أكرم القصاص يكتب : غزوة ضد الثقافة.. ونهضة ضد العقل وحرب على قلوب المصريين المثقفون اعتصموا دفاعا عن طه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ والمسرح والسينما.. وليس من أجل مبانٍ أو أشخاص

الخميس، 13 يونيو 2013 11:43 ص
أكرم القصاص يكتب : غزوة ضد الثقافة.. ونهضة ضد العقل وحرب على قلوب المصريين المثقفون اعتصموا دفاعا عن طه حسين وأم كلثوم ونجيب محفوظ والمسرح والسينما.. وليس من أجل مبانٍ أو أشخاص نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

الثقافة ليست مبانى وأشخاصا، لكنها تراكمات لأفكار وروايات وكتب وسخرية ودموع ومسرح وسينما وأغان، تراكمت عبر السنين وشكلت العقل الجمعى. ولم تكن غزوة الثقافة فى شارع شجرة الدر مجرد خلاف فى الرأى ولا بين تصورين عن الثقافة، لكنها تعبير عن صراع بين تيار يعرف الثقافة المصرية وقيمتها، وتراثها وقوتها التى أثرت فى الداخل والخارج، وبين تيار لا يريد كل هذا، يرفض نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم وأم كلثوم ونجيب الريحانى وسيد درويش ومحمد عبدالوهاب والسنباطى والقصبجى، وغيرهم ممن يشكلون الوجدان المصرى بل والعربى، ويتباهى بهم المصريون حتى هؤلاء الذين لا يعرفون القراءة والكتابة.

وبعيدا عن اللت والعجن وادعاءات الوزير وأنصاره الذين يقلبون الحقائق، هى حرب العقول والقلوب، تكسب فيها الثقافة المصرية التى تسرى فى العقل بشكل تلقائى.

حرب عقول وقلوب قبل أن تكون حربا على مبان وأشخاص. حرب على الثقافة استشعرها مثقفون كبار وخرجوا ليدافعوا عنها، لا يدافعوا عن مبنى وزارة الثقافة فى شجرة الدر، ولا مبنى الأوبرا ودار الوثائق، ولا عن كوادر ثقافية تمت إقالتها، لكنهم يدافعون عن ثقافة مصر وقوتها الناعمة، فى مواجهة زحف الغباء والتصحر العقلى، والأرواح الجافة.

الثقافة التى جعلت مصر الأكثر تأثيرا فى العالم العربى، قوة لا يمكن حسابها فى مبان وأشخاص، بل قوة ثقافة تكونت على مر السنوات، وكان نجاح وفشل الدولة مرتبطا بمدى رعاية هذه الثقافة ونشرها فى الداخل والخارج.

من رفاعة الطهطاوى الذى سافر للخارج واكتشف أهمية تعليم المصريين، وبدأ فى أول ديوان لترجمة الأفكار ونشرها للعامة، وطه حسين الكفيف الذى غير طريقة التفكير، كما جعل كفاحه أن يكون التعليم كالماء والهواء، وهو أول من قرر مجانية التعليم فى حكومة الوفد، واكتملت مع عبدالناصر ليصبح التعليم عاما، وليتولى أبناء الشعب المناصب. وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد، الذى نقل الفكر الإسلامى وقدمه بسيطا وعميقا للعامة.

ثقافة تشكلت عبر السنين من أفكار ومسرحيات توفيق الحكيم، وكتابات سلامة موسى وعبقريات عباس محمود العقاد، وكتب محمد حسن الزيات، وأعمال مختار الفنية التى يعرف المصريون منها تمثال نهضة مصر، الذى كان يتظاهر بجواره بعض أنصار هدم الآثار. ولم نسمع من أيهم كلاما عن الثقافة والتاريخ، والعقل المصرى، ولكن رأينا كبارهم يستعرضون القوة فى مواجهة مثقفين كل ما يقدمونه قلما أو ريشة.

وزير الثقافة علاء عبدالعزيز جاء ليبدأ الهدم، من دون أن يقدم مشروعا بديلا، ولا تصورا عن الثقافة، ولا بدت لديه أو لدى مريديه من دعاة العنف والمصادرة السابقين والحاليين بادرة احترام لهذا العقل الجمعى الذى تكون عبر عقود طويلة. هم لا يحبون أم كلثوم ولا عبدالحليم حافظ، بالرغم من أنهم يزعمون مشاركتهم فى ثورة كانت أغانى عبدالحليم ملهمة لها، مع أشعار نجم وأغانى إمام. كل مواهب الوزير أنه كتب مقالا فى جريدة الإخوان قدم نفسه للجماعة وهاجم المثقفين عموما من دون تمييز، ويعلن أنه يريد تغيير الثقافة وشكلها، وهى ثقافة أكبر كثيرا من الوزير ومن الجماعة ومن الإرهابيين، ومن المصادرة، لا يمكن القول إنها نشأت فى دواوين الحكومة، وإنما نمت على مدى عقود وتكونت بأفكار المئات من الكتاب والأدباء والمفكرين، والمخرجين والمسرحيين. وكان ازدهار الدولة وإنجازاتها مرتبطا بازدهار الأدب والسينما والمسرح، لكن القادمون الجدد لا يحبون هذا، ولا يعترفون به، ولا يحاولون حتى الاستمتاع بهذه الثروة الروحية.

مصر التى احتضنت الكتاب والصحفيين والدعاة من الخارج، احتضنت جمال الدين الأفغانى، والكواكبى، ويعقوب صنوع، وبشارة تقلا، وعائلة زيدان الذين أسسوا دار الهلال، وأثروا المكتبة العربية بكل الأفكار العظيمة، كانت مصر قبلتهم للفكر والثورة، قبل اختراع وزارات الثقافة.

هل يعرف وزير الثقافة ومؤيدوه هذا؟ إذا كانوا يعرفونه فلماذا لا يدافعون عنه، وينضمون لمن يدافعون عنه. الوزير القادم من حزب لا يعترف بالثقافة والأفكار خارج العقول الضيقة، وأنصار الوزير مثلهم الأعلى إنجازات طالبان بإغلاق التليفزيون وإلغاء الثقافة ومنع المرأة من التعليم.

الوزير لم يقدم تصورا عن الثقافة، ولم يقل إن لديه خططا مغايرة، لكننا وجدناه يستخدم الفساد شماعة لعملية هدم واسعة، وغزوة استيلاء لا تختلف عن غيرها من أفيال السياسة الذين نشروا الرعب والإحباط. هؤلاء الذين يكرهون نجيب محفوظ ولا يرون فى الفن غير الفساد، ليس من بينهم شخص واحد يرى ميزة فى ثقافة مصر وتصوير كبار المثقفين الذين يعتصمون فى الوزارة أنهم من رجال النظام السابق، بينما أغلبهم معروفون أنهم كانوا ضد نظام مبارك، وكانوا ممن شاركوا فى الثورة، لكنها المصادرة التى جعلت جماعة الإخوان وحلفاءها يحاولون اختطاف الثورة وإعادة كتابة تاريخها ليجعلوا أنفسهم هم الثورة.
لم نر من الوزير توقيرا أو احتراما لقيم وأدباء مثل بهاء طاهر، أو جمال الغيطانى وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبدالمجيد، وعلاء الأسوانى، ويرى ميليشيات الوزير والجماعة أنهم مجرد ناس، ولا يقدم الوزير ولا مؤيدوه تصورا بديلا مثلا يمكن القول إن هناك جدلا حوله، لكن أنصاره ممن ذهبوا ليهاجموا المثقفين ليس من بينهم مبدع يحمل مشروعا بديلا للثقافة والفن، لكنهم لا يحبون رؤية أى من هذا كله، ويكررون أسوأ تجارب التاريخ التى فشلت دائما لحسن الحظ. ويحملون تصورات ساذجة عن الثقافة أنها مجرد مبان وأموال وأشخاص.

ويبقى من بين مؤيدى كاسحات الثقافة، أنصاف وأرباع فشلوا لأنهم ضعفاء، ويحاولون تعليق فشلهم على غيرهم متهمين الأدباء والفنانين بأنهم هم من يقف ضد مواهبهم غير المعروفة، ويتصورون أنهم يمكن أن يفوزوا فى ظل مولد بلا صاحب.

أنصار الوزير منهم من أفتى بكفر طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومن لا يرى فى صلاح جاهين أو فؤاد حداد ونجيب الريحانى ومختار ثروة فكرية تتجاوز كل الثروات، هم لا يقولون هذا الآن ويدورون ويلفون، وهم يعرفون هذا لذلك سوف تجدهم يواجهون الأدباء والفنانين بالسنج والمطاوى، والخرطوش، مع أنهم فاشلون حتى فى هذا.

لن تجد لدى فريق وزير الثقافة شخصا يعتبر نجيب محفوظ من إنجازات مصر، أو يرى أم كلثوم تراثا يجب الحفاظ عليه، ولا توفيق الحكيم أو سلامة موسى أو روز اليوسف، ولا يعرفون أن مصر حصلت على مكانتها بمئات الأفلام وأن العالم العربى كله عرف مصر من خلال أفلام إسماعيل ياسين ونجيب الريحانى وفريد شوقى والمليجى وأفلام يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وعاطف الطيب وداود عبدالسيد.

ملايين المصريين الذين أضحكتهم أفلام إسماعيل ياسين، يعتزون بنجيب الريحانى، والنابلسى وحسين رياض ويستمتعون حتى الآن بأفلام فريد شوقى ويعتبرون محمود المليجى ممثلا عالميا، وحتى فى الدول التى يظن دعاة التعصب أنهم يستوردون منها أفكارهم الصحراوية، تمثل الثقافة المصرية بتنوعاتها جزءا من التفاخر للمصريين. ومن لم يقرأ نجيب محفوظ تعرف على تاريخ مصر من عشرات الأفلام عن رواياته التى مثلت تاريخا وحدها، ومن لم يقرأ رواياته شاهد مئات الأفلام عن كتبه.

المثقفون لم يهبوا دفاعا عن مبان أو أشخاص، وإنما لأنه طوال شهور، نفس الجماعات التى تولت كتابة الدستور هم من أعلنوا مبكرا عداءهم للثقافة والفن، ومنهم شاب طعن نجيب محفوظ فى رقبته واعترف أمام المحكمة أنه لم يقرأ له حرفا وإنما تحرك بفتاوى من نرى بعضهم اليوم، ورأينا آراء لعدد من هؤلاء يطالبون فيها بهدم الأهرام وأبوالهول، والآثار التى يرونها أصناما ولا يرون فيها تاريخا ظل قائما على مدى القرون.

والغريب أن هؤلاء الذين يعادون السينما هم من يعرف أن الولايات المتحدة غيرت العالم بالسينما، وأن هوليود وديزنى كانوا أكثر تأثيرا فى العالم من البنتاجون.

ليس الخلاف حول مبان أو أشخاص، وإنما المعركة حول القيم والثقافة والتاريخ الذى تكون عبر السنوات وشكل عقل مصر خلالها، وعندما نتحدث عن الثقافة فنحن نتحدث عن التراث الفكرى من أدب وشعر وموسيقى، ومسرح وأوبرا، والسينما التى نشأت فى مصر وكانت المصدر الثانى للدخل بعد القطن، الأفكار التى وضعها مفكرون وأدباء على مر السنين وشكلت الوعى المصرى بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وكانت الحرب على الثقافة جزءا من الحرب على العقول والقلوب.

نجيب محفوظ أديب عمومى وأدب صالح لكل الأوقات والأذواق، قدم تاريخا لمصر من بداية القرن للفترة القريبة وهو تاريخ اجتماعى وسياسى.

قدم الفتوات والحرافيش ولو كان عدد القراء قليلا لكن نجيب محفوظ يدخل نسيج الكثير من عقول البشر يجلس على خلفية ذاكرة المصريين الذين كونوا نظرتهم لنجيب محفوظ من السينما بوصفه كان أكثر كاتب ظهرت له أفلام فى السينما سواء من عالم المظاليم فى اللص والكلاب أو القاهرة 30 وهى اسم الفيلم وليس اسم الرواية ناهيك عن الثلاثية التى بالرغم من التلاعب الإخراجى فيها تعد تعبيرا عن عالم وروح روايات نجيب محفوظ. نجيب محفوظ هو كاتب القاهرة، القاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية، المصريون هم خلاصة أجيال وتراكمات وأنواع من البشر المتناثرين والضعفاء والانتهازيين، الذين رصد نجيب محفوظ حياتهم بقصد. ونفس الأمر عن يوسف إدريس ويوسف السباعى، وتوفيق الحكيم، ومحمد عفيفى ومحمود السعدنى ومسرح ويوسف وهبى وزكى طليمات، أو أعمال أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن فى التليفزيون التى قدمت تاريخا مرئيا لمصر بكل تنوعاتها.

وفى الشعر كان أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وحتى أمل دنقل ومحمد عفيفى مطر، وصلاح جاهين وفؤاد حداد وعبدالرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم، وبعض هؤلاء عمل فى مؤسسات رسمية، لكن أغلبهم كان ممن تعرضوا للقمع بسبب أفكارهم. الغريب أن كثيرين من دعاة النهضة يعترفون أن أمريكا والغرب غزوا العالم بالسينما والأفكار، ويتحدثون عن الغزو الثقافى، ولايدركون أن أداتهم لمواجهة الغزو، هى الثقافة التى يحاربونها.









مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة