرى "لبس فى كام سنة جيش" خرج بعدها بمئات الذكريات والنوادر عن فترة "الرهبة الكبرى" فى المعتقدات المصرية.
7 مخاوف للمصريين:أول أيام العيد ورمضان والمدرسة والكمين والدخلة ودخول الجيش وأول يوم ثورة
الجمعة، 09 أغسطس 2013 05:05 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة