روائح رمضان تغمر المكان.. الشوارع صائمة، كعادتها كل عام ولكن الجديد هذه السنة أنها تخلو من الشنط أو الموائد ذات الطابع السياسى، وحل محلها شنط الجمعيات الأهلية، وموائد بعض رجال الخير أو مؤسسة الجيش والقوى السياسية المختلفة.
وفقا لإحصائيات عددها فى القاهرة وحدها 21 ألف مائدة ينفق أهالى الخير عليها ما يزيد عن مليار جنيه، ويبلغ عدد الأشخاص الذين يأكلون عليها 3 ملايين شخص يوميا، ويصل عدد الجهات والأشخاص الذين ينظمونها إلى 10 آلاف جهة أو طرف.
مائدة التحرير كانت فى الصدارة، ففى الساعات الأخيرة من نهار رمضان يتوافد البسطاء والفقراء والثوار على الموائد الممتدة فى الشوارع، كى يحجزوا أماكنهم للإفطار.
هناك على أطراف ميدان التحرير يقف بيتر سامى - 22 سنة - لتجهيز مائدة الإفطار قائلا وهو متحمس لـ"اليوم السابع": إنه يشعر بالسعادة حين يفطر صائما، وخصوصاً أن غالبية مرتادى الموائد الرمضانية من المحتاجين، وبعضهم من الثوار الأحرار، مضيفاً أنه يحمد الله على عدم وجود موائد تقيمها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين هذا العام، حتى لا يتم استغلال البسطاء مجددا.
محمد شرقاوى، يعد الشاى والقهوة فى ركن من الميدان "نحن متواجدون فى الميدان منذ ثورة يناير 2011، نعيش فرحة الثوار ونتعرض للضرب عند الهجوم علينا، سواء من الأمن فى الفترة الماضية أو من أنصار الإخوان حاليا، ومن الطبيعى أن نتشارك أيضا إفطارنا معهم".
سعدية أحمد "45 سنة" اعتادت أن تقضى شهر رمضان بالشنط الرمضانية، التى توزعها جماعة الإخوان، ولكن لم تشعر بالفرق بعد غياب تلك المساعدات، لأنها تتنقل للإفطار بين موائد الرحمن فى السيدة زينب وبولاق الدكرور، وغيرها من الموائد التى ينظمها عدد من رجال الأعمال الميسورين.
وسط حى "السيدة عائشة" الفقير، تجتمع رشا وصديقاتها وسط أجولة الأرز والمكرونة وأكياس السكر، وكراتين الزيت والسمن المرصوصة بجوار حبات الفاصوليا البيضاء واللوبيا، لتجميعها فى "شنط" يتم توزيعها على الفقراء، وهى العادة التى بدأت رشا وصديقاتها فى ممارستها، قبل 10 سنوات حيث تقوم بتوفير جزء من مصروفها وزملائها طوال العام ويشترون بها مستلزمات رمضانية.
تهرول نحو الشنطة الرمضانية سيدة عجوز وشفتاها تتمتمان بالدعاء وفى عينيها نظرة توسل تمتزج بابتسامة رجاء، تلقفت الكيس البلاستيك الكبير وأحكمت قبضة يديها عليه بعد أن فتحت جزءا بسيطا منه وأطالت النظر داخل محتوياته.
أما على أبو العلا - موظف - 35 سنة، تمثل الشنطة الرمضانية التى كان يحصل عليها من أعضاء التيارات الإسلامية ملاذا له من جشع التجار وارتفاع الأسعار الجنونى الذى ساد الأسواق، لافتا أن الأخوان كانوا يستغلون موائد الرحمن وشنط رمضان فى الدعاية الانتخابية لدعمهم بالأصوات فى المجالس النيابية.
خطوات قليلة بالقرب من ميدان السيدة عائشة تجد عايدة صابر "ربة منزل أرملة" تفترش الأرض، وهى تقول "أتيت لتناول الإفطار، لكى أحصل على شنط رمضانية، بعد أن مر أكثر من نصف رمضان ولم يطرق بابنا فاعل خير واحد، سواء لتقديم شنطة رمضان أو مساعدات مالية أو كيلو لحم أو قطعة قماش، أصبحنا نخرج لأول مرة ونمد أيدينا ونطرق الأبواب طلبا للمساعدة.
وبمرارة ودموع حارقة تؤكد أنها أم لأيتام صغار، وما كان يقدم لها خلال شهر رمضان من وجبات جافة ومساعدات مالية فى أكياس كان يكفيها شهورا بعد رمضان الآن ننتظر من يقدم لها الإفطار".
أما كريم عطا الله، طالب جامعى، يقول إنه حضر إلى منطقة الحسين لتناول الإفطار، لافتا أن هذا العام شهد قله فى تواجد موائد الرحمن بشكل ملحوظ عن السنوات الماضية، التى كانت تشهد تكدسا كبيرا فى أعدادها على جانبى الطريق.
وكان من بين الموجودين فى إفطار السيدة زينب محمد على، عامل، يفتقد موائد تيارات الإسلام السياسى، ويقول "كانت تقدم أشهى المأكولات والمشروبات لنا، وكانت زوجتى، التى تعمل أيضا فى تنظيف الشوارع، وأطفالى الثلاث يحضرون لتناول الإفطار معى".
ويضيف "كنا نشعر أننا فى نزهة وأننا نعيش حلم، وكان ثمن الوجبة الواحدة يوازى مرتب شهر كامل، ولكن منذ سقوط الإسلاميين اختفت المائدة، ولم يعد هناك سوى تلك التى يقيمها جامع السيدة زينب ولكن شتان ما بين اللحوم والطيور وبين الوجبة الضعيفة التى نحصل عليها الآن".
مائدة رحمن
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
مصر رجعت تانى لينا بدون التجارة بالدين