"طيور الظلام" يحرج السياسيين باستشراف الواقع الراهن منذ 18 عاما

الأحد، 25 أغسطس 2013 06:14 م
"طيور الظلام" يحرج السياسيين باستشراف الواقع الراهن منذ 18 عاما فيلم طيور الظلام
كتب محمود التركى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
•عبقرية وحيد حامد وشريف عرفة تلخصان الواقع السياسي.. وعادل إمام ورياض الخولى نموذجان للصراع بين الإسلام السياسى وفساد الحزب الوطنى
•أحمد راتب.. المواطن البسيط الذى ينفث عن غضبه بـ "دخان الشيشة" وقراءة الصحف.. والإخوان والوطنى يراهنان على خروجهما من السجون لاحتلال المشهد من جديد فى نهاية مفتوحة


يحاول عدد كثير من صناع السينما رصد الواقع فى الشارع المصرى عبر الأزمنة المختلفة، ليؤرخ لما تشهده مصر من تغيرات وتطورات اجتماعية وسياسية، وهو ما ينال رضا قطاع كبير من عشاق السينما الذين يرون أن الفنان الذى يستلهم فنه من أرض الواقع أفضل بكثير من الفنان الذى يعتمد على نسج الخيال فقط.

وبرع العديد من المخرجين والمؤلفين فى إبداع أفلام واقعية، لكن القليل جدا من هذه الأفلام هى التى تنبأت بما بعد الواقع، ولذا فهى مع كل مشاهدة جديدة لها يشعر المتفرج وكأنه يشاهدها للمرة الأولى نظرا لأنه يربط بين أحداث هذا العمل وما يجرى من حوله فى المشهد السياسى والاجتماعى بالبلاد.

ويعد فيلم "طيور الظلام" للمبدع وحيد حامد أحد أبرز تلك الأفلام السينمائية التى تلخص ما يجرى حاليا فى المشهد السياسى المصرى، لذا فهو دائما محل قراءة جديدة ويفرض نفسه من جديد، فرغم أن الأحداث الحالية متلاحقة وتفاجئ الكثير من السياسيين والخبراء الإستراتيجيين بمعطياتها وتطوراتها الجديدة، إلا أن وحيد حامد سطر فى فيلمه "طيور الظلام" منذ حوالى 18 عاما ملامح للواقع الذى نعيشه حاليا بحس إبداعى وقراءة للواقع فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى والتنافس بين أعضاء الحزب الوطنى حينذاك، وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حيث كل منهما له ملعبه وطريقته فى الوصول إلى المال والسلطة، فاختلفت الوسيلة لكن الغاية واحدة، والمصير أيضا، فرقعة الشطرنج لا تشهد إلا تبادلا للأدوار بين النظام السابق وجماعة الإخوان.


فى أحداث فيلم "طيور الظلام"، نجد نموذجا مصغرا للمجتمع المصرى من خلال مهنة المحامى، حيث يرصد العمل حياة 3 أصدقاء محامين تجمعهم صداقة قوية منذ أيام الجامعة، لكن كل منهم اختار طريقه الخاص، أولهم "فتحى نوفل" الذى جسد دوره النجم عادل إمام فهو محامى انتهازى فقير ويسكن فى منطقة شعبية، ولكنه ينتظر الفرصة التى تجعله من كبار المحامين ورجال الدولة فى البلد، نظرا لما يتمتع به من دهاء وقدرة على خداع الأشخاص، حتى تأتيه الفرصة للعمل فى قضية تخص أحد كبار المسئولين فى الحكومة، ويحصل له على البراءة، ويبدأ سلم الصعود إلى السلطة التى بدورها تعد المفتاح الذى يفتح أمامه أبواب الثراء، حيث يتدرج فى المستوى الاجتماعى والوظيفى حتى يصبح مدير مكتب الوزير رشدى أو "جميل راتب" ويتزوج من سيدة أعمال شهيرة لكى لا ينفضح أمر ثراءه السريع، وبذلك يرمز عادل إمام أو "فتحى نوفل" إلى فساد بعض أعضاء "الحزب الوطنى" وإفساد الحياة السياسية وتزاوج السلطة برأس المال، وهو الواقع الذى شهدته مصر طوال السنوات الماضية واستفحل كثيرا مع بداية الألفية الثانية.

وضمن أحداث الفيلم، يظهر أيضا المحامى "على الزناتى" أو رياض الخولى الذى ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، ويتولى الدفاع عمن يقع تحت طائلة القانون من تلك الجماعة، فهو يبيع مبادئه من أجل المال والمكتب الفخم وهو ما يتضح فى أحد مشاهد العمل التى تؤكد أن على الزناتى لم يكن إخوانيا فى أيام دراسته الجامعية بل كان اشتراكيا ثوريا، ولكنه أختار "الأرز أبو لبن" على حد وصف "فتحى نوفل" فى الفيلم، إشارة إلى أن جماعة الإخوان تمتلك الأموال الباهظة التى تمكنها من الإغداق على أعضائها ببذخ.

أما الصديق الثالث "محسن" أو أحمد راتب فهو يمثل الشعب المصرى المطحون والمواطن الشريف الذى يرفض الكذب ويراعى ضميره فى عمله لذا يترك المحاماة لأن بها كذب، طبقا لمعتقداته، ويختار أن يعيش حياة بسيطة، وجو أسرى بعيدا عن أى صراع سياسي، رغم أنه كان ناشطا سياسيا أيام الجامعة، ويفضل أن يعمل محاسبا فى إحدى الشركات الخاصة براتب يكفيه ليعيش مستورا مع أسرته، ومع انعزاله عن الصراع من أجل السلطة والمال، ومراقبته لما يحدث فى الحياة السياسية لا يجد سوى قهوته ليجلس عليها ويخرج غضبه مع "دخان الشيشة".


وفى سياق أحداث الفيلم، هناك العديد من المشاهد التى نستطيع أن نقول إنها عبقرية ومنها المشاهد التى تدل على أن الفساد يطول كل شيء حولنا فنرى رجال الحزب الوطنى يدخلون مجلس الشعب، وهم لا يفقهون شيئا بل جاءوا لمجرد خدمة مصالحهم الخاصة كما أن الحزب لا يخلو من مؤامرات بين رجاله بعضهم البعض، وعلى الجانب الأخر نرى مشهدا عبثيا لأعضاء الإخوان وهم يتسلمون مهام عملهم من المحامى على الزناتى فهو يوزع عليهم قضايا تتعلق بمهاجمة فيلم ما أو إحدى الروايات أو الدفاع عن عضو بالجماعة، دون أن يكون لهم أى اهتمام بقضايا الوطن والمواطن البسيط أو حتى الدعوة الإسلامية.

كما نرى مشهدا واقعيا لما اصطلح على تسميته إعلاميا بـ"خلايا الإخوان النائمة" وهو ما يظهر فى محاولة على الزتاتى تجنيد فتحى نوفل لكى يكون عضوا بالجماعة ولكن دون أن يطلق لحيته، حيث يقول له "نحن نحتاج أن يكون لدينا أشخاص غير ملتحون" وهو الطلب الذى قوبل بالرفض من فتحى نوفل لأن له أهدافا أخرى.

وأيضا من المشاهد التى تصف واقعا عاشه الكثير من المصريين خلال السنوات الماضية هو التزوير الناعم لإرادة الشعب، فالشعب المصرى الذى قام بثورة 25 يناير من أجل التغيير والحرية وجد نفسه فى النهاية أمام مراحل متعددة من التزوير الناعم الذى لا يعبر عن إرادتهم، فهو تزوير بعيد عن الأوراق الرسمية بل يعتمد على توجيه إرادة الناخبين إلى طريق واحد محدد سلفا، وهو ما رأيناه فى فيلم "طيور الظلام" فى مشهد اتفاق فتحى نوفل مع أحد الضباط المسئولين عن تأمين الانتخابات من أجل توجيه إرادة الناخبين نحو مرشح بعينه –من الحزب الوطني- فى لعبة سياسية لا توقع منفذيها تحت طائلة القانون.

طيور الظلام التى أرهقت الوطن وغلبت مصالحها الخاصة على مصالح جموع الشعب المصرى وجعلته محاصرا بثالوث التخلف وهو الجهل والفقر والمرض، هى نفسها التى يرصدها وحيد حامد والمخرج شريف عرفة فى الفيلم الذى تم إنتاجه عام 1995، حيث لم تختلف، بل إن مشهد نهاية العمل الذى يتمثل فى وجود فتحى نوفل وعلى الزناتى بداخل السجن وكل منهما يراهن على أنه سوف يخرج أولا، يعد واحدا من أبرز المشاهد التى يتداولها حاليا رواد مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى إشارة إلى أنه يصف ما يحدث على أرض الواقع، بين بعض أعضاء الحزب الوطنى المحبوسين داخل أسوار السجن وبعض أعضاء جماعة الإخوان المقبوض عليهم مؤخرا بتهم مختلفة تتنوع بين الفساد والإرهاب.

وفى ظل الصراع بين فتحى نوفل وعلى الزناتى والقبض عليهما بتهم مختلفة، نجد المواطن المصرى البسيط "محسن" الذى يجلس على المقهى ومعه الجريدة التى يطلع من خلالها ويراقب الأخبار ومستجدات الأمور ولا يجد سوى "دخان الشيشة" مخرجا .

شىء واحد فقط هو الذى يوحد "فتحى نوفل " و"على الزناتى" ومحسن" وهو الفن، وهو ما يظهر فى مشهدين أحدهما بين فتحى نوفل وعلى الزناتى والأخر بين فتحى نوفل ومحسن، حيث يغنيان معا أغنيتهما المشتركة منذ أيام الدراسة بالجامعة، وهو يعد من أبرز المشاهد فى الفيلم والتى صاغها بعبقرية شديدة المخرج شريف عرفة والسيناريست والكاتب وحيد حامد، فى إشارة إلى أن الفن قادر على أن يوحد الجميع، رغم الاختلاف.

يبقى أن نشير إلى أن نهاية الفيلم مفتوحة لم يضع وحيد حامد حدا لها، فرجل الحزب الوطنى وعضو الإخوان يراهنان على أنهما سوف يعودا من جديد للحياة السياسية، ليضرب أحدهم الكرة من جديد وتنكسر الشاشة، وهى هنا المجتمع الذى يقف مشاهدا لما يحدث، فهل يسمح لهم بذلك!





مشاركة




التعليقات 4

عدد الردود 0

بواسطة:

مجدي

الله ينور

عدد الردود 0

بواسطة:

هشام

عبقرية الكاتب وشدة ذكائه تظهر حينما يسبق خياله الواقع.

عدد الردود 0

بواسطة:

الاسيوطى

فيلم رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

محمود السويفى

القاهرة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة