دقات ساعته تدق السادسة صباحاً، ينهض مستعيداً جدول مواعيده المزدحم بمشاوير طويلة لا تنتهى، هاتفه الصغير لا يتوقف عن الدق وعقله المزدحم لا يتوقف عن العمل، "عماد حمدى" أو "عمدة المخلصاتى" كما يظهر رقمه على هواتف العملاء أو أصحاب "المصالح" التى تنتظر من يقضيها، مساحة حياته كثيرة التعرجات لا تنحصر بين عمله فى إدارة المرور "كمندوب تراخيص" كما اختار لنفسه لقباً، فحياته سلسلة من المشاوير التى اشتهر بها "عماد" صاحب الوجه الأشهر فى إدارات المرور والمكاتب والهيئات الحكومية، مشوار سريع للمرور قبل الذهاب إلى "معرض السيارات"، ينحرف بعدها للانتهاء من ترخيص الأوراق التى انحشرت فى أدراج الروتين، بصنعة لطافة يفك تعقيدات الأختام والدمغات والمستخرجات التى لا يفهمها سوى من اعتاد القفز بين المكاتب الحكومية التى حفظها "عماد" عن ظهر قلب "كمخلصاتى شاطر" كما يصف حياته ببساطة ويعتبرها "مهنة مش موجودة غير فى مصر".
تحية على الطاير، كوباية شاى على السريع، بعض القفشات والسلامات والوعود، هى سياسية "عماد" التى أضاف عليها خبرته فى "الفهلوة" فأصبح لها فعل السحر فى فك العقد والخروج بالأوراق المطلوبة "من تحت درس الروتين الخانق"، "لو عايز تطلع ورقة فى البلد دى لازم تسأل على السكة" بثقة من يعرف ما لا تعرفه يتحدث "عماد" عن مهنته التى يتقنها ويحفظ خباياها منذ ما يزيد عن 10 سنوات قضاها بين الأوراق والمصالح الحكومية وإدارات المرور على مستوى جمهورية مصر العربية التى لفها "كعب داير" على حد تعبيره، "مندوب تراخيص" يرد بابتسامة عندما تسأله عن المسمى الوظيفى لعمله كنحلة لا تتوقف فى مصلحة المرور، يخبرك التهكم فى ابتسامته عما يخفيه ورائها فهو لا يعتمد على الوظيفة التى يراها غير ثابتة ولا "توكل عيش"، لقمة عيشة الحقيقية هى "السبابيب" أو "المرمات" التى يتعرقل بها أينما ذهب، هنا من يحتاج لاستخراج الرخصة وهناك من يحتاج لمشوار للشهر العقارى وآخر من ينتظر استلام جواب البنك وختمه بالأختام الرسمية وغيرها من "السبابيب" التى لا تنتهى فى حياة "المشهلاتى" التى يستقر بها "عماد" بحكم الظروف التى لم توفر له عملاً آخر.
يحكى عماد "شغلتى أنى أعرف أخلص أى مصلحة أياً كانت، بدأت بشغل طيارى فى كذا مكان لحد ما استقريت فى إدارات المرور، وبقيت أخلص ورق الرخص وكل الإجراءات"، يكمل متداركاً نظرات الاستخفاف بعمله "لفيت كل إدارات المرور فى مصر من إسكندرية لأسوان، وقابلت كل الفنانين اللى جايين يخلصوا أوراق عربياتهم"، لا يكاد يكمل حديثه قبل أن يشير إلى قائمة الأرقام على هاتفه قائلاً: أنا معايا أرقام ناس مهمة خلصتلها ورق "حسين الإمام"، و"أحمد عز"، "ونادية الجندى" منهم اللى شفته فى مرور المعادى ومرور مصر الجديدة.
"كان نفسى أشتغل طيار" يضحك عندما يتذكر حلم الطفولة الذى استبدله بالطيران بين المكاتب والهيئات حاملاً الأوراق والأختام كمفتاح سحرى لكل باب مغلق بختم النسر، حلمه الحالى لا يتعدى الجلوس على مكتب فى أى شركة "محترمة" طالما لف بها طالباً ورقة مختومة فى انتظار المصلحة القادمة، الطيران بالنسبة للمشهلاتى ليس مجرد حلم كما اعتاد "عماد" وغيره التمنى، فهى سمة أساسية فى شخصية كل عصافير المصالح "الطيارى" التى لا تخلو دائماً من "عمدة" جاهز لحل العقد.
عشان فى مصر الفهلوة تكسب..
عماد من حلم الطيران إلى القفز بين المكاتب "لتسليك الروتين"
الثلاثاء، 18 يونيو 2013 03:17 م