يحمل على كتفيه صندوقاً خشبياً ممتلئاً بالربابات المصنوعة من أعواد الجريد يصول ويجول فى الشوارع يبعث الشجن ويُحرك الوجدان فى كل مكان.
"زكريا" هذا اسمه، يبيع الربابة منذ كان عمره أربع سنوات، رغم ملامحه الثلاثينية إلا أنها تحولت إلى خطوط عريضة كشفت عن شيخوخة مبكرة، يبدو قابضاً بيده اليسرى على عود جريد، ينتهى بقطعة صفيح مُفرغة بشكل تقليدى، بينما تتحرك يده اليُمنى فى اتجاهات مختلفة حتى يحتك السلك المعدنى بالخيط المتين فيُصدر نغمات موسيقية تُذكرك فور سماعها بالتراث المصرى القديم.
عم "زكريا" قدم من محافظة قنا، ليبيع الربابة التى يقوم بتصنيعها بيديه، فهى مصدر رزقه الوحيد التى ينفق بها على أسرته المكونة من ستة أفراد، تربيته الصعيدية أثرت فى وجدانه وجعلته عاشقاً لأوتار الربابة التى تنعش الروح بنغماتها المليئة بالشجن.
"الضوء الشارد" و"الليل وآخره"، نغمات موسيقية يعزفها بأنامله الرفيعة لتصنع لحناً ضاعت ملامحه ونغماته بين وقع أقدام المارة وارتفاع أصواتهم.
"رجل الربابة" لم يختار مهنته لأنها ليست حرفة تستحق أن يرثها عن والده، على حد وصفه، لكن القدر وحده دفعها إليه، لأنه لم يجد غيرها، فهو لم يحصل على أى مؤهل ولا يجيد القراءة والكتابة.
"زكريا" يؤكد أن عملية صنع الربابة بسيطة لا تتطلب إلا لوحات خشب وعلب عصير فارغة وجريد نخل وليف، ليصنع من كل تلك ربابة ويبيعها فى شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية كلعب أطفال نظير جنيهين، فهى آلة مصنوعة من الخشب عبارة عن قطعتين.. واحدة فيها وتر والأخرى قطعة خشب يتحرك عليها وتصدر صوتاً موسيقياً جميلاً، وتتكون من الإطار الذى يشكله تقاطع أربع قطع من خشب "الشوح" أو "الزان" تشكل مستطيلاً أو تكون القطعتين الخشبيتين العموديتين مقوستين للداخل يغطيها جلد ماعز.
عازف الربابة يتمنى ألا يرث أبناؤه هذه المهنة، لأنها رغم بساطتها فهى مرهقة، وأصعب ما فيها البيع فى الشوارع، حيث يتطلب الأمر منه العزف على الربابة، وأحياناً النداء ليلفت أنظار المارة، خاصة الأطفال الذين يفرحون بالنغمات الموسيقية التى تصدر عنها، كما أنها لا تمثل مصدر دخل يكفيه.
أنغام الصعيد تطوف شوارع القاهرة على أوتار ربابة عم "زكريا"
الثلاثاء، 20 أغسطس 2013 02:08 م