بدون ميعاد قابلته، وقد ظهر على وجهه علامات الانقباض وعلى مظهره مظاهر التوتر وخصوصا على قبضة يده التى تنقبض وتنبسط فى تواتر وتوتر، فجلسنا لنشرب القهوة التى تزيد من التوتر والانفعال، ولكنها تعمل على مراكز المخ ليظل أكثر انتباه ويقظة.
فبادرته الحديث:
- واضح عليك إنك مش مبسوط
- بتقول كدة ليه؟ (!!)
- شكلك بيقول كدة، وكمان من تعليقاتك على الـ(Facebook) كل كلامك بيقول إنك مش عاجبك حاجة
- يعنى أنت اللى مبسوط
- لأ، لكن بتابع وبستقبل الأخبار من غير رد فعل، هى السياسة كدة: مهما عرفنا فيها المستخبى فيها أكتر، ومهما فهمنا فيها فاللى بنجهله أكتر، ومحدش بيعرف الحقيقة.
- بالنسبة للسياسة، أنا مثلا ضد إن أى واحد ميعملش اللى نتوقعه منه نهاجمه ونقول عليه خاين وعميل زى (البرادعي)، هو عنده مبادئ وبيحافظ عليها.
فظهرت حولنا غمامة سوداء حجبت الضوء علينا، كان هذا هو من أحضر لنا القهوة، ولا أعلم لماذا يرتدى هذه الملابس السوداء؟ ربما لأن القهوة سادة !!!
فأرجعته للحديث مرة أخرى، فقلت له:
- بس) البرادعي) مش قادر يفهم إنه مش مجرد ناشط سياسى حر ويعمل اللى هو عايزه، فيه ناس كتير حطت ثقتها فيه وهو خذلها وحتى مشرحش هو عمل كدة ليه، وساب الناس تقول اللى عايزينه كأنه ميهموش رأى الناس.
ولكنه أدار دفة الحديث لجهة أخرى:
- بعيد عن السياسة، حياتنا دى هتمشى إزاى؟؟ كلنا مهددين نسيب شغلنا فى أى وقت وساعتها حياتى هتقف، أعمل ايه ساعتها؟ أسافر؟
- طيب تمام، لو ممكن تسافر سافر.
- وليه استنى لغاية ما اسيب الشغل؟؟ المفروض يبقى البديل جاهز، فين Plan B؟؟
- وايه اللى منعك عن البديل؟
- القرار صعب، ومش بتاعى لوحدى.
- طيب، استنى لغاية ما الأمور توضح.
- أنا حاسس إنى غلطان فى حق نفسى، كان فيه حاجات كتير ممكن أعملها عشان احمى نفسى من الوضع ده دلوقتى، وبعدين أرجع أقول ما أنا نجحت فى شغلى وكل اللى حصل مش فى ايد حد ولا حد توقعه وإحنا حالنا أحسن من حال ناس كتير وربنا أكيد هيحلها، لكن التفكير مش بيقف، على طول شغال.
- واضح إننا كلنا ابتدينا تجيلنا الاضطرابات بتاعت وقت الحروب، بس خلى بالك المخ مبيبطلش تفكير حتى والإنسان نايم.
- طيب، ايه الحل؟
- الحل هو توجيهه؛ لأن التفكير فى موضوع واحد مع الضغط والتوتر وبالذات لما يكون الإنسان مبيشاركش حد فى الأفكار دى، ممكن يخلى الإنسان يتوهم أن الأمور أبشع من حقيقتها؛ لأن الأفكار عمالة تتفاعل مع نفسها، وممكن ساعتها تتفتح بوابة بين الوهم والحقيقة ويصبح الإنسان منفصل عن الواقع وعنده إما خوف مرضى أو تبلد فى الإحساس.
- هو إحنا وصلنا للدرجة دي؟؟
- لأ، أنا بتكلم عامة، بس لازم التفكير فى حلقة مفرغة يقف.
- والأفكار دى أوقفها إزاي؟؟
- أعمل زى ما بتوع (التنمية البشرية) ما بيقولوا وبص للنقاط الإيجابية وتصالح مع نفسك.
- أنت بتعمل كدة؟؟
وكان السؤال لى بمثابة صاعقة وصفعة، فصمت قليلا وفكرت وكنت أشرب فى هذه اللحظة آخر رشفة فى فنجان القهوة، فلما انتهيت منه وفى اللحظة الذى تركته من يدى أزاحه بعيدا بطريقة عصبية، قائلا:
- هنيا.
- رديت: الله يخليك.
وأكملت: يمكن مبعملش كدة دايما، لكن كان لازم أرد عليك وهو ده الرد الصحيح.
- يعنى أنت مصدق نفسك؟
- وأنا بقول الكلام بكون مقتنع بيه، لكن عند التنفيذ بتبقى النظرية حاجة والتطبيق حاجة تانية.
فلما أطرق ونظر بعيدا، اختلست نظرة للساعة وقررت الانسحاب، فقلت:
- أنا مضطر أمشى دلوقتى والوقت خدنا ولازم أقوم دلوقتى.
لم يلح على فى الجلوس أكثر من ذلك، ولكن عندما أدرت ظهرى له ومشيت فى طريقى وجدت قبضة يدى تنبسط وتنقبض فى تواتر وتوتر، وقدماى تدب على الأرض فى عصبية، وكل لغة جسدى من نظرات وأنفاس وحركات لا تتكلم إلا بلغة التوتر، فنظرت إلى يدى المتوترة، وأطلت النظر فيها معطيا لها الأمر بالتوقف عن هذا التوتر.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة