يطل بجسده النحيل، من خلف فرنه البلدى، وبلفات محسوبة يمسك العجين السائل فى يده، ينسج خيوطا رفيعة دائرية على صاج الفرن، حتى تصبح سلاسل من الفضة البيضاء اللينة، ويتحول العجين إلى سلاسل مسبوكة من الذهب فى بريقها ولمعانها.
وقف "محمد- 23 سنة" نجل "إبراهيم مختار" بائع الكنافة الأشهر فى مصر القديمة، داخل محله الصغير على ناصية قرب منزله بحى المغربلين بالقرب من الدرب الأحمر، ممسكا بالصينية النحاسية المستديرة التى تعلو الفرن يلف يده بشكل دائرى، وبعد أقل من دقيقة يجمع الكنافة ليلقيها بجواره لتنتظر زبائنها.
الكنافة لديه ليست مرتبطة بشهر رمضان فقط ولكن مهنة يتكسب منها رزقه طوال العام، وفى رمضان يزداد الطلب بالطبع لذا يقيم سرادق لإعداد الكنافة قبل قدوم الشهر الكريم بأسبوع على الأقل ويظل يعمل طوال 24 ساعة كاملة ويقوم بتجهيز العجين كل ساعة.
ورغم صغر سنه يحكى لـ" اليوم السابع" ذكرياته مع مهنة الكنفانى قائلا: كان والدى، رحمة الله عليه، يعمل صنايعى حلوى بميدان عابدين وكنت أذهب معه وألتقط منه الصنعة شيئًا فشيئا إلى أن توفاه الله، فعملت مكانه، وتوسعت فى المحلات والآن يعمل تحت يدى أكثر من 12 عاملا من أفضل الكنفانية فى مصر.
"محمد" يعتبر نفسه محظوظاً لأنه استقى المهنة وتعلم أصولها من أسرته فكانت له خلطته السرية وبصمته المميزة، مؤكدا أن والده هو الذى بدأ صانعا للكنافة على مدار 25 عاما متواصلة وأن محلاته كانت ولا زالت "أصل الكنافة".
وعن أدواته خلال شهر رمضان، قال: نعد العدة لهذا الغرض، حيث نبنى فرنًا خاصًا لتسوية الكنافة ويستخدم مع الفرن إناء ذى ثقوب تكون صفاً واحدا، ويستخدم حلة للعجين ومصفاة لتصفيته ومغرفة أو كبشة كبيرة لغرف العجين السائل من الحلة إلى الإناء المثقوب.
ويؤكد "محمد" فى حزن شديد أن الكنافة الآلى أو الماكينات التى تنتج كميات أكبر أثرت بشكل كبير على صنعته وبدخولها فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى أدت إلى توارى الكنفانية المهرة الذين يحفظون أسرار المهنة.
ويوضح "محمد" أن الكنافة نوعين بورما أو صحرة، أما عن الفرق بين الكنافة اليدوى والآلى يقول: الكنافة اليدوية تكلفتها أعلى من الآلية من حيث كمية الدقيق والمدة الزمنية لتحضير العجين فضلا عن أجر الصانع الذى يزيد على ثلاثين جنيها كل يوم ولهذا يتجه أغلب باعة وصناع الكنافة إلى الماكينات ذات التكاليف الأقل والربح الأعلى.
ويضيف: التطور هو سنة الحياة، ومع ذلك الزبائن حاليا لا يفرقون بين النوعين بينما الزبائن فى الماضى كانوا يفضلون الكنافة اليدوية لمذاقها الطيب وجودة صناعتها.
للصنعة أصول.. كنفانى طوال السنة وليس برمضان فقط
الإثنين، 22 يوليو 2013 10:28 ص