متكئا على نبوت غليظ، يجلس على الحد الفاصل بى الأضرحة والمراجيح عم عباس الذى قضى الليلة بأكملها لنقل عربات مراجيحه دون أن يلقى بالا للموت من حولها، يستند هو وهى إلى أسوار المقابر مثلما اعتاد منذ 25 عاما، ليصبح الجزء الأكبر فى مولد الإمام الشافعى الذى تقام احتفالاته كل عام على أسوار المقابر، بينما يستقر الزاهدين أمام مقام الإمام على بعد خطوات.
قبل أن تدخل إلى قلب المولد وبين مراجيح عم عباس سيقابلك مقام الإمام "الوكيع"، مقرئ الإمام الشافعى، وأمامه حارسه مصطفى حافظ، الذى ولد بداخله منذ 62 عاما.. الاحتفالات، والغناء، والمراجيح على أسوار الأضرحة هى مشهد يتكرر كل عام بالنسبة للرجل منذ وعى على هذه الدنيا، يملك فلسفة فى طبيعة الاحتفال بمولد وسط آلاف المقابر ويقول "اللى اتربى على الشقى بيطلع فيه، واللى اتربى بين الأموات عادى أنه يلعب وسطهم، ويعمل المولد وسطهم، دية عادتنا كل سنة، والمولد تقريبا ما اتغيرش من يوم ما وعيت على الدنيا، سكان المقابر بس الأحياء والأموات هما اللى كترو".
مراجيح عباس إمام محمد، تتسع بعض الشىء عن فكرة مرجيحة للغلابة.. الرجل يبدوا وكأنه منظم المولد بأكثر من خمسة عشر مرجيحة كبيرة، وعربات البمب، وطابور طويل من العاطلين، والمسجلين خطر الذين تابوا أمام باب الرزق الزهيد الذى يأتيهم بالحلال من مراجيح الرجل الخمسينى الذى ينظمهم ويديرهم من فوق كرسيه دون أن يتحرك، عم محمد لا يمر بمولد الإمام فقط فجميع الموالد هى باب رزق يدقه دون ملل، ولكن مولد الإمام بين الأضرحة هو الأغرب مثلما يقول "هنا بس اللى بيكون المولد على سور المقابر، وبعديه بيوم بيكون مولد سيدى السنان وده زيه ويمكن أكثر منه لأنه بيكون فى قلب المقابر كمان كام متر، بس هنا الأغرب لأن الثانى بيبقى صغير وبندخل فيه مرجحتين بس".
على بعد خطوات من الرجل الذى يتمنى أخذ كل مراجيحه مقابل كشك صغير، يضمن له حياة بعيده عن وجع دماغ الحكومة، والبلطجية الذين رسموا علامتهم فوق جسده العجوز فى كل مولد يدافع فيه عن بنت أو سيدة، أو طفل صغير، يلتقط وحيد الذى قطع لتوه رحلة بين الأضرحة المتعرجة حمل فيها سنوات عمره الخمسة عشر فوق كتفيه حتى وصل إلى شارع الإمام الشافعى ليحتفل بالمولد مثل كل عام أطراف الحديث، مؤكدا أن مولد الإمام هو لحظة السعادة الوحيدة التى يعيشونها تقريبا خلال العام، وعن قصص الأشباح وإزعاجهم بصخب المولد يتحدث بثقة "ما فيش الكلام ده فى ثلاثة بس اتلبسوا فى المنطقة بس الموضوع ما لوش دعوة بالمولد، أحنا اتعودنا نيجى كل سنة ونحتفل بالمولد".
ببشرة سمراء تدل على جنوب مصر، يجلس محمد عبد العزيز عبد الله، حارس أحدى الترب التى يقام المولد على أسوارها يراقب المشهد هو وزوجته، ويقول، "انتشار المقابر حوالين مقام الإمام هى السبب فى أن مولد صاحب المذهب الشافعى يبقى بين الترب، أنا هنا بقالى أكثر من خمسين سنة، والمولد اتغير فى السماعات والأغانى الكثير، زمان كان بييجى أهل الذكر، والمدح ويغنوا، وسط المراجيح، لكن دلوقتى ديه موضة العصر، والمولد بيمشى معاها".




