محمد عبد الناصر

الاشتراكية الديمقراطية ببساطة (3-3)

الأحد، 23 يونيو 2013 01:29 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظهرت الحاجة إلى التنظير لمثل هذا النوع من الاقتصاديات التى تعتمد النظام المختلط المائل إلى اليسار أول مرة أثناء الكساد العالمى العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكتب فيها الاقتصادى الإنجليزى جون مينارد كينز كتابا مهما اسمه "النظرية العامة فى التشغيل والفائدة والنقود"، وتبنت أفكاره كثير من الأحزاب السياسية فى دول سبقتنا بكثير.. ولقد أثبتت أحزاب "يسار الوسط" نجاحها عمليا فى اختبارات تاريخية عديدة حول العالم، والأمثلة كثيرة جدا.

خذ عندك مثلا تجربة شهيرة كتجربة الاشتراكى لولا دا سيلفا فى البرازيل.. الذى نهض ببلده فى فترة قياسية، وجعلها مركزا اقتصاديا وحضاريا راقيا، بعد سنوات من سقوط الحكم العسكرى، تولى فيها اليمين الليبرالى السلطة، فلم يقدم هذا التيار صنيعا أفضل بكثير من صنيع التحف التى عندنا..!

وفى ألمانيا مثلا.. اثنان من أشهر زعمائها التاريخيين الذين بنوا الأسطورة البافارية المعاصرة كانا اشتراكيين ديمقراطيين، أولهما فريدريتش ناومان.. أول رئيس لألمانيا بعد ثورة نوفمبر 1918، الذى نجحت ألمانيا فى عهده فى كتابة دستور نموذجى، اعتبر من أفضل دساتير العالم، ومثلت فترته فترة ازدهار اقتصادى وحضارى واجتماعى غير مسبوق، وثانيهما المستشار الألمانى فيلى برانت الذى سقط فى عهده جدار برلين، واستعادت ألمانيا وحدتها وعافيتها.

كما أن معظم الدول الاسكندنافية نهضت تحت حكم يسار الوسط، ومن الدول المحكومة حاليا بحزب اشتراكى ديمقراطي: النرويج، حيث يتقلد رئاسة وزرائها رئيس حزب العمال ينس استولتنبرج المصنف يسار الوسط.

وكانت تحكم آيسلاندا حتى الثالث والعشرين من شهر مايو 2013، سيدة شقراء من الحزب الديمقراطى الاشتراكى الآيسلاندى اسمها جوهانا سيجاردوتير، تولت السلطة عقب احتجاجات عنيفة نتيجة للأزمة المالية العالمية، وأخذت الدولة وهى شبه مفلسة، ونجحت بعد سنة واحدة فى تمرير دستور جديد، بمشاركة شعبية على فيسبوك ويوتيوب، ومحاسبة بعض رموز الحكومة السابقة على الاحتجاجات، وفى عام 2013 كانت آيسلندا قد قدمت نموذجا فريدا يُنصح بالاحتذاء به فى تجاوز الأزمات الاقتصادية الحادة والعودة إلى الانتعاش.

وخذ عند أيضا أنريكو ليتا رئيس الوزراء الإيطالى الحالى الذى كلفه الرئيس جورجيو نابوليتانو فى أبريل الماضى بتولى الحكومة، وهو الآخر ينتمى إلى يسار الوسط، وإذا انتقلت إلى إسبانيا وجدت أن أكثر حزب حكمها منذ بداية الحقبة الديمقراطية فيها هو الحزب الاشتراكى الإسبانى المحسوب على التيار نفسه.

نحن نتحدث إذن عن نموذج تمت تجربته فى دول محترمة من العالم تستحق الاقتداء بها، ولنا الاختيار إما أن نكون مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والنرويج وآيسلندا.. أو نسير فى سكة "الذى يروح فلا يرجع" التى حذرنا منها رئيس الوزراء الماليزى السابق مهاتير محمد عندما استضيف فى القاهرة مؤخرا وحذرنا من قروض صندوق النقد الذى تسيطر مجموعة محددة من الدول على سياسته، ومن "إصلاحاته" الاقتصادية الجميلة التى لا تبقى ولا تذر.. لواحةٌ للبشر..!

يبقى أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما: هل من الممكن أن تفشل أطروحة يسار الوسط؟
والحقيقية هو أن فشل أى شىء ممكن! ولعلك لاحظت أننى فى سياق ذكر تجارب حكم أحزاب يسار الوسط حول العالم أغفلت الحديث عن محطات مهمة لم تكن طيبة الذكر على أى حال، مثل تجربة ذو الفقار بوتو فى باكستان التى لم تكتمل وأطاح بها انقلاب عسكرى إسلامى بمباركة أمريكية نظرًا لدخولها بأفغانستان عصر التكنولوجيا النووية، كما أن تجربتى الرئيسين الفرنسيين الراحل فرانسوا ميتران والحالى فرانسوا هولاند، لا يمكن أن توصما بأى حال من الأحوال بالنجاح المرجو.

والاشتراكية عموما كأيديولوجيا سلطوية كثيرا ما تفرز دولا مركزية شمولية أو أنظمة مستبدة، لكننا عموما.. عندما نعرض لرؤية أو نتبنى أيديولوجيا ما فإننا لا نطرحها فى المطلق أو الأزلى، ولكننا نقدمها الآن وهُنا، وفى سياق لحظة تاريخية معينة، واضعين نصب أعيننا أيضا حقيقة أن من يقدم للناس أى رؤية سياسية أو اقتصادية على أنها صالحة كما هى لكل زمان ومكان فهو غالبا نصاب يبيع للناس كلاما معسولا للاستهلاك المحلى، أو كلاما من كُتب التسويق على أحسن تقدير.

كل شىء فى الدنيا يمكن أن ينجح فى مكان أو زمان معينين، ويمكن أن يفشل فى مكان وزمان آخرين، فليس هناك بذرة واحدة صالحة للزراعة فى كل تربة، ولا يوجد دواء واحد يشفى من كل الأمراض، غير أننا يجب أن ننتبه إلى أن ضرورة اللحظة التاريخية التى نحن فيها الآن تفرض علينا طرح بديل جذرى لما هو قائم حاليا، ولا تمنحنا الكثير من رفاهية التفكير فى الفشل!

أخيرا.. لعلنا نتساءل عما إذا كان عندنا فى مصر هذا النوع من الحركات السياسية التى تتبنى أطروحة يسار الوسط وتحرص على أن تقدمها فى خطاب انحيازاتها المعلنة.. هل هناك فى مصر من يقول بهذا الرأى؟ هل هناك من يريد أن يصل بالإنسان إلى أن يصبح هدف التنمية وليس أداتها؟ هل هناك من يعظم قيمة العدالة الاجتماعية دون أن يتورط فى ترويج نماذج حكم شمولى ديكتاتورية أو يدافع عن أنظمة مستبدة؟

هناك فى مصر بالفعل حزب يقدم هذا الطرح، وأتوقع له أن يحسن صنيعا بهذه الأمة إذا ما تولى الحكم، خصوصا مع تصالحه مع الهوية العربية الإسلامية، واعتزازه بها.. هذا الحزب اسمه: "مصر القوية".





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد رشاد

ازاااااااااااااااااااى

عدد الردود 0

بواسطة:

م احمد

كلام في كلام

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد على

كلام سطحى جدا

انصحك بالتعمق
هناك مخالطات كثيرة

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة